1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

المنصور بن أبي عامر

المؤلف:  عمر فرّوخ

المصدر:  تأريخ الأدب العربي

الجزء والصفحة:  ج4، ص313-318

22-2-2018

3684

 

هو أبو عامر محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عامر بن الوليد بن يزيد ابن عبد الملك المعافريّ القحطانيّ (من عرب الجنوب) ، و أمّه أمّ عبد اللّه بريهة بنت يحيى بن زكريّا التميميّة (من عرب الشمال) من بني برطال في قرطبة. و كان عبد الملك المعافريّ هو الذي دخل الأندلس مع طارق بن زياد ثمّ سكن بلدة طرّش في الجزيرة الخضراء (جنوبيّ الأندلس) حيث أقام لنفسه أسرة وجيهة قويّة. و أمّا أبو حفص عبد اللّه (والد المنصور بن أبي عامر) فكان معروفا بالتقوى و العلم و بالزهد في مناصب الدولة، و قد مات عند طرابلس الغرب، في أثناء رجوعه من الحجّ، في أواخر أيّام عبد الرحمن الناصر (ت 350) .

و أمّا المنصور بن أبي عامر نفسه فقد ولد (في طرّش!) سنة 326(٩٣٧-٩٣٨ م) .

و لمّا شبّ قدم إلى قرطبة طلبا للعلم فتلقّى اللغة على أبي عليّ البغداديّ القاليّ (ت 356) و أبي بكر بن القوطيّة (ت 367) ، كما سمع الحديث من أبي بكر بن معاوية القرشيّ. ثمّ إنّ ابن أبي عامر أصبح كاتبا لدى القاضي أبي بكر محمّد بن إسحاق بن السليم (306-367 ه‍) .

و في سنة 356(967 م) عهد الحكم المستنصر إلى ابن أبي عامر بجميع شؤون ابنه الأمير هشام و جعله ناظرا على أملاك زوجته صبح (1). و في سنة 358 أصبح قاضيا للجند في إشبيلية و لبلة ثمّ (361 ه‍) أصبح صاحب الشرطة. و قد استطاع ابن أبي عامر بلباقته و دهائه و كرمه أن ينال حظوة لدى أهل البلاط جميعهم.

و لمّا مات الحكم المستنصر بويع لهشام بالخلافة، في رابع صفر من سنة 366(٢/ ٩/967 م) ، و لقّب «المؤيّد» ، قبل أن تتمّ له اثنتا عشرة سنة، فأقامت أمّه صبح نفسها وصيّة عليه. في ذلك اليوم جعل هشام خطط الشرطة الوسطى و السكّة و المواريث لابن أبي عامر. و في عاشر صفر جعل هشام الحجابة (رئاسة الوزارة) لجعفر ابن عثمان المصحفي (راجع، فوق، ص 294) و جعل ابن أبي عامر وزيرا للمصحفي.

و في سنة 366 نفسها كثر الاضطراب في أقاصي الأندلس و خيف من هجوم النصارى على شماليّ الأندلس، فعقدت صبح مجلسا ضمّ رجال الدولة و فيهم غالب بن عبد الرحمن الصقلبي-و كان قائدا قديرا تولّى الجيش و الغزوات منذ أيام عبد الرحمن الناصر-و جعفر بن عثمان المصحفي و ابن أبي عامر. فأجمع أهل المجلس على وجوب تجهيز جيش كبير للجهاد، فلم يجسر أحد على القيام شخصيّا بالحرب. فتقدّم ابن أبي عامر لتولّي مثل هذه الغزوة. و كانت صبح حريصة على تثبيت مكانة ابنها بكلّ سبيل فأعطت ابن أبي عامر كلّ ما طلبه من مال و جند. و كان ابن أبي عامر داهية فجعل غالبا القائد الأعلى للجيش (حتّى إذا هزم الجيش كان اللوم على غالب) و تولّى هو القيادة الفعلية. و سار الجيش في رجب من سنة 366(آذار-مارس ٩٧٨ م) . و انتصر ابن أبي عامر نصرا عظيما فزاد ذلك في مكانته عند الناس و عند صبح.

و في أواخر تلك السنة نفسها أدرك ابن أبي عامر مدى قوّته و مدى ضعف من حوله فاستبدّ بالأمر و حجب هشاما فأصبح الحاكم الفعلي في الأندلس. ثمّ بدأ في التفكير بالتخلّص من خصومه. و في سنة 368 للهجرة بدأ ببناء مدينة الزاهرة، شرق قرطبة على النهر الأعظم (نهر الوادي الكبير) و جعلها مقرّا له و عاصمة للأندلس (لأنّ الزهراء مقرّ عبد الرحمن الناصر و ابنه الحكم المستنصر كانت مقرّا لخصومه السياسيّين) . و تمّ بناء الزاهرة سنة ٣٧٠ ه‍ فانتقل ابن أبي عامر إليها. و في السنة التالية تلقّب «المنصور» فأصبح يعرف في التاريخ باسم المنصور بن أبي عامر.

و قد دبّر المنصور بن أبي عامر مقتل نفر كثيرين كان يخشاهم على نفوذه الشخصي أو على الدولة المروانية في الأندلس: دبّر مقتل غالب الصقلبيّ (٣٧٠ ه‍) و المصحفي (٣٧٢ ه‍) و جعفر بن عليّ بن حمدون (٣٧٢ ه‍) و الشريف الحسني الإدريسي حسن بن قنّون (375 ه‍) و كان في المغرب فجهّز عليه جيشا كبيرا. و لمّا استسلم حسن بن قنّون للجيش أمر المنصور بحمله إلى قرطبة ثمّ دبّر مقتله.

و قاد المنصور بن أبي عامر خمسين غزوة بنفسه (أو: ثماني و خمسين) كان مظفّرا فيها كلّها، و بسط سلطان العرب في الأندلس بعد أن كان ذلك السلطان قد تراجع في شماليّ البلاد و شرقيّها. و ضبط البلاد ضبطا محكما.

و كان المنصور بن أبي عامر مصابا بالنقرس (2). و قد توفّي في مدينة سالم، و هو راجع من الغزو، ليلة الاثنين لثلاث ليال بقين من رمضان في سنة 392(٨/٨/ ١٠٠٢ ه‍) مبطونا (3) . و جاء في «تاريخ العرب» (المطوّل) للدكتور فيليب حتّى (4): «أمّا المؤرّخ الراهب الذي دوّن هذه الحادثة فقد علّق عليها بإيجاز معبّرا عن شعور نصارى إسبانية تجاهها فكتب: في سنة ١٠٠٢ مات المنصور فدفن في جهنّم» .

قال ابن خلدون: و من الوزراء أولئك «الذين عظمت آثارهم و عفّت (5) على الملوك أخبارهم كالحجّاج و بني المهلّب و البرامكة و بني سهل بن نوبخت و كافور الإخشيديّ و ابن أبي عامر و أمثالهم فغير نكير الإلماع بآبائهم و الإشارة إلى أحوالهم لانتظامهم في عداد الملوك» .

و قد كان المنصور بن أبي عامر من دهاة العرب و الحازمين في الأمور و ذوي الشجاعة و البأس. و كذلك كان قاسيا شديد القسوة في سبيل الحفاظ على الدولة و في سبيل نفسه أحيانا كثيرة. و كان له أيضا أشياء متفرقة من النثر الحكميّ و من الشعر المتين، و إن لم يكن على شعره نضارة و لا عذوبة لأنّه من شعر العلماء و الفرسان.

مختارات من آثاره:

- لمّا غضب المنصور بن أبي عامر على جعفر المصحفيّ و ألقاه في السجن كتب جعفر إلى المنصور يتذلّل له و يعرض عليه نفسه ليكون مؤدّبا لابنيه عبد اللّه و عبد الملك. فقال المنصور:

«أراد (جعفر) أن يستجهلني و يسقطني عند الناس، و قد عهدوا منّي ببابه مؤمّلا ثمّ يرونه اليوم بدهليزي معلّما» .

- و علم أن امرأة مسلمة كانت أسيرة منذ زمن في كنيسة عند غرسيه ملك البشكنس (برغم معاهدة بينهما تقضي بإطلاق جميع الأسرى) فقال:

«كان قد عاهدني ألاّ يبقى في أرضه مأسورة و لا مأسور و لو حملته في حواصلها النسور. و قد بلغني، بعد، مقام فلانة المسلمة بتلك الكنيسة. و و اللّه، لا أنتهي عن أرضه حتّى أكتسحها» .

