الحياة الاقتصادية المعاصرة للأمام الباقر
المؤلف:
باقر شريف القرشي
المصدر:
حياة الإمام الباقر(عليه السلام)
الجزء والصفحة:
ج2،ص184-188.
15-8-2016
4282
الحياة الاقتصادية في عصر الامام فقد كانت مشلولة ومضطربة فقد انحصرت ثروة البلاد عند الفئة الحاكمة آنذاك وعند عملائها وهم ينفقونها بسخاء على شهواتهم وملاذهم ويتفنون في أنواع الملذات في حين أن عامة الشعب كانت في حالة شديدة من البؤس والفقر فالأسعار قد أرهقت كواهل الناس وكلفتهم من أمرهم شططا قد خلت أكثر البيوت من حاجات الحياة وأصبحت الناس طاوية بطونهم عارية أجسامهم وقد صور الشاعر الأسدي سوء حياته الاقتصادية بقصيدة يمدح فيها بعض نبلاء الكوفة ويطلب منه أن يمنحه بمعروفه وبره يقول :
يا أبا طلحة الجواد أغثني بسجال من سيبك المقسوم
أحيي نفسي ـ فدتك نفسي ـ فاني مفلس ـ قد علمت ذاك ـ عديم
أو تطوع لنا بسلت دقيق أجره ـ إن فعلت ذاك ـ عظيم
قد علمتم ـ فلا تعامس عني ـ ما قضى الله في طعام اليتيم
ليس لي غير جرة واصيص وكتاب ومنمنم كالوشوم
وكساء أبيعه برغيف قد رقعنا خروقه بأديم
واكاف أعارنيه نشيط هو لحاف لكل ضيف كريم
وأنت ترى أن هذا الشاعر قد استعطف هذا الكريم وطلب منه أن يسعفه بالطعام فيحي نفسه التي أماتها الجوع : وذكر ما يملكه من أثاث بسيط كان به في منتهى الفقر والبؤس.
وكان عامة الناس على هذا الغرار يعيشون حياة بائسة قد نهشهم الجوع والبؤس فقد تحول اقتصاد الأمة إلى جيوب الأمويين ومن سار في ركابهم من دون أن ينفق أي شيء منه على تطور الحياة العامة وازدهارها وتقدمها.
لقد جهد ولاة الأمويين وعمالهم في ابتزاز أموال الأمة وتجريدها من جميع مقوماتها الاقتصادية.
يقول النمري مخاطبا عبد الملك بن مروان بقصيدة يشكو فيها اضطهاد العمال لقومه :
أ خليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
إن السعاة عصوك يوم أمرتهم وآتوا دواهي لو علمت وغولا
أخذوا العرين فقطعوا حيزومه بالأصبحية قائما مغلولا
حتى إذا لم يتركوا العضامة لحما ولا لفؤاده معقولا
جاءوا بصكهم وأحدر أشارت منه السياط يراعه أجفيلا
أخذوا حمولته فاصبح قاعدا لا يستطيع عن الديار حويلا
يدعو أمير المؤمنين ودونه خرق تجر به الرياح ذيولا
كهداهد كسر الرماة جناحها تدعو بقارعة الطريق هديلا
أخليفة الرحمن أن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا
قوم على الاسلام لما يتركوا ما عونهم ويضيعوا التهليلا
قطعوا اليمامة يطردون كأنهم قوم أصابوا ظالمين فتيلا
شهري ربيع ما تذوق بطونهم إلا حموضا وخمسة وذبيلا
وأتاهم يحيى فشد عليهم عقدا يراه المسلمون ثقيلا
كتبا تركن غنيهم ذا عيلة بعد الغنى وفقيرهم مهزولا
فتركت قومي يقسمون أمورهم إليك أم يتربصون قليلا
وصور النمري بهذه الأبيات الجور الهائل الذي صبه العمال على قومه حتى لم يتركوا عليهم عظما إلا هشومه قد ألهبت سياطهم أجسام قومه وتركتهم أشباحا مبهمة خالية من الحياة والروح.
واستمرت المظالم الاقتصادية حتى في دور عمر بن عبد العزيز الشهم النبيل فان عماله لم يألوا جهدا في سلب أموال الرعية واستصفاء ثرواتها بغير حق يقول كعب الأشعري مخاطبا له :
إن كنت تحفظ ما يليك فانما عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى تجلد بالسيوف رقاب
بأكف منصلتين أهل بصائر في وقعهن مزاجر وعقاب
وقد أقر ملوك الأمويين جميع تصرفات عمالهم فلم يحاسبوهم على ما اقترفوه من الجور والظلم للرعية وهذا مما سبب إشعال الفتن وعدم استقرار الوضع السياسي في البلاد مما نجم منه اندلاع نار الثورة في خراسان والتهامها لحكام بني أمية والقضاء على دولتهم.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) وفيما أحسب أنا قد ألممنا بالكثير من مظاهره وأحداثه وقد كانت هذه الدراسة ـ على إيجازها ـ ضرورة لا غنى لنا عنها لأنها تصور لنا بؤس المجتمع الذي نشأ فيه الامام أبو جعفر (عليه السلام).
ومن الطبيعي أن تلك الأوضاع المؤلمة والصور الحزينة قد تركت التياعا مستوعبا لنفس الامام (عليه السلام) لأنه بحكم قيادته الروحية وابوته العامة للمسلمين يعز عليه عنتهم وشقاءهم ويسؤه أن يراهم بتلك الحالة الراهنة من البؤس والشقاء.
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة