أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-4-2018
2324
التاريخ: 26-4-2018
1182
التاريخ: 25-4-2018
1930
التاريخ: 25-4-2018
887
|
يختلف التوزيع الإقليمي للإبستمولوجيا بحسب الطريقة التي يتم بها النظر الى العلوم وتعالقها. وينظر النحو التوليدي الى اللسانيات باعتبارها جزءاً من علم النفس ومن العلوم الطبيعية. إن من يتكلم لغة بعينها يكون ممتلكا لنظام من المعرفة ممثلاً بطريقة ما في ذهنه، ومن هنا يكون لهذا النظام صورة مادية في دماغه. ولهذا تحدد اللسانيات التوليدية برنامج عملها في الإجابة على الأسئلة التالية(1):
أ- ما نظام المعرفة الذي تقوم عليه اللغة ؟ أي ماذا يوجد في ذهن الذي يتكلم العربية أو الإنجليزية أو اليابانية؟
ب- كيف نشأ نظام المعرفة في الذهن؟
جـ - كيف يتم استعمال هذه المعرفة في الكلام (أو في الأنظمة الثانوية مثل الكتابة)؟
د- ما هي العمليات العضوية التي تكون الأساس المادي لنظام المعرفة هذا، ولاستعمال هذه المعرفة؟
وهذه الأسئلة قديمة، وتمت صياغتها بأشكال مختلفة، فخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان السؤال الأول الموضوع الرئيسي للبحث فيما كان يسمى النحو الفلسفي. أما السؤال الثاني فيمكن أن نسميه مشكل أفلاطون. وقد صاغ برتراند راسل هذا المشكل
ص44
على الشكل التالي: "كيف يمكن لأفراد النوع البشري أن يعرفوا ما يعرفونه على الرغم من قصر تجربتهم مع الكون ومحدوديتها؟". ويمكن تجزيء السؤال الثالث الى مظهرين: مشكلة الإدراك ومشكلة الإنتاج. تتعلق المشكلة الأولى بالطريقة التي نفسر بها ما نسمعه (أو ما نقرؤه ). وتتعلق المشكلة الثانية بالسبب الذي يجعلنا نقول ما نقول. ويسمى شومسكي المشكلة الثانية مشكلة ديكارت. وأساس هذه المشكلة " المظهر الإبداعي لاستعمال اللغة ". فقد لاحظ ديكارت ان الاستعمال السوي للغة استعمال مبدع على الدوام وغير متناه، كما يبدو انه لا تتحكم فيه المثيرات الخارجية والحالات الداخلية، وهو كذلك ملائم للمقامات التي يستخدم فيها. ويضاف الى ذلك انه يشير لدى السامع الأفكار التي يمكن لهذا السامع أن يعبر عنها في المقامات المماثلة بالطريقة نفسها. ولهذا عد الديكارتيون المظهر الإبداعي في استعمال اللغة أكبر دليل على ان كل كائن يشبهنا في المظهر لابد ان له عقلا مثل عقولنا؛ ذلك أن المظهر الإبداعي مظهر أساسي في الطبيعة البشرية.
أما السؤال الرابع فجديد مقارنة بالأسئلة الثلاثة السابقة. فهذه الأسئلة كلها تقع في حدود اللسانيات وعلم النفس. واللسانيات (بالشكل الذي توجد عليه في التصور التوليدي) هي ذلك الجانب من علم النفس الذي يهتم بالمظاهر الخاصة للموضوع الذي تتطرق إليه الأسئلة الثلاثة الأول. وإذا استطاع اللساني أن يقدم أجوبة عن هذه الأسئلة، فإن العالم المختص في دراسة الدماغ يستطيع حينئذ البدء في دراسة العمليات المادية التي تشي بالخصائص التي أظهرتها نظرية اللساني المجردة. أما في غياب هذه الإجابات، فإن المهتمين الدماغ لن يعرفوا ما الذي يجب عليهم البحث عنه، فبحثهم في هذا الموجه أعمى(2).
وتجدر الإشارة الى ان دراسة الذهن لا تدخل في باب الغيبيات إن عدت دراسة للخصائص المجردة للعمليات التي يقوم بها الدماغ. إن هذا التيار الذهني يعد خطوة نحو إلحاق علم النفس واللسانيات بالعلوم الطبيعية.
ما سقناه أعلاه يخالف الاعتقاد السائد الذي يوضع اللسانيات ضمن العلوم الإنسانية. إلا أن دراسة اللغة تعتبر جزءاً من علم النفس لأن اللغة مرآة الفكر. والفكر، كما يفهم في الإطار التوليدي، هو ذلك الجهاز البيولوجي الموروث، والذي له خصائص معينة تمكننا من إنتاج وتأويل اللغة. ودراسة اللغة، بهذا المعنى، تمكننا من معرفة جزء من هندسة الذهن خاصة، لأن هذه الأخيرة تستطيع وضع افتراضات حول تكويننا البيولوجي، وعلى الأخص في ما يتعلق بذلك الجزء من الدماغ الذي يستعمل في اللغة.
ص45
ويتم التمثيل للمعنى، في إطار النظرية التوليدية، من خلال البنى الدلالية. وينبغي أن تخضع هذه البنى الى مقياسين:
أ- يجب أن تكون البنى الدلالية ذات واقعية نفسية (psyclological reality) والواقعية هي أن يعكس التمثيل (أي البنية الدلالية) ما يفترض أنه ممكن كسيرورة ذهنية لدى المتكلم. والسيرورات الذهنية عبارة عن بناءات نظرية يمكن ثبوتها عن طريق النظرية. فالفونيم، مثلا، كيان غير موجود فيزيائياً، إلا أن له واقعا نفسيا. انه وان لم يوجد على مستوى الواقع الفعلي، يشكل النفسي الذي يقابل الصوت (المتلفظ به) الذي له واقع فعلي. وقد أثبت سايبر (1933)، في مقال له بعنوان " الواقعية النفسية للفونيمات)، اختلاف مفهوم الفونيم عن الصوت الذي يمثله. كما أكدت النظرية الصواتية – باعتبارها نظرية فرعية داخل النظرية اللغوية ككل، مع تروبتسكوي وياكبسون، الحقيقية النفسية للفونيم، وذلك من خلال السمات المميزة وتأليفية الأصوات. وقياسا على مثال الفونيم، الذي يعد نظريا للصوت، يجب أن تكون للبنية الدلالية هذه الواقعية.
ب- على مستوى التمثيل، ينبغي ان تكون المعلومات الآتية من اللغة والمعلومات الآتية من الأنسقة الإدراكية المختلفة معلومات متجانسة. وهذه النقطة مرتبطة الى حد، بالنقطة السابقة. والمستوى التمثيلي الذي توجد فيه هذه المعلومات ينبغي أن يكون مستوى عاما تلتقي فيه التمثيلات القادمة من مختلف الأنسقة البشرية.
لقد قدم عدد من اللسانيين وعلماء النفس استدلالا يقول إن البنية الدلالية (أي المعلومات التي تصل الى الذهن عن طريق اللغة) تنتقل بصورة مباشرة الى الذهن بالطريقة نفسها التي ينظم بها الذهن التجربة، أي بالطريقة نفسها التي يتعامل بها الذهن مع العالم الخارجي، او البيئة التي تحيط به. وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أنه لكي تقارب المعاني في اللغة مقاربة سليمة، علينا الرجوع الى المعرفة غير اللغوية عند البشر. هذا مع العلم أنه يصعب في مستوى معين، أن نفصل بين ما يعتبر معرفة لغوية وما يعتبر غير ذلك، وهذا أمر معقد جدا، فالآليات التي نحتاج إليها لمعالجة المعاني غير اللغوية تزودنا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالمعاني الموجودة في اللغة. وهذا يرجعنا الى النقطة (ب) أعلاه التي تحتم افتراض مستوى تمثيلي عام يخص مختلف الأنسقة البشرية، سواء أكانت لغوية أم غير لغوية. ولهذا نجد أهم ممثل لهذا الطرح، وهو جاكتدوف، يبين أن القول بمستوى دلالي مستقل يتضمن التمثيلات المرتبطة بالمعنى، قول لا يمكن أن يقوم، وحتى إن قلنا بوجوده فإنه بالإمكان الاستغناء عنه لصالح مستوى تمثيلي أعم هو مستوى البنية التصورية.
هناك، إذن معلومات نلتقطها إما عن طريق اللغة أو عن طريق أنسقة معرفية أخرى غير لغوية. هاته المعلومات تصل الى الذهن لتقيم بنية تصورية تلعب فيها كل من اللغة
ص46
والأنسقة الإدراكية دوراً. وهذه البنية التصورية تجعلنا في غنى عن القول بمستوى دلالي خالص يمثل للبنيات اللغوية فحسب.
هذه الحجة، إذا كانت قائمة، ستجعل من النظرية الدلالية جزءاً من النظرية العامة المبنية التصورية. وستكون قواعد سلامة المعاني والدلالات في اللغة مجموعة فرعية من قواعد سلامة البنية التصورية (أي ما ينظم الأنساق المعرفية الأخرى، من أنساق مرتبطة بالحواس وبمختلف الإدراكات). وبهذا تكون البنى الدلالية تُشتق من التصورات عن طريق قواعد إسقاط، وهي بذلك طبقة فرعية من التصورات.
من نتائج هذه المقاربة، بالنسبة لاكتساب اللغة، أن تعلم طبقة الدلالات الممكنة ليست له صلة بتعلم اللغة، وان تعلم اللغة يعني فقط تعلم المعجم الجزء غير الكلي من التركيب والاصوات والدلالات الخاصة. ولكي نخفف العبء على متعلم اللغة (وهذا ينسجم مع سرعة اكتساب البشر للغة بالمقارنة باكتسابات أخرى)، يجب البحث في نظرية تصورية عن قواعد إسقاط بسيطة يستطيع متعلم اللغة أن يربط بواسطتها بين اللغة التي يسمعها ويتكلمها، وبين تصوره للعالم، إن ما يظهر في شكل قيود نحوية يعكس، بالضرورة، قيوداً تصورية، بما أن الدلالات لا يمكن ان تصب الا في التراكيب التي لا تلامسها. وعلى هذا يمكن اعتبار اللغة وسيلة فعالة لترميز المعلومات التي يعرفها البشر، وهذا المنظور يخالف النظريات المنطقية التي تدعي ان اللغة الطبيعية إنما تعكس شكل المعلومات وليس محتواها.
هذه القيود التصورية تشكل خصائص معرفية لا نتعلمها. وقد وُضعت على العالم بواسطة ذهننا البشري الذي يتضمن عدة أنظمة معرفية أخرى. وهذه الخصائص موروثة فطريا؛ وهذا يتفق مع صلب الافتراضات التي نجدها عند شومسكي.
ص47
____________________
(1) انظر شومسكي (1986)، اللغة ومشكلات المعرفة، ترجمة حمزة المزيني، قلو توبقال للنشر، الدار البيضاء.
(2) نفسه، ص 17 – 18.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|