1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

علي بن حصن

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص312-313

24-7-2016

4786

هو أبو الحسن علي بن حصن الإشبيلي، من شعراء أمير إشبيلية المعتضد، نشأ معه، و كان بعجب به و بشعره فاستوزره حين أصبح له صولجان إمارتها بعد أبيه إسماعيل. و ظل الجو له صافيا إلى أن لحق ابن زيدون بالمعتضد، و اتخذه وزيرا له معه، و كان في ابن زيدون شيء من الدهاء استحوذ به على قلب المعتضد، فنفس ذلك عليه ابن حصن. و كان المعتضد يدعوهما أحيانا إلى المساجلة بالشعر بين يديه، فكان ابن حصن يتفوق عليه لسرعة بديهته و رضاه بالعفو من طبعه، غير أن ابن زيدون كان يعلوه بحلمه و وقاره.

و كان في ابن حصن تهور و طيش فزلّت قدمه و أدّياه إلى أن يسفك المعتضد دمه، و كان سفاحا للدماء قتل كثيرين من وزرائه و خواصه.

و يشيد ابن بسام بشاعرية علي بن حصن قائلا عنه: «أحد من راش سهام الألفاظ بالسحر الحلال، و شقّ كمائم المعاني عن أفتن من محاسن ربّات الحجال، بين طبع أرقّ من الهواء، و أعذب من الماء، و علم أغزر من القطر، و أوسع من الدهر» . و يعجب ابن بسام من قوم أضربوا عن ذكره، و زهدوا في شعره و يعلل ذلك بأشعار له كثيرة كان يعبث بها بين مجونه و سكره، و يقول إن إحسانه أكثر و فضله أشهر، و ينوه بروعة تصاويره، و من قوله في إحدى خمرياته الماجنة:

خضبت بنان مديرها بشعاعها  فعل العرارة في شفاه الرّبرب
و الربرب: القطيع من بقر الوحش، يقول إن الخمر خضبت بنان الساقي بشعاعها كما يخضب نبات العرار الصحراوي شفاه قطعان البقر الوحشي. و هي صورة طريفة لأنه يجلبها من بعيد من الجزيرة العربية و حديث شعرائها عما يتراءى لهم في البقر الوحشي هناك من جمال. و يقول في خمرية أخرى:

إذا بدت لك في قط     عة من البلاّر
حسبتها شفقا صّبّ في زجاج نهار
و هو يتخيل الخمر الحمراء كأنها الشفق الأحمر، و يتسع به الخيال فيقول إنها تصبّ لا في زجاج بلّوري أو مصوغ من بلور بل في زجاج مصوغ من نهار مضيء.

و يخاطب إشبيلية موطنه و النهر يتهادى أمامها و الشمس جانحة للغروب:

كأنك و الشمس عند الغروب    عروس من الحسن منحوته
غدا النهر عقدك و الطّود تاج‍       ك و الشمس أعلاه ياقوته
فالنهر و ما يحفّ به من أزهار عقد نفيس يتألق في جيد إشبيلية و الجبل من ورائها كأنه تاج معقود على رأسها ترصّعه في أعلاه ياقوتة الشمس البديعة. و من قوله في وصف هديل:

و ما هاجني إلا ابن ورقاء هاتف     على فنن بين الجزيرة و النّهر (1)
مفستق طوق لازوردىّ كلكل      موشّى الطّلى أحوى القوادم و الظّهر (2)
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ     و صاغ على الأجفان طوقا من التّبر (3)
حديد شبا المنقار داج كأنّه     شبا قلم من فضّة مدّ في حبر (4)
توسّد من فرع الأراك أريكة      و مال على طىّ الجناح مع النّحر (5)
و لما رأى دمعى مراقا أرابه     بكائي فاستولى على الغصن النّضر (6)
و حثّ جناحيه و صفّق طائرا     و طار بقلبي حيث طار و لا أدرى (7)

و ابن حصن يتابع شعراء العرب فيما يتخيلونه من ترتيل الحمام المبغوم و أنه يبكي

و ينوح محزونا لفراق أليفته، و هو يقول في مطلع مقطوعته إن هدير الهديل هاجه شوقا إلى محبوبته، و تروعه صورته الجميلة فيرسمها رسما دقيقا، فطوقه فستقي اللون و صدره لازوردي أو أزرق بنفسجي و عنقه موشّى و ظهره و ريشه الطويل أسود ضارب إلى الحمرة، و قد أدار فوق طوقه لؤلؤتي عينيه، و من حولهما أهداب ذهبية. و حدّ منقاره أسود داج كأنه سنّ قلم من فضة غمس في مداد شديد السواد. و قد توسد من فرع الأراكة منصة، و مال برأسه محزونا على أحد جناحيه و ما يحف به من النحر. و أحسّ الشاعر أنه- مثله-حزين مهموم لفراق صاحبته فانهمرت دموعه، و حانت من الهديل التفاتة فرآه يبكي و احتار ماذا يصنع، و لم يلبث أن بسط جناحيه و حركهما طائرا، فطار قلبه معه. و هو تصوير بديع استطاع فيه ابن حصن أن يسوّي منه لوحة تامة الخطوط و الألوان و الظلال و الأضواء. و مما أعجب به ابن بسام من شعره قوله في وصف سحابة:

بكرت سحرة قبيل الذّهاب      تنفض المسك عن جناح الغراب
و استعارة الغراب لليل معروفة قديما و لكن الرائع أنه جعل السحابة بأمطارها تنفض المسك الأسود عن جناحه. و في ذلك كله ما يدل على أن ابن حصن كان من شعراء الأندلس المبدعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) ابن ورقاء: الهديل و هو ذكر الحمام. فنن: غصن.

2) مفستق طوق: طوقه فستقي اللون. كلكل: صدر. لازوردى: أزرق أو بنفسجي. الطلى: أصل العنق. أحوى: أسود ضارب إلى الحمرة. القوادم: ريش الجناح الطويل.

٣) التبر: الذهب.

4) شبا: حد، سنّ.

5) أريكة: منصة، مقعد. طىّ: جانب.

6) أرابه: شكّكه و حيره.

٧) صفق الطائر: حرك جناحيه للطيران.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي