المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

Weyl Sum
27-5-2018
العسل القشدي Creamy
3-9-2021
Apéry,s Constant
24-1-2020
Mira Fractal
23-9-2021
LCF Notation
26-4-2022
العوامل المؤثرة في التربية الأخلاقية
15-1-2023


المعيارية والدلالة(المعيارية وفكرة(الصواب والخطأ لدى نقاد الشعر))  
  
2466   02:13 مساءً   التاريخ: 28-4-2018
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية التطبيق
الجزء والصفحة : ص130- 173
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / جهود القدامى في الدراسات الدلالية / جهود اخرى /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2018 721
التاريخ: 13-9-2017 3207
التاريخ: 21-4-2018 990
التاريخ: 13-9-2017 4705

 

لقد قصدنا في هذا الفصل الى تأصيل النظرة المعيارية لدى نقاد القرن الرابع، وبوجه خاص إذ يدرسون الجوانب الدلالية – مشكلة المعنى – ورأينا فيما سبق السبل التي سلكتها قضية الصواب والخطأ إن في الفلسفة ومنطقها – أو لنكن أكثر دقة في المنطق الذي عرفه المسلمون عبر الترجمات والتلخيصات بكل ما شابها من زيادات وتحويرات أدت الى فهم خاص للمسألة اللغوية، والمفردات – او في حلبات الدرس النحوي واللغوي، وحتى الأدبي خلال القرون الأولى التي كان القرن الرابع نتيجة لها وذروة بارزة للتأثيرات المختلفة ومنها المفهوم المنطقي والآخر المتعلق بالعربية الفصحى.

ونحن الآن أمام نتاج النقاد، والجانب اللغوي مقدم على ما سواه في البحث. ولا نريد إفراده دون الزوايا المتممة لعمل الواحد من هؤلاء النقاد، ذلك أن الرؤية التي كانت لهم، اتصلت أطرافها اتصالاً وثيقاً يجعل من الصعب استخراج الأحكام ما لم نتطرق الى عدد من المسائل، لذا فالحديث عن المعيارية وعن الصواب والخطأ يتجه أول ما يتجه نحو التناول العام ومن ثم يخصص شيئاً

ص130

فشيئاً بحسب ما تتيح الشواهد، وقد يطول بعض الشيء الاحتجاج والأمثلة وعلة هذا الصنيع أننا نحرص أشد الحرص على ألا تسيطر الفكرة النظرية المسبقة، أو ذاك الاستعراض المتسع، - في جانب من النظر إليه – الذي وقفنا عنده في الصفحات السابقة، على متابعتنا فيغدو كلامنا مجموعة من الآراء التجريدية ذات الصبغة التقعيدية دون أن يكون لها أصل في واقع العمل النقدي في القرن الرابع.

وسنحاول ان نسير وفق خطة تعالج بمجموعة من الفقرات الصغيرة: أ ) تبين استقرار مصطلحات الصواب والخطأ عند النقاد وفي كتبهم وشروحهم، والإشارة الى اشتراك معظم الدارسين والباحثين في تلك الألفاظ الاصطلاحية، وإن كان ثمة خلاف او اختلاف فسنعمل على توضيحه. ب) تقسم ما وقفوا عليه من الأخطاء ومحاولة لتحليلها لنصل الى موقع الجانب الدلالي بينها، والحرص على أن نوازن بينها ما كان الى ذلك من سبيل. ج) عرض مجمل أفكار النقاد النظرية في المشكلة ومقارنة بين النظر والتطبيق ومدى اتساعه أو ضيق مجاله بالنسبة الى ما أبدوه من حدود نظرية. د) التركيز على المعيار المستخدم في الموازنة بين الصواب والخطأ، وارتباطه بالتراث اللغوي وأبعاده في الاحتجاج، وتقنين العربية الفصحى في القرون السالفة. هـ) النظر الى نتائج هذه المعيارية التي اعتمدها النقاد، وأبرز ما يلاحظ هو تلك الحرفية الواقعية، والفهم ذو الحدود الضيقة لدور اللغة ولكونها قابلة للتطور في صور ضرورية منه.

أ) إنّ تشكل المصطلح في كل جانب من جوانب البحث والدراسة، ورواجه بين الدارسين يعني انه قد تم لهم مفهومات محددة، ولا شك أن تلك الأدوات الاصطلاحية ترسم لنا أبعاد النظر النقدي واللغوي، وتجلو الأسس التي اعتمد عليها النقد في عملياته، وقديماً أدرك ابن المعتز في كتابه(البديع) قيمة ابتكار المصطلح – أو لنقل: القيام بعمل البلورة – فنية كلّ من يأتي بعده على أنه هو أول من أطلق هذه التسمية – البديع – رغم أن ضروب الصناعة الشعرية كانت

ص131

ملحوظة قبله، ثم يفتح الأبواب ليضيف من يرى أن التسميات الفرعية التي جاء بها صاحب” البديع” غير كافية. يقول ابن المعتز:” إن البديع اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو. وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد”. ويضيف مشيراً الى إمكانية الابتكار في التسميات. فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة – الاستعارة والتجنيس، والطباق، وردّ الأعجاز على الصدور، والمذهب الكلامي – فليفعل ومن أضاف من هذه المحاسن – ذكر منها ابن المعتز ثلاثة عشر نوعاً – او غيرها شيئاً الى البديع ولم يأت عند رأينا فله اختياره”(1). ورغم هذه اليقظة الى المسألة وهذا الروح العلمي جاء قدامة بن جعفر ليعيد وكأنما هو المخترع مصوراً لنا الأمر على أنه صعوبة عاناها، فيقول” ومع ما قدمته فإني لما كنت آخذاً في معنى لم يسبقني إليه من يضع لمعانيه وفنونه المستنبطة أسماء تدل عليها، احتجت أن أضع لما يظهر من ذلك أسماء اخترعتها، وقد فعلت ذلك، والأسماء لا منازعة فيها إن كانت علامات فإن قنع بما وضعته من هذه ا الأسماء وإلا فليخترع كل من أبى ما وضعته منها ما أحب فإنه ليس ينازع في ذلك”(2)، ولئن كان مطلب إيجاد الأسماء ملحاً في حالة الفنون البديعية والتفريعات الجزئية المتشابهة لقد يكون أقل إلحاحاً في القضية التي نحن في مضمار دراستها، فلا جدال أن الكتب قد اشتملت على استعمالات عدة ولكن التوقف الى أن يرصد اسم محدد لا يلاحظ في بيئة النقاد واللغويين إذ يدرسون الدلالة والمسائل اللغوية في مستوى الصواب، فهم يتداولون مجموعة مصطلحات تلتقي في النهاية لدى تحليلها على حدود مفهوم الصواب والخطأ، وتتبع النهج المعياري.

ص132

ونبدأ رحلة المصطلح بالآمدي في(الموازنة)، فقد أفرد اقساماً من كتابه ليتحدث عن أخطاء ابي تمام في المعاني والألفاظ(3). ويفصل” ما غلط فيه أبو تمام من المعاني والألفاظ”(4) وهو يورد أيضاً” ما أخطأ فيه البحتري من المعاني”(5). وهناك فصول تنتقد مسائل هي أقرب ما تكون الى الخطأ ورده الى الحالة الصحيحة.

وإن الآمدي يجمع في موضع واحد أكثر من مصطلح فإنه وجد نقاد ابي تمام” يعيبوه بكثرة خطائه وإخلاله، وإحالاته، وأغاليطه في المعاني والألفاظ(6)، ولكنه يفضل استعمال كلمة(خطاء)”(7)، فتردد مع الأبيات” فمن خطائه – أبي تمام – قوله:

‏وقد ظللت أعناق اعلامه ضحى             ‏بعقبان طير في الدماء نواهل

‏وهذه الصيغة نجدها في امثلة كثيرة(8)، وهو اما ان يتبعها بمرادف مثل الغلط في قول ابي تمام:

‏شهدت لقد اقوت مغانيكم بعدي           ومحت كما محت وشائع من بردِ

‏فمثل ابي تمام لا يسوغ له الغلط في مثل هذا لأنه حضري”(9) او بشرج يتضمن العيب والركا‏كة بعد قول التمامي:

ص133

جليت والموتُ مُبدٍ حُر صفحته           وقد تفرعن في أفعاله الأجل

فإن” وقد تفرعن...” معنى في غاية الركا‏كة والسخافة، وهو من ألفاظ العامة، وما زال النار يعيبونه(10)، ويسلك الآمدي طريقاً اخر اذ يأتي بالشواهد ومن ثم يعلق عليها بألفاظ قريبة مما جئنا به فبعد قول التمامي:

‏مها الوحش الا ان هاتا اوانسٌ           قنا الخط إلا أن تلك ذوابل

‏نجد عبارة: أخطأ في هذا البيت اذ قال: قنا الخط... ذوابل(11)”، واثر بيت اخر هو:

‏من الهيف لو أن الخلاخل صيرت               ‏لها وشجاً جالتْ عليها الخلاخل

‏يقول ان”من الهيف.. وشحاً: من اقبح الخطأ وأفحشه"(12) وبعد الشاهد:

قسم الزمان ربوعها بين الصبا              وقبولها ودبورها أثلاثا

‏هذا غلط من ابي تمام لان الصبا هي القبول(13)” ويحدد في مواضع بعبارة:” هذا خطأ في الوصف” او” هو في الوصف مخطئ”(14)، وفي نهاية مناقشة لأمثلة استعارات يقول:”وهذه استعارات في غاية القباحة والهجانة والغثاثة والبعد من الصواب(15)”. ولا يخلو الامر من عبارات فيها مصطلح(الصحة)، او الصحيح” فأبو تمام يقول:

ص154

‏وفي الكلة الصفراء جؤذر رملةٍ                ‏غدا مسقلاً والفراق معادلةُ

‏فيردف الآمدي هذ” بأن قوله(الفراق معادله) معنى غير جيد ولا صحيح(17)”، واما التحكم المعياري فتفسره الكلمة التي نقلها عن بعض نقاد البحتري في بيته.

‏لتوت بالسلام بنانا خضيباً               ‏ولحظا يشوق الفؤاد الطروبا

‏فانه "كان ينبغي ان يقول: أشارت، او أومأت او نحو هذا"(18) وكل مارد به كان اجابة واحدة من انصار الشاعر تدور حول امكانية الوزن في استيعاب ايقاع الالفاظ المقترحة، اي ان الآمدي لم يرفض هذا الاسلوب التحكمي من جهته. واننا - بعد هذه النماذج التي مررنا بها من المصطلحات – لا نجد اختلافا بين حدة المعيارية هنا، وما ورد لدى الآمدي قبل.

‏وثمة امثلة اخرى استخدم فيها الناقد عبارات تدور في اطار ما ذكرنا وان لم تتوافق الالفاظ توافقاً تاماً مع المصطلحات التي احصينا - فهو يقول:” مستهجن وليس بجيد”(19) و” ليس باللفظ الجيد”(20).

‏واما تفصيل المواقف التي تنعت بالخطأ او الغلط فهو موضوع الفقرة الخاصة بضروب المشكلات اللغوية والاسلوبية التي نبه عليها الآمدي والنقاد الاخرون، وانما عملنا الان هو توضيح المصطلح، لذا ننتقل الى القاضي الجرجاني في وساطته، لنتابع نظائر ما عرفناه ههنا، فانه يجمع بين اللحن والخطأ في موضع ويربط الاول بالإعراب والثاني باللغة اي ما يعرفه بعض المتأخرين بمتن اللغة،

ص135

‏وهو المتعلق بالمفردات ودلالاتها” فأما المختل المعيب والفاسد والمضطرب فله وجهان: احدها ظاهر يشترك في معرفته ويقل التفاضل في علمه وهو ما كان اختلاله وفساده من باب اللحن والخطأ من ناحية الاعراب واللغة”(21).

‏والغالب في(الوساطة) هو مصطلح(عابوا)، وكذلك(من اغاليط) ولئن كان التعبير بالغلط يوازي الخطأ في دلالته لقد يكون في استعمال(العيب) ايحاء ظاهري بحنوح نحو التخفيف من الحكم بالبعد عن الصواب لذا فيحسن ان نتعرض بعض النماذج:

‏فإنهم” عابوا قول المتنبي:

‏ليمت التعلل بالآمال من اربي         ولا القنوع بضنك العيش من شيمي

‏قالوا: القنوع خطأ وإنما هي القناعة فأما القنوع: فالمسألة(22)” وهكذا يتضح لنا القصد لدى القاضي الجرجاني من مصطلحه فهو - كما يتبدى في الامثلة - يعني الخطأ، وشبيه بهذا عبارة(انكروا) قول المتنبي:

‏اذا كان بعض الناس سيفا لدولة        ‏ففي الناس بوقات لها وطبول

‏فقالوا:” ان جمع بوق على بوقات خطأ(23)”. ونحن نجد ما يمكن عده تفسيرا - في مثال من أمثلة احلام الجرجاني - للمصطلح العام(اغاليط) فمن تلك الاغاليط قول سلة بن الخرشب:

‏اذا كان الحزام لقصرييها        ‏اماما حيث يمتسك البريم‏

ص136

‏‏قال الاصمعي: أخطأ في الوصف لان خير جري الاناث الخضوع(24) وفي العديد من المواضع تتداول كلمة(خطأ) فن قول المتنبي:

‏هذي برزت لنا فهجت رسيساً

‏قالوا:” حذف علامة النداء من هذي، وحذفها خطأ(25)، ومما انكره على المتنبي اهل العلم واستضعفوه قوله:

جللاً كما بي فليك التبريحُ                        أغذاءُ الرشأ الأغنِّ الشيحُ

‏فقال أهل الاعراب: حذف النون من تكن اذا استقبلتها اللام خطأ(26).

‏اذن فصاحب الوساطة يقبل هذه الطريقة من النقد اذ يتكئ على ابراز الاخطاء والبحث بالتالي عن الصواب المفترض، ولا يضعف تقريرنا هذا ان المؤلف يروي احيانا عن القدماء كا‏لأصمعي، واخرين يسميهم بمسميات عامة لأهل الاعراب، فالقاضي الجرجاني يدخل هذه العملة في حيز التداول. ولا يبخسها قيمتها التي عرفت بها في البيئات اللغوية والادبية السابقة عليه.

‏ولعل ابا هلال العسكري في كتابه( الصناعتين) من اوضح النقاد في الدلالة على التشابه فيما بينهم اذ نتحدث عن مسائل(المصطلح)، فانه من جهة يخصص فصلا ليدرس نماذج من اخطاء الشعراء القدماء منهم والمحدثين(27) وذلك كما ‏منع الآمدي، ومن جهة اخرى تتعدد الالفاظ المستعملة لديه مصطلحات وهي تدور في فلك مشابهة لما رأينا عند القاضي الجرجاني.

ص137

‏ويقول العسكري:” للخطأ صور مختلفة نبهت على اشياء منها في هذا الفصل، وبينت وجوهها وشرحت ابوابها لتقف عليها فتجتنبها، كما ‏عرفتك مواقع الصواب فتعتدها(28)، وان كفتي الميزان واضحتان امامه، وهو يدأب على ذكر عبارة” ومن الخطأ...” و” اخطأ..” فن الخطأ قول البحتري:

‏بدت صفرة في لونه ان حمدهم             من الدر ما اصفرت حواشيه في العقد

‏واستعمال الحواشي في الدر أيضا خطأ(29)” ويرد احيانا لديه(العيب) فمن عيوب اللفظ استعماله في غير موضعه المستعمل فيه وحمله على غير وجهه المعروف به كقول ذي الرمة:

‏نغار اذا ما الروح ابدى عن البرى    ونقري عبيط اللحم والماء جامس(30)

‏وكذلك نرى لفظ(الغلط): فانه قول ابي تمام:

رقيق الحواشي لو أن حلْمه    بكفيك ما ماريتَ في أنه برد(31)

‏وفي اثناء هذا الفصل يكرر العسكري العبارات الاصطلاحية او يختصرها بالعطف على اول ذكر لها.

‏ونلاحظ مشاركة احد بن فارس للدارسين الاخرين ههنا عندما يعرض ما للشعراء من ميزات ويستثنى مسائل يلح على انها لا تدخل في معايير النقد اذ يترك ابوابا مشرعة للإبداع وتجاوزاته اللغوية” فالشعراء امراء الكلام يقصرون الممدود ولا يمدون المقصور ويقدمون ويؤخرون، ويومئون ويشيرون،

ص138

ويختلسون، ويعبرون ويستعيرون، فأما في لحن في إعراب، أو إزالة كلمة عن نهج صواب فليس لهم ذلك(32)”، ولا تحتاج عبارات ابن فارس الى المزيد من الشرح فهي تسلك مع ما جاء في كتب الآمدي والجرجاني والعسكري.

وهناك ناقدان يختلف تناولهما للعمل الادبي من جهة النظر والتطبيق فالأول وهو قدامة بن جعفر يتقدم لديه الاتجاه النظري التقعيدي فيعطينا نقد الشعر، والاخر هو(الحاتمي) يترك لنا رسالته الموضحة التي وردت محاورة. اغلبها صناعة لا حكاية لمقابلة او مقابلات. بين الناقد والمتنبي الشاعر، وتتابع الامثلة والشواهد والتعليقات، ومن ثم الردود عليها اي انها على تطبيقي. وهذا لا يدفع ان تتخللها اراء تصلح ان تضم الى سواها في جهود نقدية لترسم صورة لما يحتمل ان يكون رؤية نقدية.

‏اما قدامة فإنه يذكر تحت عنوان(عيوب اللفظ) اشياء يشملها مصطلح(اللحن) والطريف ان الناقد يرجع مائل الاعراب واللغة الى النحويين، ولئن جوزنا استعمال(النحو) للأبواب المعروفة في هذا العلم مضاف اليها ما يعرف من قضايا الصرف، فانه يبدو غريباً الحاق(اللغة) وتدل عادة على المفردات ودلالاتها وارتباطها بالمعنى بذاك المصطلح، وصيغة الحديث هي” ان عيوب اللفظ ان يكون ملحونا وجارياً على غير سبيل الاعراب واللغة، وقد تقدم من استقصى هذا الباب ولم واضعو صناعة النحو، وان يرتكب الشاعر فيه ما ليس يستعمل ولا يتلكم به الا شاذا. ذلك هو الحوشي الذي مدح عر بن الخطاب زهيراً بمجانبته وتنكبه اياه فقال: كان لا يتبع حوشي الكلام”(33).

‏ويبدو الحاتمي اكثر صراحة في تعبيره النقدي فيقول للمتنبي، واخطأت في قولك:

ص139

لأمة فاضة أضاة دلاص               أحكمت نسجها يدُ داود

من أجل أنه لا يقاع درع فاضة، إنما يقال: مفاضة، وجمعها مفاض...

ونلحظ أيضاً قوله لهذا الناقد” وليس يجوز في اللغة”(34) فالمستويان هما ما يجوز، وما لا يجوز أي الخطأ.

ونلمح واحداً من الأصول التي غدت معالم مقررة لدى النقاد، فالمرزباني يروي لنا حكاية نقلها من أوساط الرواة والمتأدبين التي كان الشعراء فيها يتحاورون مع النحويين ومن يروون الآثار القديمة:” وقد ذكر الأصمعي مروان بن أبي حفصة فقال. كان مولداً ولم يكن له علم باللغة حضرته في حلقة يونس – ابن حبيب – وسأل يونس عن قول زهير:

فبتنا عراة عند رأس جوادنا                يُزاولنا عن نفسه ونزاولهُ

فقال مروان من(العروراء) من البرد. قال فقلت له أخطأت(35)” وبذا نعرف كيف كانت تشيع هذه اللفظة الاصطلاحية، وتتسع آفاق دلالتها – في الاستعمال – لتنظيم في ضروب التشكيل اللغوي، وحتى تلك الجوانب الأسلوبية والتراث الذي حمل الى القرن الرابع حفل بالمعيارية سواء في النحو او اللغة او في المسائل الأدبية.

وتتردد في أعمال ثلاثة كلمة(الخلل) لتنبئ عن مستوى الخطأ، وإن صاحب الموشح يحكي عن ابن طباطبا في عيار الشعر قوله:(36)” من الأبيات التي

ص140

قصّر فيها أصحابها عن الغايات التي جروا إليها ولم يسدوا الخلل الواقع فيها لا معنى ولا لفظاً النابغة الذبياني:

ماضي الجنان أخي صبرٍ إذا نزلت           حربٌ يوائل فيها كل تنبال

فالعمل الأدبي – في هذه الجزئية منه – يقصر عن السوية المطلوبة، ويقع في طرف بعيد عن الصواب وسنرى بعد تحليلاً مبسوطاً حول الأسباب والمعايير لمثل هذا الحكم ولكن الباقلاني ينعت بيتاً لامرئ القيس بالخلل في التعبير – إذ يستطرد بصورة غير ذات جدوى في نظر الناقد فالبيت:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة                ترائبها مصقولة كالسجنجل

مع ما فيه من مخالفة في الطبع للأبيات المتقدمة عليه. ونزوع الشاعر فيه الى الالفاظ بالضوء، فليس بطائل(37)، ولابد أن نستطلع مؤلفات ابن جني فهو من اصحاب التصنيفات اللغوية وكذلك خلف لنا عدداً من الشروح الأدبية على دواوين أو مجموعات شعرية تضم الشعر القديم الى جانب نتاج المحدثين القريب من الزمن الذي عاش فيه المصنف، وإننا نجد خلال عملنا الذي يتقصى ألفاظ المصطلح عبارة فيها كلمة(الخطأ) مروية في خبر يُشير الى لغة العامة ففي شرح بيت المتنبي:

وما بك غير حبك ان تراها              وعثيرها لأرجلها جنيبُ

يقول ابن جني، العثيرة: الغبار، قال الراجز: ترى لها عند الصقعل عثيرة. ويقال:” ما رأيت أثراً ولا عثيراً، وقد قيل، وقد قيل: ولا عيثراً وقال ابن

ص141

دريد: هو من كلام العامة وهو خطأ”(38) ونلحظ أن الشارح اكتفى برواية الحكم على اللفظ المشكل، دون أن يوضح لنا قبوله الإطلاق فيه رغم المسألة تحتمل – بحسب ما وجدنا في القاموس – أكثر من وجه للتأويل، فهناك القلب الصرفي لموقع الياء عثير عيثر، وكذا المعنى المختلف لـ(عيثر) في الظاهر، وإن يكن ذا صلة خفية بالمعنى الأول فكلاهما يتعلق بالحركة والتحريك.

وتظهر النزعة المعيارية عند ابن جني في بعض الأمثلة رغم أنها لا تحاط بكلمات الصواب والخطأ المباشر فإنه يعلق على بيت رواه عن أبي علي الفارسي، وينص على أن الصحيح هو ما وافق القياس والبيت هو:

هل تعرف الدارلأمر الخزرج                  منها فظلت اليوم كالمزرج

ويقصد منه الى” الذي يشرب الزرجون وهو الخمر فسكر، وكان قياس أن يقول: كالمزرجن لأن النون في زرجون أصلية عندنا(39)، وفي موضع آخر تناقش في” التمام” وهو شرح لأبيات هذلية لفظة” إسنفط” وبعد أن يذكر الشارح ابن جني إجماع الناس على أنها” رومية” يحتج لهذا الرأي بأنه لم يذكر في الأمثلة(افعنل) وبذا” ينبغي أن يكون العمل على ما أطبقت الجماعة عليه”(40) وتؤكد لنا ادراك ابن جني للحدود بين المستوى الصحيح والآخر غير السوي – على أنها مقاييس – إشارة في الفسر الكبير شرحاً لبيت المتنبي:

ص142

بياض وجهٍ يُريك الشمس حالكة             ودر لفظٍ يريك الدرٌ مخشلباً

فالمخشلب، أو المخشلب هذا الخرز المعروف، وهي ليست عربية ولا فصيحة فاستعملها على ما جرت به عادة الاستعمال(41). إذن درج العامة على تداول هذه اللفظة حتى صارت عادة لهم لغوية ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنها غير صحيحة شيئاً.

ب) أما المآخذ التي نعتت بالأخطاء أو بالأغاليط أو بالعيوب أو بما شابهها مما وقفنا عليه في الفقرة السابقة، فهي تتنوع بين النحو والصرف والدلالة إضافة الى ملحوظات أسلوبية سواء أكانت بلاغية أو تركيبية عامة، والمعول عليه لدينا في استعراض هذه الأنواع هو التركيز على نظر النقاد الى المشكلات بطريقة واحدة هي: البحث عن الصواب والخطأ، ولكننا سنكتفي ببعض الأمثلة غير الدلالية، وسنعمل على التمثيل بعدد أكبر للدلالة وسنتبعها كذلك بتحليلات تظهر في كل شاهد الجانب اللغوي الدلالي.

1- وتشتمل المسائل النحوية في وساطة الجرجاني، وموازنة الآمدي على مناقشة استعمال حروف الجر بعضها مكان بعض، والتعدية المباشرة أو بحرف الجر(42)، والنصب بأن المضمرة في حالة معينة(43) وحذف النون من(يكن) المجزوم عند اتصاله باللام(44)، وزيادة هاء السكت في الكلام المتصل(45) وجواز العطف أو عدمه في حالة لا يشترك فيها المتعاطفان في معنى الفعل(46).

ص143

ولقد اورد الامدي بيت اي تمام:

‏اعجنا عليك العيس بعد معاجها       على البيض اترابا على النؤي والود

‏واشار الى ان البيت مضطرب النظم. رديء اللفظ، لأنه يخاطب الأطلال، فكأنه اراد ان يقول: أعجنا العيس منك على النؤى والود بعد معاجها على البيض اتراباً فجعل(عليك) في موضع منك(47).

‏اما القاضي الجرجاني فيبسط الخطأ كما ‏يصوره خصوم المتنبي ونقاده، ويذكر تعليق انصاره والمحتجين له فهم لا ينكرون الاعتراض وانما يحاولون تسويغه بضرورة الشعر يقول في الوساطة” ومما يقارب الابيات السالفة مما يحتاج الى تبين - في بعضها - وكشف، ويتجه في بعضها الطحن عليه - المتنبي - ويضف في بعضها الاحتجاج عنه قوله:

 

هذي برزت لنا فهجت رسيساً                (ثم انثنيت وما شفيت نسيساً)

‏فقال خصومه: حذف علامة النداء من هذي وحذفها خطأ، لان هذي تصلح ان تكون نعتاً لأي فحذف علامة النداء منه غير جائز” اما المحتج للشاعر فقد قال” هذا لعمري اصل القياس في النحو غير ان ضرورة الشعر تجيز ترك القياس في النحو”(48).

٢ ‏. ونختار مسألة صرفية للحاتمي في رسالته الموضحة اذ ينبه المتنبي الشاعر على خطأ في استعمال المشتقات فيقول له: اخطأت في قولك:(لأمة فاضة أضاة دلاص البيت...) من أجل أنه لا يقال: درع فاضة، انما يقال مفاضة، وجعها مفاض، ولم تأتِ هذه الكلمة في شعر عربي صريح ولا في كلام

ص144

‏مولد فصح، وهذا ليس يجوز في اللغة(49) والناقد يأتي هنا - على ذكر الخطأ ومن ثم يسد المنافذ امام حجج خصه وينهي الكلام بالقول الفصل: ليس يجوز في اللغة، ونرى صاحب الوساطة يصل الى نتيجة مقاربة في مأخذ صرفي آخر على ابي الطيب في بيته:

‏اذا كان بعض الناس سيفا لدولة       ففي الناس بوقات لها وطبول

‏فقيل: ان جمع بوق على بوقات خطأ، وانما يجمع باب فعلُ على افعال في ادنى العدد له، قفل واقفال وعُود واعواد ويحاول المتنبي ان يرد على منتقديه” بأن هذا الاسم مولد لم يسع واحده الا هكذا وجمعه بغير تاء” وينتصر له اصحابه بكلام طويل يخلص بعده الجرجاني الى انه” كان لأبي الطيب في الصحيح مندوحة، وفي المجتمع عليه متسع”(50). وعلى هذا المنوال يجري اصحاب المؤلفات النقدية بحث الامثلة الصرفية، واحيل الى ما وقعت عليه منها(51).

٣ ‏_ وتسرد في الاخطاء نماذج مما ادرجه ضمن تسمية(الأسلوبيات) فهي ما بين تعليق على انماط من الاستعارات، وانتقاد(لالتفات) بلاغي وانكار تركيب لغوي، وضرب من الجناس، وتغليط للشاعر في تصويره غير المطابق للواقع، وتخطئة في اداء معنى جزئي.

‏وقد جاء الامدي بمجموعة من استعارات ابي تمام من مثل جعله” للدهر اخدعاً، ويداً تقطع من الزند، وجعله يشرق بالكرام، ويفكر ويبتسم، وجعله للمدح يداً...” ويعقب قائلا:” وهذه استعارات في غاية القباحة

ص145

‏الهجانة والغثاثة، والبعد من الصواب”(52). ومن الاغلاط التي ما كان ينبغي ان تقع في شعر المتنبي تلك التي عابوا في قوله:

واني لمن قوم كان نفوسنا     بها انف ان تسكن اللحم والعظما

‏فانه قطع الكلام الاول قبل استيفاء الكلام واتمام الخبر، وإنما كان يجب ان يقول:” لان نفوسهم ليرجع الضمير الى القوم، فيتم به الكلام. وهذا من شنيع ما وجد في شعره”(53). ونترك للهامش سائر الشواهد لننتقل الى القسم الدلالي(54).

‏4- تشغل صورتا الكلمة. اللفظ والمعنى(او الدال والمدلول) الدارسين في مضار الدلالة وانهم ليشيدون هذا العلم من المشكلات والقضايا المتفرعة من ترابط هذين العنصرين، في حالتي الكون والتطور، ولا يغيب عنا ان التقسيم أملته طبيعة الدراسة ولا وجود منفصل لأي منفصل لأي منهما عن الاخر.

‏ولن نسوق الامثلة على مشكلات الدلالة لدى النقاد لنضعها في اطر من المفهومات المعاصرة تحمل القدماء مالم يقصدوا في ابحاثهم وتساؤلهم بل سنعمل على عرض تلك المسائل وتنويرها بقدر ما تسمح المسألة المطروقة ذاتها، او تحتاج اليه من معطيات الدراسات الحديثة، ففي رأينا ان توضيح صورة الدرس القديم - بعرضه واستقصائه واختيار منهج لهذا العرض - له المقام الاول فعلى اساس منه نرتب افكارنا وجهودنا المحدثة حول التراث الابداعي شعره ونثره، وكذا النقد ومدارسه فكثيرا ما تغيب الاثار تحت ركا‏م من المقدمات والتعليقات والشروح الزائدة والتي تقوم بتصنيف الاحلام القسرية وتدخل تلك الاعمال في دوامات لانهاية لها معلومة.

ص146

‏ولقد تناول النقاد في ثنايا كتبهم مشكلة ايصال المعنى او المدلول الى السامع او قارئ الاثر الادبي واستندوا الى حقيقة لغوية اولية هي أن لكل لفظ - وهو مجموعة صوتية على نسق معين - محيطاً دلاليا اتفق عليه في متعارف المجتمع اللغوي، فاذا ما اريد التعبير من احساس او استحضار شيء من الماديات في حديث، استحضر المتكلم – او الكاتب - الرموز المؤدية لهذا الغرض، وعلى هذا النحو يتم التواصل وتتبادل الخبرات والانفعالات في حياة الجماعة. لكن التفاعل بن الالفاظ صوتيا وصرفيا وتركيباً من جهة وتغاير الصلات بين الرمز والمدلولات إنما يؤثران في التيار المتناغم السكوني ذاك، وبذا ينشأ خلاف او تعدد في وجهات النظر بين الناقد - اذ يوجه نقده الدلالي. والمشاعر او صاحبه المنافح عنه، وههنا يتكئ المنتقد على قضايا اللغة في اداء المعنى ولا شك ان العنصر الذاتي يقود الى التشدد والتزام الطرف المحافظ السلفي في كثير من الاحيان لدى النقاد.

‏اذن ان الحوار بين الاطراف سيكشف الدائرة الدلالية لكل لفظ مختلف عليه، او لنقل بطريقة اخرى انهم سيشيرون الى الانحراف بالكلمات عن مواضعها الاصلية التي ينبغي ان قل فيها.

‏وكانت اول عبارة نقدية مروية في الكتب لطرفة الشاعر وهو غلام حدث، والطريف انها تتصل بالدلالة اذ هي تظهر خطأ الشاعر - المسيب بن علس - في استخدام كلمة(الصيعرية) واطلاقها على المذكر بينا قصر عادة ميسما ‏للإناث، فهو يقول:

‏وقد اتناسى الهم عند ادكار‏ه               بناحٍ عليه الصيعرية مكدم(55)

اي انه اتسع في دلالة الكلمة لتشمل ساحة اكبر، ويبدوان المسيب ادرك

ص147

الخطأ من منتقده. هذا اذا صحت الرواية أصلا – كان غضبه باديا لوقوف الغلام على هنة في شعره فزجره:” اذهب الى امك بمؤبدة أي داهية”، ولا شك ان لهذه القصة بعدا اخر فالعربية عندما تكون في بيئتها الاولى يتكمن منها - فهماً واداء - القسم الاعظم من ابنائها، رغم ما يثور هنا من نقاش حول الفصحى، ومدى توفر عنصر السليقة فيها.

‏ولدى ابي هلال العسكري و الامدي عدد من الملحوظات تنكر مخالفة الشعراء للسوية الصحيحة، ونرى ان اساء القدماء تتوالى، ولا يقتصر الامر على المحدثين لأبي تمام والبحتري والمتنبي، ولا شك ان هذا جدير بالدرس والمتابعة في الحيز الدائر على التطور الدلالي، فلئن طولب المتأخر بالتزام ما هو مستقر في محيط الاستعمال - والموروث. اللغوي لقد يكون من السائغ النظر بشيء من اليسر لا الشدة الى اعمال المتقدمين.

‏فالبحتري مخطئ في كلمة(الحواشي) اذ يقول:

‏بدت صفرة في لونه ان حمدهم              من الدر ما اصفرت حواشيه في العقد

لان استعمال الحواشي في الدر خطأ، ولو قال نواحيه لكان اجود والحاشية للبرد والثوب فأما حاشية الدر فغير معروف(56).

‏ومثل هذا استعمال جرير(التأريق) لقلق النام اخر الليل بينما هي لما يصيب الانسان اول الليل من تعب او هم ‏يمنعه من النوم.

‏لما تذكرت بالديرين ارقني          صوت الدجاج وقرع بالنواقيس(57)

والخطران ينطبق على اشياء الا ان حركته لا تصح مع الراية، لأن العرف

ص148

‏‏يقول: الخطران للرمح فقول عدي بن الرقاع من الخطأ:

‏لهم راية تهدي الجمع كأنها                 اذا خطرت في ثعلب الرمح طائر(58)

وابو تمام يبعد عن الصواب اذ يحتسب(التقريب والمرطى) من عدو الابل وسيرها في قوله:

كالأرجي المذكى سيرهُ المرطى             والوخد والملع والتقريب والخبب

‏فليس التقريب من عدو الابل، وهو في هذا مخطئ، وقد يكون التقريب لأجناس من الحيوان، وكذا المرطى من عدو الخيل، ولم أره في أوصاف سير الابل ولا عدوها، ويضيف الآمدي خطأ اخر اتاه ابو تمام اذ سمى الربح واهله فيه بالرسم وهذه التسمية(الرسم) لا تنطبق على المسمى(الربع)، الا اذا فارقه ساكنوه فيكون الاثر الباقي بعد ساكنه:

‏قد كنت معهودا بأحسن ساكن         ثاو واحسن دمنة ورسوم(59)

‏كما يعد من الاغاليط ايراد ابي تمام لكلمة(وشيعة) في غير موضعها، ولغير ما وضعت له في البيت:

‏شهدت لقد اقوت مغانيكم بُعدي    ومحت كما محت وشائع من بُردِ

‏ويعقب صاحب الموازنة بأنه” بيت رديء معيب لان الوشيعة والوشائع هي الغزل الملفوف اللحمة التي يداخلها الناسج بين السدى، والبرد الذي تمت نساجته ليس فيه شيء يسمى وشيعة ولا وشائع”(60) الا أننا اذا تمعنا في المسألة نجد فرجة

ص149

قد تحل الاشكال فيها او تنحو به منحى اخر، فالبرد عندما ينسج انما تستخدم في صناعته اعداد من الوشائع، وقد يكون مقصد ابي تمام الولوج الى المعنى من خلال اسلوب بلاغي مجازي هو(اعتبار ما كان)، وهو كثير كقوله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾‏ [النساء 4/2]، اي الذين كانوا يتامى اذ لا يتم بعد البلوغ، وكقوله ايضا ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ [طه 2٠/74] ‏ سمى العبد مجرماً باعتبار ما كان عليه في الدنيا من الاجرام(62). وهو اذ يفيد من اساليب البيان العربي لا يتجاوز مجال الدلالة، بل انه يحفظ لها حدودها الاصلية، وانما يعد استعماله تفلا مؤقتا لغرض شعري جمالي.

‏والزمرة التالية من المشكلات الدلالية المعروضة في نقد الشعر للقرن الرابع، هي تلك التي ترجع اسبابها الى وجود تداخل بين معان متقاربة يساء التفريق بينها في الشعر - كما ‏يرى ذلك المعترضون – او ان توجيه فحوى اللفظ مختلف بين الناقد وصاحب الابيات، او ان التعدد في الواقع، فيلتبس الامر ويقع الخطأ.

‏وان(الافعى) و(الاسود) كليهما من الزواحف المعروفة بخطرها وتهددها الانسان الا ان بينهما فرقا في درجة الاذى، وليس من الصواب ترتيبها في بيت رؤبة:

‏كنتم كمن ادخل في جحر يدا                  فأخطأ الافعى ولاقى الأسودا

‏فجعل الافعى دون الاسود في المضرة، وهي فوقه فيها(63).

‏كذلك يروي الآمدي عن بعض الشيوخ انهم لا يرون استعمال(لوت) في بيت البحتري صحيحا:

لوت بالسلام بنانا خضيباً             ولحظا يشوق الفؤاد الطروبا

ص150

بل كان ينبغي أن يقول:(أشارت) أو(أومأت) أو نحو ذلك. ونرجع ملاحظتهم الى حرص على التمايز بين الألفاظ فلا يختلط بعضها ببعض أو يحل هذا مكان ذلك، فـ(لوت) يحتمل معنى أكثر تخصيصاً من مجرد التحية أو ردها، أي فيه زيارة لا نجد آثارها في غرض الشاعر هنا.

ولكن الآمدي يحتج للبحتري” بأن من الناس من يردُ بمد الاصبع على استقامة، ومنهم من يقتلها ويلويها كأنه يقول بإصبعه: وعليك، فيلويها إذا اراد هذا المعنى”(64).

ويكون تعدد دلالة(تنبال) مسوغاً لتأويلات مقترحة في بيت النابغة الذبياني في عيار الشعر:

ماضي الجنان أخي صبرٍ إذا نزلت          حربٌ يوائلُ فيها كلُ تنبال(65)

فلئن قصد بالكلمة(تنبال) القصير فما هو بالمعنى المقبول هذا الذي نجده في البيت، فكيف صار القصير أولى بطلب الموئل – الهرب – من الطويل ؟، وأما إذا حملت اللفظة على(الجبان) فهو للمعنى، لأن الجبان خائف وجل اشتدت الحرب أم سكنت(66).

أما أبو تمام فيختلط عليه – صوتياً ودلالياً – اللفظان:(اللدم واللطم) فيجيء بواحدة مكان أخرى، فتضيع فروق وصل إليها نمو الفصحى، وصحيح أن معنى مشتركاً يربط بينهما وهو دق الشيء على شيء، إلا أنه قال:

لها من لوعةٍ البين التدام              يعيد بنفسجاً وردَ الخدود

ص151

والتدام النساء في النياحة إنما هو ضرب الخدود، هذا المستعمل المعروف في كلامهم، فاللطم هو الذي يعيد بنفسجاً ورد الخدود لا الالتدام – الذي هو تفصيلاً أن تأخذ المرأة جلداً أو نعلاً فتدق بها صدرها –(67) والغريب ان الآمدي هنا يعد تفصيله للدلالة يحاول تسويغ الاستعمال الخاطئ وذلك للجامع العام بين الكلمتين، ويجري أبو تمام قسمة مبنية على تعدد الرياح فالربوع التي يصفها حباها الزمان بأن وزعها على:(الصبا) و(الدبور) إلا أن التسميتين الاولى والثانية تختصان بريح واحدة(فهذا غلط منه لأن الصبا هي القبول) في قوله:

قسم الزمان ربوعها بين الصبا             وقبولها ودبورها أثلاثا(68)

واللفظ المشكل لا يدل على معنى مغاير لما عطف عليه.

ويستعين الآمدي بالفروق الدلالية بين لفظي:(الفراق) و(النوى) ليوضح الطريقة غير المصيبة التي أدى بها أبو تمام معناه الجزئي في البيت:

وفي الكلة الصفراء جؤذر رملةٍ               غدا مستقلاً، والفراق معادله

فإن(الفراق معادله) معنى غير جيد ولا صحيح، لأن الفراق يدل على مفارقة كل واحد من الأثنين صاحبه، فإذا جعل – الشاعر في بيته – الفراق ماضياً مع أحدهما، وأخلى الآخر منه كان الآخر غير مفارق، وهذا محال(69)”، ونجد حل هذا الإشكال في أنه لو استعمل اللفظ(النوى) لما وقع في هذا الخطأ الدلالي الذي يقود الى اضطراب الغرض الجزئي – البيت – وذلك في استعماله هو ذاته:

سعدت غربةُ النوى بسعاد                فهي طوْع الإتهام والإنجسادِ

ص152

‏فالنوى إنما هي: نية القوم المفارقين دون غيرهم من المقيمين(70). وهكذا تتجلى للباحث الدلالي الاهمية المترتبة على تحديد ابعاد دلالة كل لفظ وحمن استخدامها في الاداء الشعري فكم من التأويلات تنشأ عن الاستبدال والاستعارة غير الموفقة في الالفاظ، وسيبين لنا مدى التحكم عند النقاد عامة في القرن الرابع عندما نقف على معيارهم الذي يعد فيصلا بين المتنازعين والمتحاورين في الدلالة وسواها مما اجروا عليه احكام الصواب والخطأ.

‏وتبقى لدينا في هذا الحيز من مشكلات الدلالة مسألة في بيت ابي تمام:

‏مها الوحش الا ان هاتا اوانسٌ                   ‏قنا الخط الا ان تلك ذوابل

‏فكلمة(ذوابل) تثير الآمدي فينعتها بالخطأ فانه” إنما قيل للرماح ذوابل للينها وتثنيها فنفى الشاعر ذلك عن قدود النساء التي من اكمل اوصافها التثني واللين والانعطاف”(71) ونحاول نحن بدورنا ان نفسر بعض مرامي ابي تمام - او بالدقة ما يحتل ان يكون قصد اليه مما تتيحه طبيعة اللغة والدلالات المعروفة ‏للفظ المشكل، فالناقد انما تسيطر على ذهنه ورؤيته اللغوية الوشائج بين صفة الذبول في الرمح من جهة والتمدح بها فيه من جهة اخرى، وكذلك الرابطة بين تثني الرماح الممدح والانعطاف واللين المشابه لها عند الاوانس الحسان، وهذا موروث ادبي له اعتباره، دون ان يسلب المعنى اللغوي الاصلي حقه في التداول، من حين الى حين، فالذبول في أصل مادته - لغة - يعني ان يذوي الموسوم به او المنسوب اليه فعله، فإذا ما جال في خاطر الشاعر هذا المضمون فتجنبه واستبعده عن الغيد اللواتي يطلب لهن الصور المشرقة الانيقة، فإنه غير ملوم في استعمال اللغة وانما يؤخذ على ابي تمام ههنا تحكم الصناعة. اي انه لم ينقل الينا المعنى المتوافق مع هذه الفكرة فاختلط الامر على السامع والقارئ.

ص153

وثمة طائفة من المسائل تتصل بالدلالة في كتب النقد - المدروسة ههنا - والباعث على اثارتها هو العمل التصويري للمشاعر، فالناقد يرى خللا واضطرابا اذ لا يتوافق اطار اللفظة المشبه بها والاصل المراد ابراز جوانب خاصة فيه، او ملامح ذات اثر على المتلقي، ونستطيع نحن ان نعيد الخلاف الى ابعاد دلالة اللفظ والصفات التي تذكر معه - وهي من نحو منطقي اجزاء تعريفه وماهيته سواء كان مادة او معنى مجرداً - فنظرية التشبيه تقول بالتقاء بين المشبه والمشبه به في سمات – لا يشترط بالطبع تطابقها والا كان الشيء نفسه. هي وجه الشبه او كما ‏يقول القزويني” اما وجه الشبه فهو المعنى الذي يشترك فيه الطرفان تحقيقا او تخييلا والمراد بالتخييل ان لا يمكن وجوده في المشبه به الا على تأويل”(72) - اي كما ‏هي في التشبيه التمثيلي – ويفسر هذا من الناحية اللغوية أن حدود واحد من الطرفين - اللفظين - لابد ان يكون جزء منها متداخلا في جزء للطرف الاخر وان لم يتحقق ينعت صنيع الشاعر بالغلط.

‏ومن الامثلة ما جاء به صاحب الصناعتين: العسكري،” فقول ابي النجم العجلي في وصف الفرس:

(كأنها ميجنةُ القصّار)

‏من الغلط، وهو غلط في اللفظ، وذلك راجع الى ان الميجنة لصاحب الادم، وهي التي يدق عليها الأدم من حجر وغيره(73)”. فالكلمة” ميجنة” عند اي هلال لا تتسع فروع دلالتها الى المجال الذي يصح - فيه - ربط سمات تستحسن للفرس، وهذه السمات هي المقابل الدلال لتفرعات معنى الكلمة المشبه بها، وهنا ‏تطالعنا مشكلة نشير بإيجاز اليها لنعود الى تناولها بشيء من التفصيل في فصلي

ص154

‏‏(التطور) و(المجاز) وهي انه: متى نسمح للعمل الابداعي الشعري أولا والنثري ثانيا بالابتكار الجزئي. ونعني بقولنا: ذلك التوسع في معنى اللفظ بإلحاقه - بواسطة العمل التصويري - بمجالات جديدة فيها صفات اي اطر دلالية غير معروفة له من قبل ؟ وأرى تحديد الازمنة التي تناقش فيها القضية أولاً، ومن ثم تعالج بحسب السوية الثقافية للمبدع وإلمامه باللغة ثانيا، لان زمن العربية القدم حتى نهاية عصور الاحتجاج له شروطه الخاصة التي لا تتوفر للاحقين والمحدثين في حياتنا الادبية.

‏ويورد القاضي الجرجاني مثالين اخرين على هذه المسألة ايضا: فالمسيب ابن ‏علس يتحدث عن ناقته فيقول:

‏وكأن أن غاربها رباوة مخرم                وتمد ثني جديلها بشراع(74)

مريدا تشبيه عنق الناقة بالدقل - وهو مهم السفينة(75) - فيغلط كما ‏غلط طرفة في لفظ السكان فقال:

‏واتلع نهاض اذا صعدت به            كان بوصي بدجلة مصعد

‏وانما يريد(الدقل) وواضح ان الجرجاني يستند الى هيئة خاصة تعرف للتشبيه في هذا المقام، وكذلك يمحص محيط دلالة كل من الشراع و(السكان) لدى كل من المسيب وطرفة ويرى انها لا يحققان الصورة اذ لا اشتراك في حين دلال يستفاد ابرازه لدى المقارنة والتشبيه.

‏واننا نقف ههنا امام افتراضات: اولها ان الشاعرين لم يكونا ذوي خبرة دقيقة بهيئة السفن وتفاصيل اجزائها وكلها، وذكر اشياء من هذا القبيل لا يعدو

‏ص155

 ‏النقل كما يسمع على البعد ولكننا نذكر عدداً من المواطن تحدث طرفة فيها عن السفن وعن البحر واشهرها معلقته الدالية التي ترسم حركة دقيقة لمقدم السفينة وهو يشق الماء مقرونة بلمحة بدوية خالصة:(المفايلة)(76)، وان” البحرين وهجر” تعد من الديار التي يمت طرفة الى اهلها بأسباب القرابة(77)، اذن لا يصح هذا الافتراض. اما الثاني من الافتراضات فهو ان الشاعرين - او احدها - ‏يعرفان البحر ولهما صلة بأوصاف المراكب التي تُرى فيه واسماء ما فيها ايضا الا انها اخطأ اداء المعنى لأسباب فنية ألزمها اياها الشعر واحكامه، اما الثالث فهو انها رغبا في ربط خاص لا يجري على ما ألف، فعنق الناقة عندما يتحرك ويتوجه اماماً ما هو الا مقود لهذه السفينة الصحراوية - ان جازت لنا هذه التعبيرات المحدثة - وما السكان الا الموجه الفعلي لمركب وتعطله يعني التوقف بل يؤدي الى الضياع في حال هياج امواج البحر العالية، فهل يكون طرفة بعيد عن الصواب في اعتماده على ثم الدلالة الفعلية وعدم اتكائه على الشكل الخارجي فحسب في عمله التصويري وتعبيره الشعري ؟ اننا نرجح ان يكون الصواب فيما جاء به الشاعر الجاهلي القدم فعنه نأخذ اللغة والصور والاساليب، وخاصة ان الواقع الذي كان يعيش فيه يؤكد ما اتجه اليه.

‏ومثال اخر في الوساطة على التداخل بين المسميات في اطار تشبيه وان لم تكن العلمية البيانية - في الاغلب - سبباً في هذا الخلط اللغوي، وروي الجر في بيتاً ينسب الى ليلى او حميدة:

ص156

لما تخايلت الحمولُ حسبتُها                دوماً بأيلة ناعماً مكموماً

ثم يقول” والدوم لا أكمام له”(78) أي أن الشاعرة استعملت لفظاً في غير مجاله الدلالي وهذا عائد الى تشابه ضروب الشجر في ذاكرتها، وكثرة استخدام النخيل في صور وتعبيرات شعرية مع الأكمام جعلت هذا اللفظ(أكمام) يبدو كأنه عام للشجر كله فأنت بـ(مكموم) مع الدّوم. ويرد هنا احتمال نعرضه – وإن تكن القرائن في النص لا تساعد على ترجيحه – فالمادة المعجمية تتضمن قسماً ينبئ أن القلانس تسمى كذلك(كمام) يقول صاحب القاموس:” والكُمة بالضم القلنسوة المدورة، وتمككم لبسها(79)” ويعقب نصر الهوريني في الهامش” ومنه قولهم وكان كمامُ الصحابة بطحاً أي لازقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء”(80) فهل قصد في البيت المذكور الى المعنى الوارد، والذي يقارب فيه الدوم تلك الهيئة المستديرة للقلانس ؟ هذا أمر نجتهد في عرضه، ولا نجزم لأن التقرير يحتاج الى التواتر أو التردد في أمثلة متعددة في الأزمنة القديمة للعربية.

وقد تستطيع الدراسات الحديثة رفْد البحث في هذه الزاوية، إذ يعمد البنائيون – أصحاب المذهب البنيوي – الى الطريقة المنطقية المألوفة في تحليل الكلمات إذ تعاد الى مكونات تعريفاتها، وهم يسعون الى نتيجة تمنح إدراكاً للفونيمات الأساسية في معنى كل لفظة – خاصة عند أولئك الذين يرون أن أصغر جزء في الدلالة ليس الكلمة بل تفرعات أصغر منها – وبذا يطورون الفكرة القديمة، ويربطونها بأخرى جديدة وهي(الاستبدال) وإمكانية تغيّر الدلالة، وانتقالها من مجال الى مجال آخر مع كل تبديل في تلك الفونيمات – أي أصغر

ص157

والوحدات الدلالية غير القابلة للتحليل الى أصغر منها – ويرى(هيلمسليف) أن النظرية الفونولوجية(علم وظائف الأصوات وتطبيقاتها) يمكن أن تنقل الى عالم(الدلالة) ويضرب المثل – أولاً – الناتج عن التغير الصوتي في كلمة: bas باستبدال b ب p فتغدو pas  ولنلاحظ هنا الخصائص الصوتية بين الحرفين في النطق الفرنسي – ومن ثم يستبدل الفونيم(a) بـ(o) صوتياً فتغدو الكلمة peau، فنحن اجتزنا مرحلتين في الاستبدال ومع كل واحدة يتم تبدل المعنى، ويتابع هيلمسليف فيقول” إن العملية – الاستبدالية – نفسها تبرهن على أن(الإشارة اللغوية)(الفرس) تتضمن وحدتين على الأقل – أكثر صغراً لا تنحلان الى أصغر منهما – لمضمون الإشارة وهما: الخيلية + الأنوثة، وباستبدالنا للمقطع – الجزء – الأول: الخيلية نستطيع الحصول على الخنزيرية + الأنوثة = الخنزرة. وإذا ما استبدلنا الجزء الثاني(الأنوثة) كان لدينا خيلية + ذكورة = فحل”(81) ويمكننا أن نحل أمثلة عربية محل أمثلة هيلمسليف ههنا: الناقة = الإبل + الأنوثة، وتغيير(الإبل) بـ(الأسدية). الأسدية + الأنوثة = لبوة، وتغير(الأنوثة) فتغدو: الأسدية + الذكورة = السبع.

ولا شك ان العربية تتميز بخصائص تجعل التطبيقات فيها محفوفة بالمحاذير والمزالق فالاشتقاق ومعاني المشتقات تبرز أثناء تحليل مضمون الكلمات وكذلك تستوقفنا الأفعال وما لها من سمات في حياتها، ولقد رأينا في الفقرات السابقة صلة المنطق بالدراسات اللغوية العربية القديمة إلا أن هذا التناول المقترح يمثل محاولة مختلفة عما كان من قبل، وهو يأتلف مع طرائق أخرى لدراسة المعاني وتحليلها، وذلك بتتبع تطورها التاريخي – في حدود العربية عندما يطبق عليها – ومناقشتها في سياقاتها ومواقعها في الكلام.

ص158

‏ويسهم صاحب الرسالة الموضحة في مسألتين دلاليتين في شعر المتنبي، وهما لا تندرجان فيما سبق من امثلة لذا نفردهما ههنا، فالحاتمي يعرض أولا لقضية التصرف بالأسماء وحرية اضافة بعضها الى مسميات - مدلولات - لم تعهد مخصصة بالحيز المستعمل حديثا في كلام ينشئه شاعر في القرن الرابع، ويوجه المصنف ‏خطابه للمتنبي” أخطأت في قولك:

‏هزمت مكارمه المكارم كلها               وحتى كأن المكرمات قبائل

وقتلن دفرا والدهيم فما ترى                أمّ الدهيم وأمّ دفر هابل

‏فيوضح الشاعر أنه اراد بـ(الدفر والدهيم) اسمين للداهية، وان الدنيا تسمى دفراً، فيقرر الناقد ان” هذا خطأ لم يقله احد ولا رواه راو ولا ادعاه على العرب مدع”  ويستعن بمعان للفظ دفر كلها لديه لا تسوغ استعماله اسما للدنيا او للداهية وينتقل الشاعر المتنبي الى ردّ اخر، فاذا كانت الدنيا تكنى ام دفر سميت ايضا بدفر من اجل ان كناهم لهذه الاشياء كالأسماء لكن الحاتمي لا يجيز الحجة ذلك ان الكنى لا تنتقل الى الاسماء(فلو كان الامر كذلك لسميت الدنيا شملة لأنهم قد كنوها أم شملة)، وهذا يفيد ان الناقد لا يرى للشاعر حقاً في اضافة تسميات او بالأحرى - كما ‏في المثال - نفلها او توسيع دلالتها، وهو خلال ذلك يفرق بين الكنى والاسماء، ويبدو ان ماهية الاشياء والمدلولات - لديه – يعبر عنها بالاسم فحسب، اما الالقاب والكنى فهي اساليب لا تؤدي وظيفته بشكل مطابق.

‏ونلاحظ ان الحاتمي بلغ مدى بعيدا في أنكار الصلة بين دلالة(الداهية) ودلالة(دفر) بتفرعاتها التي اوردها فهو يقول:” اما الدفر - فهو النتن، والخبر عن عمر، والعرب تكني الدنيا ام دفر من اجل المزابل التي فيها، ويقال دفرته دفرا اذا دفعت في صدره، وقالوا للامة يا دفار لنتنها. ويقال دفراً دفراً لما يأتي به فلان اذا قبحت الامر او نتنته وقال صاحب العين:” الدنيا دفرة اي منتنة”. و كما ‏يظهر لنا ليست الرابطة مفتقدة هنا بين ما يستكره من مواقف

ص159

‏تدل عليها(الدفر) وما يرد في الخاطر لدى استحضار اللفظ( داهية )، وان ما ندعوه حوارا بين الناقد الحاتمي و المتنبي هو صياغة صناعية في الرسالة الموضحة ولا ينقل محاورة حقيقية بل افكارا واراء معظمها - حق الردود عليها - للحاتمي(82).

‏ويستوقف الحاتمي بيت اخر للمتنبي في وصف الغيث اذ يقول:

‏لساحيه على الاجداث حفش           كايدي الخيل ابصرت المخالي(83)

فيحكم‏ بخطأ التعبير اللغوي عن هذا الغرض الجزئي الممثل في البيت: الدعاء بالسقيا لقبور الاعزة والسبب هو استعمال اللفظ(حفش) ويحلل المعنى وفق الموروث الادبي، بل انه يعتقد ان المتنبي انما افاد من بيت لزهير بن ابي سلمى فيه الفعل يحفش( يحفش الاكم وابله ) فاختلط الامر عليه. وجاء به في موضع خاطئ” فأما ان يستسقي مستق للقبور غيثا يحفش تربها وينبث ثراها فلم يقله احد، وانما يستسقي لديار الاحبة ولقبور الاعزة لتكلئ تلك الارض و تعشب فتنتجع، و يترحم على من واروه التراب فيها” ويضيف الحاتمي ان الشعراء عندما يطرقون هذا المعنى يحترزون دائما من المطر الغزير:

فسقى ديارك غير مفسدها         صوب الربيع وديمة تهمي

ولنا ان نعقب على المعنى الذي اتخذه الناقد منا، فحدود دلالة( اللفظ ) قد تسمح بتدرج يجعل من صنيع المتنبي امرا مقبولا، او انه يبعده عن حيز الخطأ، فالمعاني التي يحملها الينا القاموس المحيط في مادة( ح ف ش ) تمتد بين: القشر

ص160

‏و الاستخراج والجد والجمع / وجريان السيل الى مستنقع واحد / وجرى الفرس جريا بعد جري / ويقال احفشت السماء جادت بمطر شديد ساعة"(84). ورغم ان المادة المعجمية في هذا المصدر متأخرة الا ان المعاني كانت بين يدي المتنبي وقد يكون اختار هذه اللفظة واراد منها الكثرة والاخصاب، وفي الشطر الثاني من البيت قرينة ترجح ما نذهب اليه على الاغلب:(كايدي الخيل ابصرت المخالي ) فالخيل تنشط اذ تبصر اوعية طعامها التي هي سبب لاستمرار الحياة لها، فالصلة ممكنة عند الاختيار الدلالي خاصة في الاداء الشعري.

