الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عبد الرحمن بن مقانا
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص310-311
24-7-2016
3437
هو أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا، من قرية القبذاق من قرى أشبونة (ليشبونة الحالية بالبرتغال) و لسنا نعرف شيئا عن نشأته و هل ثقف الآداب العربية في أشبونة وحدها أو أنه اختلف إلى الأدباء و العلماء في مدن سواها. و نلتقي به في أوائل عصر أمراء الطوائف مترددا على سرقسطة لمديح أميرها منذر بن يحيى التّجيبي المتوفي سنة 4٣٠ و على دانية لمديح أميرها مجاهد المتوفي سنة 4٣6 و يذكر ابن بسام أنه «جال أقطار الأندلس على رؤساء الجزيرة» . و أهم من مدحهم من هؤلاء الرؤساء أو الأمراء و أسبغوا عليه نوالهم إدريس بن يحيى بن علي بن حمود الحسنى أمير مالقة الذي خلف أباه عليها سنة 4٢٧ و ظل بها حتى سنة 44٧. و رأى ابن مقانا حين أصبح شيخا أن يكفّ عن تطوافه بأمراء الجزيرة و أن يعود إلى قريته و أن يمضي فيها بقية حياته معنيّا بضيعة له فيها و ما تحتاج إليه من حرث و زرع و غرس. و لا يعرف بالضبط تاريخ وفاته.
و يعرّف ابن بسام بابن مقانا قائلا: «من شعراء غربنا المشاهير، و له شعر يعرب عن أدب غزير، تصرّف فيه تصرّف المطبوعين المجيدين في عنفوان شبابه و ابتداء حاله، ثم تراجع طبعه عند اكتهاله» و كأن ابن بسام يجعل وفوده على أمراء الطوائف في أيام الشباب وحدها، و يبدو أن هذا الوفود امتد به حتى بدء كهولته بل ربما حتى بدء شيخوخته إذ ينقل ابن بسام عن بعض مواطنيه أنه إنما انصرف إلى قريته شيخا لا كهلا.
و أمّ قصائده التي طارت شهرتها في الآفاق مدحته النونية لإدريس بن يحيى الحمودي، و هو يستهلها بغزل طريف و لا يلبث أن يمزجه بنعته للخمر قائلا:
قد بدا لي وضح الصّبح المبين فاسقنيها قبل تكبير الأذين (1)
مزّة صافية مشمولة عتّقت في دنّها بضع سنين (2)
مع فتيان كرام نجب يتهادون رياحين المجون
و عليهم زاجر من حلمهم ولديهم قاصرات الطّرف عين (3)
و يسقّون إذا ما شربوا بأباريق و كأس من معين (4)
و ابن مقانا يتراءى له ضوء الصبح في السحر، فيهتف بالساقي أن يملأ كأسه قبل تكبير الأذان، و يقول إنها مزة الطعم صافية باردة معتّقة، كما يقول إنه يشربها مع فتيان كرام نجب يتهادون أزهار المجون الأرجة و عليهم زاجر من عفاف مع ما معهم من حسان غاضات البصر فاتنات العيون، و يقول إنهم يسقون الخمر بأباريق و كأس من عين جارية. و ينتقل من وصف خمر الصّبوح أو الصباح إلى نعت الطبيعة من حوله سماء و نجوما و رياضا و أزهارا و يبدع خياله بمثل قوله:
و مصابيح الدّجى قد أطفئت في بقايا من سواد الليل جون (5)
و الثريّا قد علت في أفقها كقضيب زاهر من ياسمين
و انبرى جنح الدّجى عن صبحه كغراب طار عن بيض كنين (6)
و جناح الجوّ قد بلّله ماء ورد الصّبح للمصطبحين
و النّدى يقطر من نرجسه كدموع أسبلتهنّ الجفون (7)
و هو يقول إن مصابيح الدجى من الكواكب و النجوم أخذت تنطفئ واحدة إثر أخرى في بقايا من سواد الليل، و تعالت الثريا في السماء كأنها غصن مزهر من ياسمين، و أوشك الياسمين بدوره على التواري و الانطفاء، و أخذ ظلام الليل ينبري و ينكشف عن أضواء الصباح و كأنه غراب حالك السواد اضطره إلى مفارقة بيض له ظل يستره، و ورد الصبح بل ماؤه بلّل جناح الجو تحية للمصطبحين و الندى يقطر من النرجس و الأزهار و الورود و كأنه دموع أسبلتها الجفون. و هي صور بديعة متلاحقة. و قد تداول القصيدة أدباء الكدية و الشحاذة الأدبية في الأندلس ممن يسميهم ابن بسام باسم القوّالين، و كانوا يقفون على الأبواب منشدين الشعر لقاء بعض الدراهم، و إنما اختاروها لما يجري فيها من عذوبة و سلاسة و روعة في الموسيقى و التصاوير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
١) الأذين: نداء الأذان للصلاة.
2) مزة الطعم: بين الحلو و الحامض. مشمولة: باردة.
٣) قاصرات الطرف: يغضضن من أبصارهن. عين جمع عيناء: واسعة العين جميلتها.
4) معين: عين جارية.
5) جون: سوداء.
6) جنح: ظلام. كنين: مستتر.
٧) أسبلتهن: أرسلتهن.