الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو إسحاق الألبيري
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج4، ص572-578
8-2-2018
5068
هو الاستاذ (نفح الطيب 4:٣١٧) أبو اسحاق إبراهيم بن مسعود بن سعيد التجيبيّ الغرناطيّ الإلبيريّ، نعرف من حقائق حياته أنّه كان عربيّ الأصل و أنّ أصل أهله من سرقسطة، كما يدلّ لقبه «التجيبيّ» ؛ ثمّ إنه كان تلميذ الفقيه الشاعر ابن أبي زمنين (ت ٣٩٨ ه) .
كان أبو إسحاق هذا يسكن غرناطة في أيام باديس بن حبّوس (4٣٠-466 ه) و لم يدرك عند باديس الحظوة و لا المكانة التي كان يرجوها. و كان لباديس وزير يهودي اسمه اسماعيل (صموئيل) بن النّغدلة (ت 44٧ ه -1055 م) -و النغدلة تحريف من «الناجد» بمعنى «الرئيس» -فاستولى على الأمور. ثمّ خلفه في الوزارة ابن له اسمه يوسف فزاد استبداده بأمور الدولة. و كان لباديس ابن اسمه بلقّين يرشّحه باديس للملك من بعده. و ضاق بلقّين باستبداد يوسف بن صموئيل فجعل يحضّ أباه على الاستغناء عنه. علم يوسف بذلك فدبّر اغتيال بلقّين. و لمّا انكشف أمر الاغتيال زعم يوسف أن نفرا من خدمه و جواريه فعلوا ذلك بغير علمه و ارادته فقام باديس بقتل جماعات من اليهود (بتحريض من يوسف) . غير أن نفوذ يوسف ازداد كثيرا.
و كان أبو اسحاق الإلبيريّ ممّن يحضّ باديس و بني صنهاجة، قوم باديس، و أهل غرناطة كلّهم على الفتك باليهود. و استطاع يوسف أن يحمل باديس على أن يخرج أبا اسحاق الإلبيريّ من غرناطة. فذهب أبو اسحاق الى إلبيرة و عاش في دار على إحدى التلال عيشة الزهد و التصوّف. و هنالك نظم قصيدة في الحضّ على الفتك باليهود و سرد فيها جميع التهم الموجّهة إليهم و ذكر جميع الصور التي كان استبدادهم بالمسلمين يجري فيها. و أثّرت هذه القصيدة في أهل غرناطة فثاروا على اليهود فيها و قتلوا منهم مقتلة عظيمة (قيل ثلاثة آلاف) و قتل في هذه المعركة (تاسع صفر من سنة 45٩-٣٠/١٢/1066 م) يوسف بن النغدلة نفسه. و في «أعمال الأعلام» (ص ٢٣٣) أنّ هذه المعركة كانت سنة 46٩ أو 465.
و يبدو أن وفاة أبي اسحاق الإلبيريّ كانت بعد ذلك بمدّة يسيرة، بعد أن تقدّمت به السّنّ كثيرا.
كان ابو اسحاق الإلبيريّ فقيها و محدّثا بارعا في علم الحديث. و كذلك كان شاعرا وجدانيا محسنا يغرم أحيانا بالصناعة و بالجناس خاصّة و يتكلّم عن الحب بتعابير الحرب و القتال، و لكن على نهج بدويّ لا في سبيل الإثارة الجنسية. و أكثر شعره في الزهد و التصوّف و الحكم تغلب عليه العاطفة الدينية و شيء من التشاؤم. على أن شهرته قائمة على القصيدة التي يحضّ فيها باديس بن حبّوس و قومه صنهاجة على الفتك باليهود. و هي قصيدة سهلة التركيب واضحة المعاني مملوءة بالصور المثيرة للنخوة و الإباء من طريق المقارنة.
مختارات من شعره :
- قال أبو اسحاق الإلبيريّ يحرّض باديس بن حبّوس و قومه صنهاجة على الفتك باليهود:
ألا قل لصنهاجة أجمعين... بدور الزمان و أسد العرين
مقالة ذي مقةٍ مشفقٍ... يعدّ النصيحة زلفى و دين (1)
لقد زلّ سيّدكم زلّة ... تقرّ بها أعين الشامتين
تخيّر كاتبه كافرا... و لو شاء كان من المؤمنين (2)
فعزّ اليهود به و انتخوا... و تاهوا، و كانوا من الأرذلين
فكم مسلم راغب راهب... لأرذل قرد من المشركين
أباديس، انت امرؤ حاذق... تصيب بظنّك نفس اليقين
فكيف خفي عنك ما يعبثون... و في الأرض تضرب منها القرون (3)
و كيف تحبّ فراخ الزنا... و قد بغّضوك الى العالمين
و كيف يتمّ لك المرتقى... إذا كنت تبني و هم يهدمون
فلا تتّخذ منهم خادما... و ذرهم إلى لعنة اللاعنين (4)
فقد ضجّت الأرض من فسقهم... و كادت تميد بنا أجمعين
و إنّي حللت بغرناطة... فكنت أراهم بها عابثين
و قد قسّموها و أعمالها ... فمنهم بكلّ مكان لعين
و هم يقبضون جباياتها ... و هم يخضمون و هم يقضمون (5)
و هم يلبسون رفيع الكسا... و انتم لأوضعها لابسون
و هم أمناكم على سرّكم... و كيف يكون أمينا خؤون
و يأكل غيرهم درهما... فيقصى، و يدنون إذ يأكلون
و قد ناهضوكم إلى ربّكم... فما يمنعون و ما ينكرون (6)
و هم يذبحون بأسواقنا... و أنتم لإطريفهم آكلون (7)
و رخّم قردهم داره... و أجرى إليها نمير العيون (8)
و صارت حوائجنا عنده... و نحن على بابه قائمون
و يضحك منّا و من ديننا... فإنّا إلى ربّنا راجعون
و لو قلت في ماله إنّه... كمالك كنت من الصادقين
فبادر إلى ذبحه قربة ... و ضحّ به فهو كبش سمين
و لا ترفع الضغط عن رهطه... فقد كنزوا كلّ علق ثمين (9)
و فرّق عراهم و خذ مالهم... فأنت أحقّ بما يجمعون
و لا تحسبن قتلهم غدرة... بل الغدر في تركهم يعبثون
فقد نكثوا عهدنا عندهم... فكيف نلام على الناكثين
و كيف تكون لنا همّة ... و نحن خمول و هم ظاهرون
و نحن الأذلّة من بينهم... كأنّا أسأنا و هم محسنون
فلا ترض فينا بأفعالهم... فأنت رهين بما يفعلون
و راقب إلاهك في حزبه... فحزب الإله هم المفلحون
- في نفح الطيب (3:491) : لمّا مرض الفقيه الزاهد أبو اسحاق ابراهيم الإلبيريّ دخل عليه الوزير أبو خالد هاشم بن رجاء فرأى ضيق مسكنه فقال: «لو اتّخذت غير هذا المسكن لكان أولى بك» . فقال (أبو اسحاق) ، و هو آخر شعر قاله:
قالوا: أ لا تستجيد بيتا... تعجب من حسنه البيوت
فقلت: ما ذلكم صوابا... عشّ كثير لمن يموت
لو لا شتاء و لفح قيظ ... و خوف لصّ و حفظ قوت (10)
و نسوة يبتغين سترا... بنيت بنيان عنكبوت
- و قال يلوم الشيوخ المتصابين، و فيها كنايات بارعة ملموحة:
الشيب نبّه ذا النهى فتنبّها... و نهى الجهول فما استفاق و لا انتهى
فإلى متى ألهو و أخدع بالمنى... و الشيخ أقبح ما يكون إذا لها (11)
ما حسنه إلاّ التقى، لا أن يرى... صبّا بألحاظ الجآذر و المها (12)
أنّى يقاتل، و هو مفلول الشبا... كابي الجواد، إذا استقلّ تأوّها (13)
محق الزمان هلاله فكأنّما... أبقى له منه على قدر السها (14)
فغدا حسيرا يشتهي أن يشتهى... و لكم جرى طلق الجموح كما اشتهى (15)
فقد اللدات، و زاد غيّا بعدهم... هلاّ تيقّظ بعدهم و تنبّها (16)
يا ويحه! ما باله لا ينتهي ... عن غيّه، و العمر منه قد انتهى
- و قال في إقبال الدنيا و إدبارها:
خليليّ عوجا بي على مسقط اللوى... لعلّ رسوم الدار لم تتغيّرا (17)
فأسأل عن ليل تولّى بأنسنا... و أندب أيّاما تقضّت و أعصرا
ليالي إذ كان الزمان مسالما ... و إذ كان غصن العيش فينان أخضرا (18)
و إذ كنت أسقى الراح من كفّ أغيد... يناولنيها رائحا و مبكّرا (19)
أعانق منه الغصن يهتزّ ناعما... و ألثم منه البدر يطلع مقمرا
و قد ضربت أيدي الأمان قبابها ...علينا، و كفّ الدهر عنّا و أقصرا (20)
فما شئت من لهو و ما شئت من ددٍ... و من مبسم يجنيك عذبا مؤشّرا (21)
و ما شئت من عود يغنّيك مفصحا... (سما لك شوق بعد ما كان أقصرا) (22)
و لكنّها الدنيا تخادع أهلها ... تغرّ بصفو و هي تطوي تكدّرا
لقد أوردتني بعد ذلك كلّه ... موارد ما ألفيت عنهنّ مصدرا (23)
و كم كابدت نفسي لها من ملمّة... و كم بات طرفي من أساها مسهّرا (24)
خليليّ ما بالي على صدق عزمتي... أرى من زماني ونية و تعذّرا
و و الله ما أدري لأيّ جريمة... تجنّى و لا عن أي ذنب تغيّرا
و لم أكُ عن كسب المكارم عاجزا... و لا كنت في نيل أنيل مقصّرا (25)
لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي... لقد ردّ عن جهل كثير و بصّرا (26)
و أيقظ من نوم الغرارة نائما... و كسّب علما بالزمان و بالورى (27)
- و قال في حال الدنيا:
تمرّ لداتي واحدا بعد واحد... و أعلم أنّي بعدهم غير خالد (28)
و أحمل موتاهم و أشهد دفنهم... كأنّي بعيد عنهم غير شاهد
فها أنا في علمي بهم و جهالتي... كمستيقظ يرنو بمقلة راقد (29)
- و قال، و فيه شيء من الفخر:
ذروني أجب شرق البلاد و غربها... لأشفي نفسي أو أموت بدائي (30)
فلست ككلب السوء يرضيه مربض... و عظم، و لكنّي عقاب سماء
تحوم لكيما يدرك الخصب حومها... أمام أمام أو وراء وراء
و كنت إذا ما بلدة لي تنكّرت... شددت إلى أخرى مطيّ إبائي (31)
و سرت و لا ألوي على متعذّر... و صممت لا أصغي إلى النصحاء (32)
كشمس تبدّت للعيون بمشرق... صباحا، و في غرب أصيل مساء
_________________
١) زلفى: تقرّبا (إلى اللّه) . دين: يأمر بها الدين.
٢) الكاتب: الوزير
3) و في الأرض تضرب منها القرون: (؟) .
4) الخادم: الكاتب (الوزير) .
5) الخضم: أكل الشيء الطري. القضم: أكل الشيء اليابس-يأكلون الأخضر و اليابس.
6) ناهضوكم إلى ربّكم: قاوموكم و حملوكم على ما يغضب ربّكم. ما ينكرون: لا ينكر عليهم أحد ما يفعلون.
7) الإطريف: الطريف (بامالة الياء) : اللحم الذي به عاهة (كالمرض في الذبيحة و النقص في أعضائها. و اليهود لا يأكلون مثل ذلك اللحم) .
8) رخّم داره: فرشها (بلّطها) بالرخام (البلاط الأبيض الثمين) . النمير (الماء) الحلو.
9) العلق: الشىء النفيس
10) لفحت النار بحرّها (أحرقت) . القيظ: الحرّ الشديد.
11) لها يلهو (انصرف إلى اللهو) .
12) الجآذر جمع جؤذر (الغزال الصغير) و المها جمع مهاة (بقرة الوحش: نوع من الغزلان) .
13) في هذا البيت كناية لو صرّح بها لكانت قبيحة جدّا. الشبا جمع شباة (حدّ السيف) . مفلول-مفلّل: كالّ (لا يقطع) . كابي (ساقط على وجهه، لا يستطيع أن يقف ثابتا) الجواد (الحصان) . استقلّ: بدأ سيره، ركب. تأوّه: تحسّر.
14) محق نوره (بالبناء للمجهول) ذهب نوره (كما يكون القمر في آخر الشهر) . السها: نجم صغير في بنات نعش مجاور لنجم آخر لا يكاد يراه إلاّ من كان بصره حديدا (صحيحا قويّا) .
15) في هذا البيت كناية لو صرّح بها لكانت أيضا قبيحة جدّا. الحسير: الضعيف البصر. و حسر البعير: ضعف و تعب. و حسر الرجل: تلهّف (أراد شيئا و عجز عنه) ، أعيا: تعب فانقطع (عن المشي، أو العمل أو القيام) . يشتهى (يريد، يرغب) أن يشتهى (بالبناء للمجهول) : يعامل معاملة الأنثى. طلق: غير مقيّد. الجموح: استبداد الفرس براكبه لنشاطه و قوّته.
16) اللدة (بكسر ففتح) : الترب (بكسر التاء) من كان في مثل سنّك. و اللدة و الترب تقالان للذكور و للإناث.
17) عاج: مال. مسقط اللوى (ورد في معلّقة امرئ القيس «سقط اللوى») . لم تتغيّرا-لم تتغيّرن (قلبت نون التوكيد الخفيفة ألفا) .
18) فينان: ممتدّ (الفينان ذو الشعر الحسن الطويل) .
19) الأغيد الناعم اللّين (الجميل) . رائحا (في الرواح: المساء) .
20) ضربت أيدي الأمان علينا قبابها: حمتنا، جعلتنا آمنين.
21) الدد: اللهو. مبسم (فم) يجنيك (يعطيك، يقدّم لك) عذبا (حلوا، أي ريقا حلوا) مؤشّرا (مخطّطا) حينما تكون الأسنان لصغير في السنّ و تكون صحيحة و نظيفة يبدو عليها تأشير (أي خطوط) .
22) العجز (بفتح فضمّ) لامرئ القيس-تجدّد في نفسه شوق (الى اللهو) بعد أن كان قد ترك (اللهو) مدة
23) المورد: مكان شرب الماء. المصدر: الرجوع عن الماء (بعد الشرب أو بعد للتزوّد بالماء) .
24) الملمّة: النازلة، المصيبة. طرفي: بصري (عيني) . الأسى: الحزن.
25) النيل (العطا) ، أنيل (اعطي أنا) .
26) كما أن ذهاب الملك عنّي قد ساءني من جانب فإنّه من الجانب الآخر قد علّمني أن أتّعظ بأحداثه.
27) الغرارة: الغفلة و حداثة السنّ. الورى: مجموع البشر.
28) تمرّ (تموت) .
29) يرنو: ينظر يتطلّع. مستيقظ يرنو بمقلة (عين) راقد (نائم) : يرى بعينيه من غير أن يعرف ما يرى.
30) ذر: دع. جاب: طاف.
31) المطيّ: ما يركبه الإنسان من الحيوان للانتقال من مكان إلى آخر. الإباء: الترفّع عن الأمور الدنية
32) لا ألوي (لا ألتفت، لا أهتمّ ب) . المتعذّر: الذي يتنصّل من الذنب (المقصود: الذي يلوم) . صمم: قصد، تقدّم، ثابر .