‏وبذا غتم هذه الفقرة الجزئية من ضروب الاخطاء التي وقف عندها النقاد وموقع الجوانب الدلالية منها، وقد مثلنا لكل ضرب بأمثلة، و كان لنا توسع نسبي في المسالة الدلالية(85).

ج) تنوع الاعمال النقدية في القرن الرابع بين ضروب مختلفة،

 فمنها الكتب النظرية التي تطمح الى تكوين رؤية متكاملة للعمل الابداعي الشعري، ومثالها كتابا قدامة بن جعفر وابن طباطبا( نقد الشعر وعيار الشعر )، ومنها كتب تطبيقية اساسا تتناول شعراء او شاعرا وتخصص الكلام لتبيان المشكلات عامة في شعره او اشعارهم ومقابلتها بما يستحسن، والاحتكام الى معايير يؤخذ بها اثناء ذلك كله ومثالها ايضا كتابا الآمدي والقاضي الجرجاني(الموازنة) و(الوساطة )، وهناك كتب اخرى تتراوح بين هذين الضربين، وذلك كما في عمل ابي هلال العسكري في(الصناعتين)، و المرزباني في( الموشح )، وتسلك الشروح العديدة للدواوين قد يمها ومحدثها ضمن القسم التطبيقي، اما الكتب الاخرى فهي كثيرة نعثر فيها على ملحوظات قيمة بين

ص161

 الحين والاخر تتصل بالنقد والشعر كما ‏في( الصاحبي ) لأحمد بن فارس، و (الخصائص) لابي الفتح: ابن جني.

‏وان دراستنا للمسائل الدلالية في نقد الشعر تجتهد في اظهار الوجوه المتعددة لها ولقد جعلنا وكدنا في هذا الفصل عرض اصول النظرة المعيارية وصلتها بالثقافة الاسلامية التي تم استمدادها من اليونان - اي ذاك القسم المتأثر بالإغريق ومعطيات حضارتهم _ والثقافة الاصلية وهي خصائص العربية الفصحى. واستكمالا لعملنا نتابع مسالة: مدى عمق المنهج لدى نقاد الشعر- نظرا وتطبيقا. فالاهتمام النظري يؤكد ما نذهب اليه من فروض واستنباط.

‏وقدامة بن جعفر يختار مفتتحآ منطقيا لعمله النقدي فيبدا بالتعريف، ومن ثم ينثني الى اوصاف عناصره المستحسنة وبعدها ينتقل الى المعيب منها، وههنا نلاحظ انه يدرك حد الخطأ وكذلك الطيف الذي يحيط به بالتدريج الى المواضع المتسامح بها وهي( دون الاجادة )، فهناك الخطأ النحوي، والاوزان المضطربة التي لا تستقيم وقوانين العروض، والى جانبهما يذكر في العيوب مثلا” ان يرتكب الشاعر ما ليس يستعمل ولا يتكلم به الا شاذا”(86)، وتطالعنا كثيرا كلمة( فساد ) وهي مأخوذة من الفلسفة اليونانية التي خبرها قدامة، وكثيرا ما يقرنها بعبارة( غير الصواب ) من ذلك تعقيبه على ابيات في المديح” فجميع هذا المدح على غير الصواب وذلك انه _ الشاعر_ او ما الى المدح والتناهي في الجود أولا ثم افسده في البيت الثاني بذكر السرج.. ثم ما ذكر هو الى ان يكون ذما اقرب..”(87)، وان ما يوده الناقد في كتابه من امثلة انما هي شواهد لشرح الافكار النظرية عامة، وفكرة العيب او الصواب والخطأ جزء منها.

ص162

‏وتشتمل موازنة الآمدي على اقسام للأخطاء، وفي مصطلح الكتاب محاورة نظرية بين الخصوم عرضوا فيها لما يجوز، او يحتمل من الشاعر فالسهو والغلط عند المتقدمين و المتأخرين انما هو في البيت الواحد والبيتين والثلاثة، وربما سلم الشاعر المكثر من ذلك البتة.. اما ابو تمام فلا تكاد تخلو له قصيدة واحدة من عدة ابيات يكون فيها مخطئا، او محيلا، اوعن الغرض عادلا، او مستعيرا استعارة قبيحة او مفسدا للمعنى الذي يقصده، بطلب الطباق والتجنيس، او مبهما له بسوء العبارة والتعقيد حق لا يفهم “(88) فالمسالة - في الغلط هنا - أولا في كونها عارضة او متأصلة، ثم نرى ضروب الاخطاء وبعضا من اسبابها، واولها الرغبة في ابراز الصناعة المتزايدة، ثم الاغراب في المعاني والمقاصد لدى ابي تمام. و الآمدي لا يكتفي بالحيدة و ذكر هذه الآراء لخصوم الشاعر بل انه يخصص جانبا يقول فيه:” ان السرقات لم تعد من كبير عيوبه بل هي الاخطاء والاغلاط في اللفظ والمعنى و تأملت الاسباب التي أدت الى ذلك فاذا هي ما رواه ابن الجراح في كتابه الورقة.. ان أبا تمام يريد البديع فيخرج الى المحال”، وهذا نحو ما قاله ابن المعتز في( البديع )(89) وفي موضع اخر يستطرد الى احكام عامة فيما يجب ان يتبع في اللغة” فينبغي ان ينتهي في اللغة الى حيث انتهى - القدماء -. ولا يتعدى الى غيره فان اللغة لا يقاس عليها”(90)  وينصرف الآمدي في سائر كتابه الى التطبيقات كما سبق ان ذكرنا.

‏وتضمنت وساطة القاضي الجرجاني نقاطا نظرية بدأت بفكرة الخطأ في الشعر

ص163

القديم ونبهت على ان القدماء من الشعراء حبوا بتقدم زمانهم مما جعل المتأخرين يتغاضون عما يبدو منهم من زلات وهنات، بل ان اناسا تولوا الاحتجاج لتلك الاغلاط(91)، ويطلب المصنف من المنكرين شاعرية المتنبي ان يساووه بأولئك.وما دام الاحسان والاجادة متوفران في ابداع الشاعر فلا تحول عثراته دون ان يحل في مكانه بين الشعراء فأجروا هذا الرجل مجرا هم ‏والحقوه في الحكم بهم(92).

‏ويعرض الجرجاني في موضع اخر نوعي الشعر: الرفيع المحكم” الذي لا يوجد في معناه خلل ولا في لفظه دخل”(93)، والمختل المعيب والفاسد المضطرب. وهذا الضرب الاخر له فرعان اولهما ظاهر ومعالمه واضحة: اللحن والخطأ من ناحية الاعراب واللغة. والوزن والاعاريض. وثانيهما: غامض يوصل الى بعضه بالرواية، ويوقف على بعضه بالدراية ويحتاج الى امور ملاكها: صحة الطبع، وادمان الرياضة.

‏ويناقش – بعد - من خلال المحاورة بين اطراف الخصومة في شعر المتنبي، قضية الضرورة الشعرية سواء في القديم او المحدث من الشعر العربي. فان نحن جعلنا الشعراء امراء الكلام، وابحنا لهم ان يستفيضوا في تحللهم من القواعد، والمأثور من رسوم العربية، زال نظام الاعراب، و" لابد من حد يقف عنده الشاعر، وينتهي اليه الفرق بين النظم والنثر فيزول هذا الاساس الذي مهده والاصل الذي قرره، ويرجع الى ما قالت العلماء فيه” ، وبالتدقيق في الامور نجد ان” ما اجيز للمضطر من التسهيل وفضل به النظم من التسامح ابواب معروفة، ووجوه محصور اكثرها”(94). ويسرد القاضي الجرجاني عددا من وجوه

ص164

‏التخفيف او الحذف، ويومئ الى ما تميزت به مدرسة الكوفة من رخص لا تكاد توجد لغيرهم من النحويين(95).

‏ونلاحظ ان احمد بن فارس تتطابق افكار النظرية مع افكار الوساطة في قضية الضرورة الشعرية وامارة الكلام الممنوحة للشعراء، فيحد من ايغال المتجوزين فيما هو كيان العربية الذي لا ينبغي المماس به” فأما لحن في اعراب، او ازالة كلمة عن نهج الصواب فليس لهم ذلك”(96) ويشير الى الشعراء الاقدمين وما قيل عن اخطائهم.

‏وفي كتاب( الصناعتين ) مواضع تفرد لكلمات توضح وتنبه قبل الخوض في الاخطاء والاغلاط التي رصدت في الشعر قديمه ومحدثه ايضا” فللخطأ صور مختلفة نبهت على اشياء منها في هذا الفصل وتبينت وجوهها، وشرحت ابوابها لتقف عليما فتجتنبها، كما عرفتك مواقع الصواب فتعمدتها، وليكون فيما او ردت دلالة على امثاله مما تركت، ومن لا يعرف الخطأ كان جديرا بالوقوع فيه”(97).

‏والعسكري يقول كذلك ان” المختار من الكلام هوما كان سهلا جزلا، لا يشوبه شيء من كلام العامة والفاظ الحشوية، وما لم يخالف فيه وجه الاستعمال”(98)، وهذا البعد عن الصواب والمنهج القويم في الشعر كما ‏يراه المصنف يندرج فيه الخلل والخطأ في الدلالة والاسلوب تركيبا وتصويرا، فالمتنبي يغلط في ربط كلمة - كانت جزءا من تركيب موروث - بما ينبغي لها ان تربط به،

ص165

فتوازن هذه المسألة باستعارات ابي تمام البعيدة(99).

‏ولقد قدم المرزباني لكتابه(الموشح) بمقدمة عرف فيها بأنواع العيوب التي امكن جمعها، وقرب تناولها والتي نبه اهل العلم، واوضحوا الغلط فيها من: اللحن والسناد، والايطاء والاقواء، والإكفاء، والتنين، والكسر، والاحالة، والتناقض، واختلاف اللفظ، وهلهلة النسج وغير ذلك من سائر ما عيب على الشعراء قديمهم ومحدثهم ثم في اشعارهم خاصة. واعاد ذكر الاحتجاج لأشياء مما ورد على انه خطأ، وايجاد مسوغات لها من قبل اهل النحو والعالمين بلغات العرب(100)، وهذه الاشارة الاخيرة يقصد بها الاغلاط النحوية التي تمت اليه ‏بسبب، وكذا ما ندعوه في نحن دراستنا بالدلالي.

‏د) ان ما وصلنا اليه من تفاصيل منهج النقاد المعياري، والاوجه التي تبدت له إنما يؤدي الى الاساس النظري المتخذ مرجعاً في محاكمة الامور، فقول واحد من هؤلاء المصنفين في نقد الشعر(ان الخطأ لحق اداء الشاعر لغرضه، وصوابه ان ينحو هذا السبيل) يعتمد على صورة تكون مطابقتها اجازة واقراراً بسلامة لغة المبدع وتعبيره.

‏ولقد بحثنا مسالة الاحتجاج لدى علماء اللغة من النحاة والدارسين للمفردات. ورأينا حدوداً املتها طبيعة الفصحى، والمحافظة عليها، والتساؤل هو الى اي مدى تقيد النقاد بتلك المفهومات لان(قضية الدلالة) هي اكثر القضايا اتصالاً بهذا الموقف، فالدلالة يمكن ان تتطور وتتغير، او هي الجانب المفعم بحيوية اكبر مما هي في النحو او الصرف، او طرائق الأداء الاسلوبية، فكم المفردات في تزايد، وبالتالي تبرز مسألة تطور، وحديث النقاد عن الاخطاء

ص166

‏وعمادهم النظري يمس الدلالة، وان يكن في المنعكسات احيانا لا في الشكل المباشر.

‏ومن خلال التطبيقات العديدة نستخلص المعيار الاساسي لدى النقاد وهو يتفق مع قوانين الاحتجاج التي تبناها اهل اللغة عامة حق القرن الرابع، وتمثل لهم التراث في صورتين - شكلين - :

1- الصورة الأولى ويعبر عنها بـ( كلام العرب)، وشعراء العرب، واهل الجاهلية، واهل الاسلام، وشعر عربي صريح، وكلام مولد فصيح.

2- الصورة الثانية: هي تلك الكتب التي ألفت في الانواء والنوادر ثم الكتب التي حوت المفردات: اي المعاجم كما ‏في صنيع الخليل، وابن دريد.

‏ويعرض علينا الآمدي مشكلة از‏دواج اللفظ دون ان يعبر عن متعدد عند ابي تمام(فالقبول تخالف الصبا) والامر ليس كذلك بل هما ريح واحدة، ويلوح تعليل مفاده ان (القبول) قد يدلُ على الريح اللينة المس وههنا يلجأ الى الموروث” فإنا ما سمعنا مثل هذا في الريح ولا علمناه في اللغة، ولا وجدنا في الشعراء احداً قال: الصبا وقبولها ولا الجنوب وقبولها، ولا الشمال وقبولها اي مهلها ولينها(101)” ويتتبع صاحب الموازنة المسألة فقد استقصى اصحاب(الانواء) في كتبهم ذكر الرياح، واوصافها ونعوتها، واستشهدوا بأكثر ما سمعوه من اشعار العرب فيها، وبالغ ابو حنيفة الدينوري في ذلك فما منهم احد ذكر أن القبول غير الصبا، وانما قال ابن الاعرابي في نوادره: ان العرب تسمي كل ريح طيبة لينة المس قبولاً، وقال الأخطل:

‏فإن تبخل سدوس بدرهميها                فإن الريح طيبة قبول(102)

ص167

‏ويتضح ان هذا الناقد قد اكتملت في ذهنه صورة للعربية، ولأنماط التركيب فيها ولعدد الاوصاف، وزوايا الرؤية، لا ينبغي ان تخالف، بل انه يعتقد ان روح البداوة الفصيحة تسمح للناطقين بها ان يؤدوا اللغة اداء سلميا على الرغم من الخطأ الدلالي اما المولد الذي يحمل العربية عن اهلها تعلماً فلا يجوز له ان ينحرف بمعنى اللفظ، او يبدل مدلولا بمدلول، وعندما يخط. في راي الآمدي - ‏ابو تمام فيسمي النسيج في الثوب وشائع ووشيعة:

شهدت لقد اقوت مغانيكم بعدي            ومحت كما ‏محّت وشائع من بردٍ

‏يقول الناقد” ومثل ابي تمام لا يسوغ له الغلط في مثل هذا، لأنه حضري، وانما يتسامح في مثل ذلك: البدوي الذي يريد الشيء ولم يعاينه فيذكر غيره لقلة خبره بالأشياء التي تكون في الامصار”(103) ويؤكد هذا المنحى في تفضيل وتسويغ للعرب الاقحاح. فقول ابي تمام:

‏لا أنت أنت ولا الديار ديارُ          خَف الهوى وتولتِ الأوطارُ

‏يستدعي القول بأن” لا انت انت” من الفاظ اهل الحضر، مستهجن وليس بجيد، لكن قوله ولا(الديار ديار) كلام معروف من كلام العرب مستعمل حسن”(104) وكذا في إيراد:(التقريب) صفة لسير الابل” فليس التقريب من عدو الابل، وهو في هذا مخطئ، وقد يكون التقريب لأجناس من الحيوان ولا يكون للإبل والمرطى ايضا من عدو الخيل، ولم أره في اوصاف سير الابل ولا عدوها(105)” وفي مواضع يصرح الآمدي بأنه ينبغي ان ينتهي - الشاعر - في اللغة الى حيث انتهوا، ولا يتعدى الى غيره فإن اللغة لا يقاس عليها(106). ‏

ص168

أما القاضي الجرجاني فإنه يجري حواراً بين خصوم المتنبي وأنصاره، وخلال ذلك يدلي بدلوه ونسمع منه آراء حول ألفاظ منفردة” فأما الألفاظ التي زعم أن الشعراء تفردوا بها، فإنها موجودة عن أئمة اللغة، وعمن ينتهي السند إليهم، ويعتمد في اللسان عليهم، إنما نتكلم بما تكلموا به، وواحد كالجميع، والنفر كالقبيلة، والقبيلة كالأمة، فإذا سمعنا من العربي الفصيح الذي يعتد حجة كلمة اتبعناه، ثم لم تبلغنا عن سواه، ولم نسمع بها إلا في كلامه لم نزعم أنه اخترعها، ولم نحكم أنه أبو عذرها”(107)، ويضيف صاحب الوساطة الى هذا أنه” يرى ألا يطالب الشاعر بأكثر من إسناد قوله الى شعر عربي منقول عن ثقة وناهيك بالفراء”(108).

ويسرد الجرجاني في حكاية عن المتنبي احتجاجاً يتضمن أعلاماً من اللغويين إذ يثور نقاش حول(سداس) ووزنها” فكان أبو الطيب سئل عنه فأجاب عن قولهم إن سداساً غير محكي عن العرب وإن أهل اللغة يزعمون أنهم لم يزيدوا عن رباع، وإنما هي ألفاظ معدولة يوقف بها على السماع بأن قال: إنه قد جاء عن العرب خماس وسداس الى عشار حكاه أبو عمرو الشيباني، وابن السكيت، وذكره أبو حاتم في كتاب الإبل”(109).

وثمة إضافة الى مفهومات صاحب الوساطة وهي أن الأقيسة النحوية، وما اتفق عليه يقدم ويتبع وإن تكن الضرورة الشعرية أو الصناعة عموماً مسوغاً للخروج على تلك القواعد فأداة النداء تحذف لدى المتنبي في بيت له، فيرد على لسان واحد من أنصاره: أن ذكرها” لعمري أصل القياس في النحو غير أن ضرورة الشعر تجيز ترك القياس في النحو، وقد أجازوا ذلك في النكرات وهو

ص169

أبعد في الجواز عن هذه المعارف”(110).

وهكذا تجري الشواهد والاحتجاج لها والحكم عليها عند القاضي الجرجاني، ويستوي أن يقول رأيه هو نفسه، أو يجري النقاش بين منتقدي المتنبي وأنصاره.

وان ما نجده عند الحاتمي هو ان يجمع بين الصورتين اللتين ذكرناهما اول هذه الفقرة، فهو يؤاخذ المتنبي في اللفظ فاضة(درع فاضلة) وذلك لأنه” لم تأت هذه الكلمة في شعر عربي صريح ولا في كلام مولد فصيح(111)، وكذلك استعمالها في البيت:

ومنازل للقرن يسحب فاضة       علق النجيع بثوبها الفضفاض

فأبو الشيص – الشاعر – مستعمل هنا من هذه اللفظة ما لا اصل له، وليس يجوز في اللغة وانما اعتمد التجنيس فأسقط هذا الاسقاط”(112) فالاحتجاج اذن يكون بالكلام المنسوب الى الاقحاح من العرب او المولدين الذين نسجوا على طريقتهم المعترف بها.

ويمثل ما جمع في المعاجم من الفاظ مرجعا معتمدا فهو صحيح بمقاييس الاستشهاد والتدقيق لذا فالحاتمي يهرع الى الخليل وابن دريد ليأتي بأمثلة على صدق دعواه في تخطئة المتنبي اذ استعمل كلمة” دفر > للداهية او الدنيا فقد قال صاحب العين: الدفر وقوع الدود في الطعام واللحم. ونحو هذا ذكر ابن دريد في الجمهرة – أي جمهرة الجملة – هذا قول اهل العلم ومستودع كتب اللغة(113).

ص170

‏ويستند ابو هلال العسكري الى ما كان، وما تعورف عليه في الازمنة القديمة للعربية فينكر ان يبلغ محيط دلالة الحلم( الرقة ) في قول ابي تمام:

‏رقيق حواشي الحلم لو ان حلمه      بكفيك ما ماريت في انه برد

‏فما وصف احد اهل الجاهلية، ولا اهل الاسلام الحلم بالرقة، وإنما يصفونه بالرجحان والرزانة كما ‏قال النابغة:

‏واعظم احلاما واكبرا سيدا          وافضل مشفوعا اليه وشافعا(114)

‏ويعمد المرزباني الى الرواية عن الاصمعي، ويورد كلمته الفاصلة التي لا معقب عليها:” كذا تكلمت العرب”. ولا شك ان صاحب المؤشر يؤكد ما ذهب اليه الاصمعي اذ يعلق على بيت للنابغة:

‏مقذوفة بدخيس النحض بازلها      له صريف القعو بالمسد

فيقول لمحدثه: ما اضر عليه في ناقته ما وصف... لان صريف الفحول من النشاط وصريف الاناث من الاعياء والضجر، كذا تكلمت العرب”(115).

‏ونبلغ بهذه الفقرة ابعد جانب لمنهج الصواب والخطأ اقصد: المعيار والاساس النظري ونحن لم نقف على مقدمات نظرية خاصة وإنما هي تطبيقات ادت الى هذه النتيجة. والوجه الاخر للحقيقة هو انها عبارة عن مبادى ضمنية برزت بالشكل الجزئي الذي تابعنا نماذج منه.

هـ) ان الطريقة التي اتبعها النقاد وتقوم على تصحيح الاخطاء والاحتكام الى المعيار اورثت العمل النقدي سمات منها: تعميق النظرة الحرفية للواقعية في الشعر. دلالته وصوره، ولن نفيض ههنا في درمي هذه الظاهرة فثمة مواضع هي

ص171

أجدر بها كالمبحث الخاص بالتطور الدلالي، والقسم الخاص بدراسة المجاز والحقيقة، وإشارتنا الموجزة تتطلبها طبيعة العرض، ذلك أنها تعد في نتائج(المستوى الصوابي).

ونلاحظ أن الآمدي والقاضي الجرجاني هما أبرز النقاد في هذا المجال بل إن الشواهد التي بين أيدينا محصورة في كتابيهما، والمنحى الأول لهما هو أن تذكر حقيقة الأمر الذي عبر عنه الشاعر فغلط لسهو او الجهل بالملمح الطبيعي فقد قال أبو تمام:

هاديه جذعٌ من الأراك وما               تحت الصّلا منه صخرةٌ جلس

وينقل الآمدي تعقيباً لواحد من منتقديه” فمتى رأى عيدان الأراك تكون جذوعاً”.

ويقول موضحاً:” أصحاب أبو العباس في إنكاره أن تكون عيدان الأراك جذوعاً.... وهي لا تغلظ حتى تصير كالجذوع”(116).

وينبه القاضي الجرجاني على الغلط، إذ يصور زهير الضفادع خائفة يهددها الغرق في قوله:

يخرجن من شربات ماؤها طحل             على الجذوع يخفن الغمّ والغرقا

والضفادع لا تخاف من ذلك(117)” وكذا امرؤ القيس في معلقته إذ يبدل بين النجوم إنه يقول:

إذا ما الثريا في السماء تعرضت                تعرض أثناء الوشاح المفصّل

ص172

والثريا لا تتعرض، وإنما تتعرض الجوزاء(118)”.

‏والمنحى الآخر يتمثل في اراء تستحن القرب من الحقيقة” فكل مادنا من المعاني من الحقائق كان اولى بالنفس، واجلى في السمع، واولى بالاستجادة(119)، وان يصور الشيء او يتحدث عنه” فهذا كله انما حسن هذا الحسن، وقبلته النفوس لأنه اعتمد ان يخبر بالأمر على ما هو، مع حسن عبارته، وبراعة نسجه، وجودة تلخيصه، ومتخير الفاظه(120). ونكتفي بهذا الاجتزاء على ان نوفي المسألة حقها في المواضع التي أن ذكرنا.

‏اننا عندما ننتهي. في هذا الفصل. الى تقرير مسألة هيمنة النظرة المعيارية، وتحكم منهج الصواب والخطأ في الدرس النقدي، وعلى وجه الخصوص هي لدى تناول الجوانب اللغوية ومنها موضوع بحثنا: الدلالة والجوانب الدلالية، وانما نصل الى حقيقة كبيرة الاثر، وهي ان المعالجة تتجه نحو(السكونية) ولا تعين على رؤية مرنة متطورة للغة العربية، وهذه النظرة الى الاداة التي ينقل عبرها الاديب نتاجه تحدد ايضا الابعاد الادبية للإبداع، فضلا عن تضييق الطريق بالنسبة الى من يأتي بعد القرن الرابع - وخلاله - من المبدعين والكتاب ؛ ذلك ان القوانين او الاحلام تتخذ مجرى يتأكد يوما اثر آخر، وتغدو له قدرة على تسيير الحياة اللغوية على نحو غير خاف.

ص173

____________

(1) البديع. عبد الله بن المعتز 57-58 ط كراتشقوسكي. نسخة مصورة بدمشق.

(2) نقد الشعر. قدامة بن جعفر 6 ط القسطنطينية. الجوانب 1302 هـ.

‏(3) ‏ الموازنة. الآمدي. دار المعارف بمصر. تحقيق سيد صقر ١٩٦٥ ‏(1/ ١٥٧) ‏.

‏(4) نفسه ١٤١

‏(5) نفسه ٣٧١

‏(6) نفسه (1/138- ١٣٩ )‏.

‏(7) قال في القاموس: الخطء والخطأ و الخطاء ضد الصواب. القاموس المحيط 1 مادة خطأ ط البابي الحلبي بمصر.

(8) الموازنة (1/248-249)، 249، 255، 223، 224، 261.

‏(9) نفسه (1/193).

(10) الموازنة (١ ‏/ ٢٣٩ )‏.

(11) الموازنة (٢ ‏/ ١١٧ )‏.

(12) الموازنة (٢ ‏/ ١١٧) ‏.

(13) نفسه (١ ‏/ ٤٩٢ )‏.

(14) نفسه(1 / ٤٧١‏).

(15) الموازنة(1/337-238).

(16) نفسه (1/265).

(17) الموازنة (2/41).

(18) الموازنة (2/76).

(19) نفسه (1/512).

(20) نفسه (2/28).

(21) الوساطة، للقاضي الجرجاني، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، وعلي البجاوي القاهرة ١٩٦٧ ‏عيسى الباني الحلبي ٤١٢ ‏.

‏(22) ‏ الوساطة ٤٦٢ ‏- ٤٦٣ ‏.

(23) الوساطة ٤٤٣- ٤٤٤ ‏.

‏(24) الوساطة ١٢ ‏.

(25) الوساطة ٤٦٥ - ٤١٦ ‏.

(26) الوساطة ٤٤١ ‏، وثمة مواضع اخرى: الوساطة ١٠ ‏، ١٢ ‏، ١٣ ‏، ٤٤٢ ‏، ٤٥٧ ‏- ٤٦٦ ‏، ٤٧0 ‏، ٤٤٦ ‏.

(27) كتاب الصناعتين للعسكري، تحقيق البجاوي وابو الفضل، القاهرة ١٩٧١ ‏ط البابي الحلبي ٧٥ – 138.

(28) الصناعتين 76-77.

(29) المصدر نفسه 133.

(30) نفسه 116.

(31) المصدر نفسه 125، وللمزيد من الأمثلة 100، 99، 102 ط بجاوي، ط – أخرى 91، 96، 102.

(32) الصاحبي في فقه اللغة. أحمد بن فارس 375 ط بيروت.

(33) نقد الشعر، قدامة بن جعفر 65.

(34) الرسالة الموضحة، الحاتمي، تحقيق محمد يوسف نجم، بيروت 1965 دار صادر دار بيروت 75، وينظر أيضاً 59-60 فيها.

(35) الموشح، المرزباني تحقيق علي البجاوي، دار نهضة مصر 1965 القاهرة 391.

(36) عيار الشعر، ابن طباطبا، تحقيق زغلول سلام، وطه الحاجري ط 1، التجارية، القاهرة 1956، 96-100، وفي الموشح للمرزباني 33.

(37) إعجاز القرآن، الباقلاني، تحقيق سيد صقر،  دار المعارف القاهرة ط3، 1971 م 178.

(38) الفسر الكبير، ابن جني. تحقيق صفاء خلوصي بغداد 1970(1/186)، وقد جاء في القاموس المحيط: والعثير كجديم التراب والعجاج، وما قلبت من الطين بأطراف رجليك. والأثر الخفي كالعيثر... وعيثر الطير رآها جارية فزجرها، القاموس 2 مادة(ع ث ر).

(39) الفسر الصغير. بن جني، مخطوط بدار الكتب المصرية 123، ورقة أ-ب، وينظر شرح ابن النحاس للمعلقات (1/498).

(40) التمام في تفسير أشعار هذيل. ابن جني، تحقيق احمد القيسي، خديجة الحديثي، احمد مطلوب بغداد ط 1، 1962، 210، وينظر في مثل هذه العبارة قول الآمدي في الموازنة(1/223-224) وكان ينبغي....”.

(41) الفسر الكبير. ابن جني (1/256 – 257).

(42) الوساطة للجرجاني 460-461.

(43) نفسه 466.

(44) نفسه 441.

(45) نفسه 463-464.

(46) الموازنة للآمدي (1/248 – 249).

(47) الموازنة (1/536).

(48) الوساطة 465-466.

(49) الرسالة الموضحة للحاتمي ٧٥.

(50) الوساطة  4٤6.

‏(51) الفسر الكبير لابن جني 1/110، 186، 301، والموشح للمرزياني 391، والوساطة 99، 450، 453، 457، 459، 462، 463.

(52) الموازنة (1/265).

(53) الوساطة 446.

(54) الموازنة(1/222-224)، 393، 394، 512، والموازنة(2/28)، والصناعتين للعسكري 91، والوساطة 10، 12، 442.

(55) الموشح للمرزباني 110.

(56) ‏ الصناعتين للعسكري ١٣٢.

(57) الصناعتين للعسكري ١١٦.

‏(58) الصناعتين للعسكري ١٠٢.

‏(59) الموازنة للآمدي (١/ ٢٣٧ ‏- ٢٣٨)‏.

(60) الموازنة (1/٢١٦).

‏(61) الموازنة (١ / ١٩٣) ‏، ٤٤٨.

(62)‏ الايضاح للقزويني ١٥٨.

‏(63) الصناعتين ٩٦.

(64) الموازنة (2/76).

(65) عيار الشعر، ابن طباطبا 96، 100، والصناعتين 100، والموشح 53.

(66) عيار الشعر 96، 100.

(67) الموازنة (2/20).

(68) الموازنة (1/492).

(69) الموازنة (2/41).

(70) الموازن (2/41).

(71) الموازنة (2/117).

(72) الايضاح للقزويني ١٢٤ ‏، ويقول الآمدي في الموازنة (1/372) ‏لأن الشيء” انما يشبه بالشيء اذا قاربه او دنا من معناه، فاذا شابهه في اكثر أحواله فقد صح التشبيه”.

‏(73)  الصناعتين لأبي هلال العسكري 98 ‏.

(74) الوساطة للجرجاني 13، والصناعتين ٧١ ‏.

‏(75) وهو خشة طويلة في وسط السفينة يمد عليها الشراع، وينظر القاموس مادة(دقل).

(76)       كأن حدوج المالكية غدوة             خلايا سفين بالنواصب من دد

عدولية أو من سفين ابن يا من           يجور بها الملاح طوراً ويهتدي

يشق حباب الماء حيزومها بها           كما قسم الترب المغايل باليد

شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف بمصر 1969، 135 – 138.

(77) شرح القصائد السبع الطوال 116.

(78) الوساطة للجرجاني 13.

(79) في القاموس 4 مادة(كمم)، وكممه وبالكسر وعاء الطلع وغطاء النور، كالكمامة أكمة وأكمام وكمام، وكمت النخلة فهي مكموم أي النخل مكموم.

(80) القاموس (4/173).

(81) Georges mounin, la semantiquc, p. p. 39-42, paris. Col clef, 2 me ed, 1975. el G, Mounin, La Linguistique p. p. 140-141 paris, col. Clef, Seghers, 1975. Et prerre Guiraud, Semanttpue, p.p. 94-98 col. Puc sais-je ? paris 8 me ed, 1975.

(82) المسالة برمتها في الرسالة الموضحة 59- ٦٠ ‏، وينظر في مقدمة التحقيق ل _ م، وكذلك ينظر في راي احسان عباس فيها: تاريخ النقد الادبي عند العرب 264-265 فما بعد، بيروت دار الرسالة. دار الامانة سنة 1971 ط 1.

(83) الرسالة الموضحة 41.

‏(84) القاموس المحيط ١ ‏مادة( ح ف ش ).

(85)‏ وينظر كذلك في الموازنة( 1/ 142، 163 )، والموازنة (٢ ‏/ ١١٥ )‏، وينظر في الموشح ٥١ .

(86) ‏ نقد الشعر، قدامة، ٦٥.

‏(87) ‏ نفسه ٧٢ ‏، وينظر البحث حيث وقفنا عند قضية المصطلح لدى قدامة.

(88) الموازنة للآمدي ٥٢١١ ‏.

‏(89) الموازنة(1/ 138 ‏- ١٣٩ ‏). وهدا الخبر غير موجود في طبعة( الورقة ) التي بين ايدينا، بل عدت كلمة الآمدي ملحقا للكتاب، ينطر في (الورقة ) 136‏، تحقيق عبد الوهاب عزام، احمد فراج، دار المعارف عصر، ط ٢ ‏د. ت، وكلمة ابن.المعتر في البديع 1‏ط كراتشقوفكي.

‏(90) ‏ الموازنة ( ١ ‏/ ٢٢٨ ‏).

(91) الوساطة، القاضي الجرجاني ٤ .                   ‏

(92)‏ الوساطة

(93) الوساطة ٤١٢ ‏- ٤١٣.

‏(94)  ‏الوساطة ٤٥٢ ‏- ٤٥٣ .

‏(95) الوساطة ٤٥٣ .

‏(96) الصاحبي في فقه اللغة. احمد بن فارس ط بيروت ١٩٦٥ ‏، ٢٧٥ ‏. وله ايضا رسالة صغيرة اسماها( ذم الخطأ في الشعر )، تضنت افكارا كهذه التي ذكرنا له هنا، وينظر فصول ي فقه اللغة، رمضان عبد التواب ١٦٦ .

(97) الصناعتين للعسكري ٧٦ ‏- ٧٧ .

‏(98) المصدر نفسه ١٥٥ .

(99) المصدر نفسه 149.

(100) الموشح للمرزباني 1-2.

(101) الموازنة (1/162).

(102) الموازنة (1/163). وكذا في 158-159.

(103) الموازنة (1/192-193).

(104) المصدر نفسه (1/512).

(105) الموازنة (1/227-238).

(106) الموازنة (1-227)، وينظر كذلك في الموازنة (1/239)، 371-372، والموازنة (2/199).

(107) الوساطة 452-454.

(108) الوساطة 457.

(109) الوساطة 457.

(110) الوساطة 465 – 466.

(111) ينظر ايضا في الوساطة 458 – 459، 460 – 461، 463، 464، 462، 466 – 467، 450، 441، 470.

(112) الموضحة 75.

(113) الموضحة 59 – 60.

‏(114) ‏ الصناعتين ١٢٥ ‏.

‏(115) الموشح للمرزباني 51‏.

(116) الموازنة (1/142).

(117) الوساطة 10-12.

(118) الوساطة 13.

(119) الموازنة(1/157).

(120) الموازنة(1/181)، وينظر كذلك في الموازنة(2/115، 139)، والموازنة(1/255)، وفي الوساطة 10، 13.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.