الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
منذر بن سعيد البلّوطي
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص490-491
24-7-2016
3660
«أما بعد حمد اللّه و الثناء عليه، و التعداد لآلائه، و الشكر لنعمائه، و الصلاة و السلام على محمد صفيّه و خاتم أنبيائه، فإن لكل حادثة مقاما، و لكل مقام مقالا، و ليس بعد الحقّ إلا الضلال، فافقهوا عني بأفئدتكم، إن من الحق أن يقال للمحقّ صدقت، و للمبطل كذبت. .
و إني أذكرّكم بأيام اللّه عندكم و تلافيه لكم بخلافته أمير المؤمنين التي لمّت شعثكم، و أمّنت سربكم» .
و مضى يتحدث عن تلافي الناصر للفتن التي كانت عمت آفاق الأندلس، و فصّل القول في انتصاراته و فتوحاته و عدالته و ما حظيت به الدولة لعهده من مكانة جعلت الروم يخطبون مودتها. و ينصح الناس بالتزام الطاعة لخليفتهم و ابن عم نبيهم الناصر، و يختم خطبته بالحمد للّه و الاستغفار. و بهرت الخطبة المجتمعين و خرجوا يتحدثون عن بلاغة منذر و حسن بيانه و ثبات جنانه، و أعجب به الناصر إعجابا شديدا، فولاه الصلاة و الخطابة بمسجده الجامع في مدينته الزهراء التي بناها بجوار قرطبة، ثم ولاه قضاء الجماعة، فأصبح قاضي القضاة في الأندلس جميعا، و ظل على ذلك في حكم الناصر و حكم ابنه الحكم إلى أن توفي سنة ٣55. و كان الناصر قد مضى في بناء مدينته الزهراء و تأنق فيها ما وسعه التأنق على نحو ما مرّ بنا في غير هذا الموضع، فرأى منذر أن يتناوله في خطبة الجمعة بالموعظة الحسنة رجاء إنابته و رجوعه عن هذا السرف المفرط.
و ابتدأ منذر موعظته بقول اللّه تعالى شأنه: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ)1)آيَةً تَعْبَثُونَ وَ تَتَّخِذُونَ مَصٰانِعَ(2)لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ثم قال: و لا تقولوا: سَوٰاءٌ عَلَيْنٰا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ اَلْوٰاعِظِينَ مَتٰاعُ اَلدُّنْيٰا قَلِيلٌ وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اِتَّقىٰ و ما زال يصل ذلك بكلام مؤثر في ذم تشييد البنيان و زخرفته و الإسراف في الإنفاق عليه، و استشهد بقوله تعالى: أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيٰانَهُ عَلىٰ تَقْوىٰ مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيٰانَهُ عَلىٰ شَفٰا جُرُفٍ هٰارٍ فَانْهٰارَ بِهِ فِي نٰارِ جَهَنَّمَ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ و مضى منذر يدعو إلى الزهد في الدار الفانية و الإعراض عنها و طلب ما عند اللّه من فراديس الجنان و أسهب في ذلك حتى تأثر المستمعون و ضجّوا بالبكاء، و دعوا اللّه تائبين مستغفرين و بكى الناصر و استعاذ من سخط اللّه و غضبه. و لمنذر مصنفات من أهمها:
«أحكام القرآن» و كان شاعرا، أما العظات فلعل واعظا في وطنه لم يبلغ فيها مبلغه في زمنه، و كانت له خطب مجموعة و متداولة في الأندلس تحمل وعظا كثيرا، و من عظاته قوله:
«حتى متى و إلى متى أعظ غيري و لا أتّعظ و أزجره و لا أزدجر، أدلّ على الطريق المستدلّين، و أبقى مقيما مع الحائرين، كلا إن هذا لهو البلاء المبين (إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ أَنْتَ وَلِيُّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا وَ اِرْحَمْنٰا وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْغٰافِرِينَ) .
اللهم فرّغني لما خلقتني له، و لا تشغلني بما تكفّلت لي به، و لا تحرمني و أنا أسألك و لا تعذّبني و أنا أستغفرك يا أرحم الراحمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١( ريع: المرتفع من الأرض و كان الناصر قد بنى الزهراء بضاحية قرطبة على جبل العروس.
٢) مصانع: مبان من القصور و الحصون.