- و قال يوما: «إنّ الملك لا ينام إذا نامت الرعيّة. و لو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة» .

قال المنصور بن أبي عامر يعبّر عن طموحه إلى الاستيلاء على المشرق لكشف الظلم عن أهل المشرق:

منع العين أن تذوق المناما... حبّها أن ترى الصّفا و المقاما (6)

لي ديونٌ بالشرق عند أناسٍ... قد أحلّوا بالمشعرين الحراما (7)

إن قضوها نالوا الأماني، و إلاّ ... جعلوا دونها رقابا و هاما (8)

عن قريب ترى خيول هشامٍ... يبلغ النيل خطوها و الشاما (9)

- و قال في الحماسة و الفخر:

رميت بنفسي هول كلّ عظيمةٍ... و خاطرت، و الحرّ الكريم مخاطرُ

و ما صاحبي إلاّ جنان مشيّعٍ... و أسمر خطّيّ و أبيض باتر (10)

و إنّي لزجّاء الجيوش إلى الوغى... أسودا تلاقيها أسود خوادر (11)

و سدت بنفسي أهل كلّ سيادةٍ... و فاخرت حتّى لم أجد من أفاخر

و ما شدتّ بنيانا، و لكن زيادةً... على ما بنى عبد المليك و عامر (12)

رفعنا المعالي بالعوالي حديثة... و أورثناها في القديم معافر (13)

____________________

١) السيّدة صبح البشكنسية (من البشكنس: سكان الطرف الشمالي الغربي من إسبانية) كانت زوج الحكم المستنصر و أمّ ابنه هشام. و كان الحكم يسمّيها «جعفر» تحبّبا. كانت امرأة قديرة. و كانت- بلا ريب - ذات أثر كبير في رفع مكانة ابن أبي عامر. و في الروايات كلام كثير على صلة صبح بابن أبي عامر و اختلاف أكثر.

2) النقرس: داء الملوك (مرض يحدث في مفاصل القدم) و يبدو أنّه ناشئ عن تجمّع الرواسب في مفاصل العظام. و سمّي «داء الملوك» (الأغنياء) لكثرة ترف هؤلاء في مآكلهم و لإخلادهم إلى الراحة فتكثر الرواسب في أجسامهم.

3) المبطون: الذي يشتكي بطنه (انتفاخ بطنه من ماء أو نحوه) .

4) تاريخ العرب لحتّي (نقله إلى العربية إدوارد جرجي و جبرائيل جبّور) بيروت 1951،3:635.

5) المقدّمة (بيروت، مكتبة المدرسة،1961) ص 5٢.

6) الصفا و المقام (مقام إبراهيم) في مكّة من المشاعر (مناسك الحجّ. حيث تجب أو تسنّ العبادة) .

7) ديون (هنا) : ثأر. أناس (من الحكّام) . قد أحلّوا الحرام: ظلموا حتّى أصبح ما يحرم فعله مسموحا (عادة) .

8) إن قضوها (إن أصلحوا هذا الظلم من تلقاء أنفسهم) . جعلوا دونها رقابا (أجبروني على قطع تلك الرقاب) و هاما (جمع هامة: رأس) .

9) هشام: هشام المؤيّد (الخليفة الأمويّ في الأندلس) و كان المنصور بن أبي عامر قد حجبه (استبدّ مكانه في الحكم) . الشآم و الشام: سورية.

10) صاحبي: رفيقي. جنان: قلب. مشيع: شجاع. أسمر: رمح. خطّيّ (من بلاد الخطّ: الشاطئ الشرقيّ من شبه جزيرة العرب، و كانت الرماح، أو القصب الفارسي الذي تصنع منه الرماح تجلب إليه من الهند) كناية عن جودة تلك الرماح. أبيض: سيف. باتر: قاطع.

11) أزجى و زجّى: أرسل، بعث. أسود: أبطال. خوادر جمع خادر (و هو الأسد الذي يكون في خدره: في الأجمة أو الغابة الصغيرة) كناية على الشجاعة في ذلك الأسد و المفاجئة.

12) ما شدّت (بنيت بناء جديدا) و لكن زيادة (زدت على البناء الذي كان قد بناه) عبد الملك و معافر (من أجداد المنصور بن أبي عامر) .

13) العوالي: الرماح (بالحرب، بالقوّة) .

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي