الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن الخيّاط الربعي الصقلي
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج4، ص521-524
7-2-2018
2640
لم يصل إلينا من حياة ابن الخيّاط هذا حوادث واضحة. إنّ النزر اليسير الذي نعرفه ممّا يتّصل بحياته نقوله تخمينا من قرائن نجدها في حياة المعاصرين له.
هو ابن الخياط (و لم يرد اسمه في فهارس «الذخيرة» و لا في فهارس «نفح الطيب» و لا في فهارس «المكتبة الصقلّية العربية» التي جمعها المستشرق الايطاليّ ميخائيل أماري. و كذلك لم يرد اسمه في «خريدة القصر» -لا في قسم الأندلس و لا في قسم المغرب، و لا في فهارس تاريخ الأدب العربيّ للمستشرق الألمانيّ كارل بروكلمن) . و قد اكتفيت أنا في هذه الترجمة بكتاب الدكتور إحسان عبّاس «العرب في صقلّية» .
و هو ابن الخيّاط الصقلّي (من جزيرة صقلّية) الربعي (بفتح ففتح: نسبة إلى قبيلة ربيعة؛ أو بفتح فسكون: نسبة إلى الربعة: و هو اسم لحيّين من العرب؛ أو نسبة إلى الربع بضمّ ففتح أي الفصيل من الإبل ينتج-بالبناء للمجهول-أي يولد في الربيع) .
و قد حاول الدكتور إحسان عبّاس أن يجعل لوفاة ابن الخيّاط زمنا بين حدّين: قال عن ابن الخيّاط (ص ٢١٠) : «و هذا لا يبعد صلته بالأمراء الكلبيّين (حكّام صقلّية العرب) عن سنة ٣٩٠ ه» (١٠٠٠ م) بعد أن قال (ص ٢٠٩) «فإنّه (أي ابن الخيّاط) لم يشهد صقلّية في عصرها الجديد-عصر الحكم النورمانيّ-» . و النورمان استبدّوا بحكم صقلّية سنة 4٧٣(١٠٨٠ م) . ومعنى هذا أنّ ابن الخياط انتقل من صقلّية (إلى القيروان) قبل أن ينزل فيها النورمان، و ليس معنى هذا (من الجملة الأخيرة) أنّ ابن الخيّاط توفّي سنة 4٧٣. فإذا كان اتّصال ابن الخيّاط بالأمراء الكلبيّين سنة ٣٩٠(وعمره تقديرا بين خمس وعشرين و خمس و ثلاثين) ثمّ بقي حيّا إلى ما بعد سنة 4٧٣، فمعنى هذا أنّه قد عاش مائة و عشر سنوات على الأقلّ.
و بما أن التاريخ الأوّل (في افتراض الدكتور احسان عبّاس أقرب إلى الواقع، لأنّ الشاعر اتّصل بحسبه، بالكلبيّين (و الدليل على ذلك قصائد مدحهم بها) فيحسن أن يميل المؤرّخ إلى تقديم وفاة ابن الخياط إلى زمن سابق على الفتح النورمانيّ لصقلية مدّة طويلة، أي إلى سنة 44٠ أو سنة 45٠(1048-1058 م) .
ابن الخيّاط الصقلّي الربعي شاعر مجيد، و شعره سهل واضح الأغراض قليل التكلّف و الصناعة، ثمّ هو يهتم بالمعاني أكثر من اهتمامه بالألفاظ. و أغراض شعره المديح و الحماسة (وصف الحرب) و وصف الطبيعة-و هنا نجده شاعرا يمثل صقلّية في طبيعتها، كما كان قد صوّر أحوالها السياسية من ضعفها و من الفتن فيها في أماديحه و في حماساته - ثم الأدب أو الحكمة مع أشياء من مدارك الفلسفة و تعابيرها. و له وصف للخمر و غزل مع التحلّل من عدد من قيود المجتمع السليم.
مختارات من شعره:
- قال ابن الخيّاط الربعيّ يمدح انتصار الدولة:
و يا ربّ يوم له مسعرٌ... إذا خمدت ناره أوقدا (1)
تخاف به الرجل من أختها... و لا تأمن اليد فيه اليدا (2)
و ترمي رجالا بأعضائهم... فمثنى تراهنّ أو موحدا (3)
ترى السيف عريان من غمده ... و تحسبه من دم مغمدا
- ولابن الخيّاط الربعيّ مقاطع في الأدب تنطوي على أشياء من الحكمة تجري في عدد من تعابير الفلسفة:
أرى كلّ شيء له دولة... لحكم التعاقب فيها عمل (4)
فلا تفرحنّ و لا تحزننّ... لشيء إذا ما تناهى انتقل (5)
ما كان أمس فقد فات الزمان به... و ما يكون غدا في الغيب موعود
و بين ذينك وقت أنت صاحبه... في حالتيه: فمذموم و محمود
تمتّع بالمنام على شمال... فسوف يطول نومك باليمين (6)
و متّع من يحبّك من تلاقٍ ... فأنت من الفراق على يقين (7)
إنّ سبّ الملوك من شُعب المو... ت، فإيّاك أن تسبّ الملوكا (8)
إن عفوا عنك بالذنوب أهانو... ك، و إن عاقبوا بها قتلوكا
- و قال ابن الخيّاط الربعيّ يمدح انتصار الدولة حين ظفر بثائر ثار عليه:
ظنّ الإمارة ظلّة، فإذا بها... حرب يكاد أوارها يتأجّج (9)
و مهنّدات كالعقائق ماؤها... مترقرق و لهيبها متأجّج (10)
لا تستقرّ العين فوق متونها... فكأنّما هي زئبق مترجرج (11)
و مداعس للخيل يرمح وسطها... من غير فارسه، طمرّ مسرج (12)
عقرى و سالمة تعثّر بالقنا... العسجديّ و ذو الخمار و أعوج (13)
طرحت فوارسها على أذقانهم... طرح الكعاب: فمفرد أو مزوج (14)
في موطن سلب الحليم وقاره... فكأنّما هو مستطار أهوج (15)
- و قال بين الوجدان و الآراء الفلسفية:
ليس إلاّ تنفّس الصعداء... و بكائي، و ما غناء بكائي (16)
من رسولي إلى السماء يؤدّي... لي كتابا إلى هلال السماء(17)
كيف يرقى إلى السماء كثيف... يسلك الجسم في رقيق الهواء (18)
عجز الإنس أن ترقّى إليها... فعسى الجنّ أن تكون شفائي (19)
أم ترى الجنّ تتّقي شهب الرجم... فدعني كذا أموت بدائي (20)
______________________
1) مسعر: موقد (شديد الحرّ) يوم مسعر: معركة شديدة. كلّما خفّت شدّة المعركة زادها هو اشتعالا.
٢) المعركة شديدة إلى درجة لا يأمن فيها أحد أحدا (و لو كان من حلفائه) .
٣) قد يصاب المحارب بإحدى يديه أو رجليه أو عينيه، أو فيهما كليهما.
4) دولة: دور، فترة زمنية (لأن تعاقب الأحداث من عمل قانون طبيعي) .
5) تناهى: بلغ نهايته. انتقل: تبدّل.
6) النوم على الجانب الأيسر في الحياة (كناية عن التمتّع باللذة. . .) . أمّا في الموت فيسجّى الميت في قبره على جانبه الأيمن.
7) تلاق: اجتماع. الفراق: الموت.
8) الشعبة (بالضمّ) : الغصن و نحوه (و هنا: طريق، سبب) .
9) الظلّة: العريش الذي يحمي الإنسان من الشمس أو المطر. . . الأوار: شدّة الاشتعال.
10) المهنّد: السيف. العقيق: حجر كريم أحمر اللون (كناية عن كثرة الدم) . ماء المهنّد: صقاله (بالكسر) ، لمعانه (لأنه ماض: قاطع) جدّا.
11) إن صفحات هذه السيوف مصقولة تلمع في النور حتّى لا يستطيع البصر أن يثبت عليها.
12) المدعس: الطريق الذي كثر السير عليه (كناية عن طول المعركة. ذهابا و ايابا: هجوما و تقهقرا) . رمح (في القاموس) : أضاء، رفس (و هنا معناها: يركض بحرّيّة) . الطمرّ: الفرس السريع. يرمح فوقها من غير فارسه طمرّ مسرج (كناية عن أن القتلى كانوا كثيرين حتّى أن معظم الخيل كانت تجول في ميدان المعركة و ليس عليها فوارسها) .
13) عقرى (مجروحة) تعثّر-تتعثّر. القناة: الرمح. (لمّا قتل الفوارس أصبح سلاحهم ملقى على الأرض، فالخيل في أثناء تجوالها تعثر به) . العسجدي و ذو الخمار و أعوج (من أسماء الخيل) .
14) الذقن (بفتح ففتح) : الوجه. الكعب: قطعة مكعّبة صغيرة تستخدم في لعب النرد. طرح الكعاب (بسهولة) . مفرد (فارس قتيل مطروحا أرضا و بعيدا عن غيره) أو مزوج (فارسان اعتنقا في القتال ثم قتل كلّ منهما الآخر فسقطا معا) .
15) مستطار القلب: شديد الخوف. أهوج (يفعل أفعاله بلا تنظيم) .
16) تنفّس الصعداء (النفس العميق الطويل الحار-كناية عن الحزن) . الغناء (بالفتح) : الفائدة.
17) هو يريد أن يعرف أسرار العالم العلوي (أ لعلّه يكني بذلك عن محبوب جميل؟) .
18) في الفلسفة أنّ الجسم (مادّة كثيفة) لا ترقى (بعد الموت) إلى الملأ الأعلى (عالم الخلود) . و لكنّ النفس (و هي جوهر روحاني خفيف) يمكن أن تصعد إلى الملأ الأعلى.
19) هل أستطيع أن أبلغ إلى الملأ الأعلى من طريق الجنّ فأعرف من طريق الجنّ أخبار السماء؟
20) تتّقي: تخاف، تتجنّب. شهاب الرجم: (الجنّ ممنوعون من الدنوّ من السماء، إذ يقذفون (إذا اقتربوا منها) بالشهب المشتعلة فيحترقون.