الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
يحيى بن بقى
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص157-162
24-7-2016
3876
و غلت في المغرب الأقصى فأعجزني نيل الرغائب حتى أبت بالنّدم
و لم يلبث أن فتح له باب كبير هو باب بني عشرة قضاة سلا بالقرب من الرباط الحالية عاصمة المملكة المغربية، و كانوا بحارا فياضة في الجود فغمروه بجودهم و خاصة يحيى بن علي بن القاسم و أخاه أحمد قاضى سلا، فمكث في رحابهما طويلا، و أضفي عليهما من شعره و موشحاته دررا كثيرة، و أول ما نقف عنده من موشحاته فيهم الموشحة التي مدح بها القاضي أحمد، و التي قال في خرجتها أو خاتمتها أبو بكر بن زهر: ما حسدت و شاحا على قول إلا ابن بقى حين وقع له:
أ ما ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق
أطلعه المغرب فأرنا مثله يا مشرق
و هو لم يحسده في رأينا على جمال صياغته فحسب، بل حسده أيضا على روعة تصويره في الفقرة الثانية إذ جعل القاضي أحمد كوكبا يبزغ في المغرب و لا مثيل له في المشرق.
و يتضح إبداعه في تصويره إذ يقول في أحد أغصان هذا الموشح متغزلا بصاحبته:
عطا بليتيه و مرّ كالظّبى لبيده (1)
فدلّ عليه تكسّر الحلى بجيده
تفتير عينيه يسرع في برى عميده
و هو يجعلها كأنها ظبية حقيقية تمد عنقها لتناول الأوراق في الشجر مصورا بذلك جمال جيدها، و يقول إنه إنما رآها لمحا أو كاللمح إذ مرّت سريعا إلى منزلها، و يصوره كأنه بيداء فلن يعود يراها. و يعود إلى نفسه فليست من الظباء بل هي من النساء إذ سمع صوت الحلى بجيدها. و يقول إن تفتير عينيها الجميلتين يسرع في ضنا محبوبها، و لا يزال يأمل من البيد و الفلوات ردّها. و الموشحة من مجزوء البسيط. و واضح أن نسبتها إلى ابن بقى لا يشوبها شك فقد نسبها إليه أبو بكر بن زهر و كذلك ابن سعيد في كتابه «رايات المبرزين» و المقري في أزهار الرياض و مع ذلك نجدها في ديوان التطيلي خطأ(2)كما نجد أختا لها في ديوانه أيضا و هي في مديح يحيى بن القاسم ممدوح ابن بقى الذي تفيّأ ظلاله، و ينص ابن سناء الملك في مقدمته لدار الطراز على نسبتها إليه (3)و ينشدها كاملة بين ما اختاره من الموشحات الأندلسية، و فيها يقول:
صبرت و الصّبر شيمة العانى و لم أقل للمطيل هجرانى معذّبى كفانى
لما جنى الورد ملء كفّيه تشوّفت وردتان إليه
فحلّتا في رياض خدّيه
و يقول ابن سناء الملك إن هذه الموشحة من وزن المنسرح، ما عدا نهاية القفل:
«معذبى كفانى» لأن وزنه مستفعلن فعولن، و الأولى تفعيلة الرجز و الثانية تفعيلة المتقارب.
و ألفاظ القفل بعذوبتها كأنها اقتطعت من اللغة الأندلسية الدارجة لتخفف عن قارئها متاعبه. و صورة الورد في خدود صاحبته تنقلنا إلى عالم شعري حالم مكتظ برؤى بديعة.
و يلاحظ ابن سناء الملك أن موشحته:
يا ويح صبّ إلى البرق له نظر و في البكاء مع الورق له وطر
من وزن البسيط أقفالا و أغصانا، و هو يضم في الوزن الجزأين الأولين و التاليين بعضهما إلى بعض، و يقول من موشحة:
إن لم يكن إليك سبيل فالصّبر بالجميل جميل
و الوزن في أقفالها و أغصانها مستفعلن فعولن فعولن، فهو مكون من تفعيلة الرجز و تفعيلة المتقارب و يكثر هذا الوزن بين الوشاحين. و تكثر هذه السهولة المفرطة في كثير من أغصان ابن بقى و خرجاته كقوله في موشحة من وزن الرجز:
ليل طويل و لا معين يا قلب بعض الناس أ ما تلين
و قوله في خرجة موشحة ثانية مستخدما لغة عامية كأنما تفصل من قلوب سامعيه فتؤثر فيهم تأثيرا بعيدا:
سافر حبيبى سحر و ما ودّعتو يا وحش قلبى في الليل إذا افتكرتو
و كلمة وحش حذفت منها التاء لضرورة تفعيلة الرجز: مستفعلن مع زيادة سبب فيها أحيانا إذ تصبح مستفعلاتن. و بهذه الألفاظ الغزلة المفرطة في السهولة و بما كانت تتضمنه موشحات ابن بقى من صور بديعة طارت شهرته في عصره و بعد عصره، و قد لبّى نداء ربه سنة 54٠ للهجرة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
١) الليث: صفحة الجيد و جعلها تعطو بهما و تمدهما، كناية عن طولها.
2) انظر ديوان التطيلي ص ٢٧٠ و قارن برايات المبرزين ص ٧٩ و أزهار الرياض ٢/٢٠٩.
3) راجع ديوان التطيلي ص ٢6٩ و قارن بدار الطراز لابن سناء الملك ص ٣4 و نسب أيضا ابن سعيد في المغرب ٢/٢5 الموشحة: ما الشوق إلا زناد إلى ابن بقى و قد أضيفت الى التطيلي في ديوانه ص ٢٧٩ مما يدل على أن موشحات ابن بقى اختلطت بموشحات التطيلي و خاصة في كتاب جيش التوشيح لابن الخطيب على نحو ما يلاحظ في نسبة الموشحات الثلاث المذكورة إلى التطيلي و عنه ألحقها د. إحسان عباس بالديوان حين حققه مع إشارته إلى ذلك!