الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عبادة بن ماء السماء الأنصاري
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص308-309
24-7-2016
4365
هو عبادة بن عبد اللّه الأنصاري من ذرية سعد بن عبادة الخزرجي أحد النقباء الذين اختارهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في العقبة الثالثة، و قيل له عبادة بن ماء السماء انتماء إلى جد الخزرج الأول، و لسنا نعرف شيئا واضحا عن نشأته إلا ما يذكر مترجموه من أنه تلميذ الزبيدي تلميذ أبي علي القالي و أهم اللغويين بعده. و لم تلبث موهبته الشعرية-على ما يبدو-أن تفتحت، و مدح المنصور بن أبي عامر الحاجب (٣66-٣٩٢ ه) فأعجب به و أسبغ عليه جوائزه، و سجّل اسمه في ديوان الشعراء و أعليت مرتبته فيه و أعلى عطاؤه.
و تدور الأيام و تكون فتنة قرطبة التي ظلت نحو عشرين عاما، و يعتلي عرش الخلافة علي بن حمود من سلالة الحسن بن علي بن أبي طالب سنة 407 و يدور العام فيقتل و يخلفه أخوه القاسم حتى سنة 412 و يخلعه يحيى ابن أخيه علي. و عاد القاسم فانسحب يحيى إلى مالقة، و لم تلبث الخلافة أن عادت إلى الأمويين بقرطبة سنة 414. و لعبادة مدائح في هؤلاء الحموديين الثلاثة، و في مديحه لهم غير قليل من مبالغات الشيعة في مديح أئمتهم، غير أنهم جميعا لم يكونوا يستظهرون شيئا من العقيدة الشيعية. و يبدو أن عبادة تبع يحيى إلى مالقة يمدحه و يسبغ عليه يحيى من نواله، حتى إذا كانت سنة 4١٩ ضاعت منه عطايا يحيى و أهل بيته له، و كانت مائة مثقال ذهبا فاغتم غما شديدا، و كان ذلك سبب وفاته.
و يشيد ابن بسام بعبادة، و يقول إنه كان شيخ الصناعة و إمام الجماعة بزمنه في قرطبة معللا ذلك بأنه سلك إلى الشعر مسلكا سهلا، فقالت له غرائبه: مرحبا و أهلا. و لم يكن شاعرا فحسب، بل كان أيضا مؤرخا أدبيّا إذ كان له كتاب في أخبار شعراء الأندلس، و عنه ينقل ابن سعيد في المغرب بعض أخبارهم. و أهم من ذلك ما ذكره ابن بسام-على نحو ما مر بنا في حديثنا عن الموشحات-من أنه هو الذي «نهج لأهل الأندلس طريقتها-و كأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه و لم تؤخذ إلا عنه» . و مر بنا أن مقدّم بن معافي القبري-و هو عربي-أول من ابتكرها و أن الرمادي الكندي-و هو أيضا عربي-تطور بها بعض التطور، ثم خلفه عبادة الخزرجي الأنصاري فأعطاها شكلها النهائي. و مرّ بنا نقض دعوى أنها نشأت على غرار أغان رومانسية إسبانية فقد نشأت و تطورت و أخذت صيغتها النهائية على أيدي عرب تطويرا منهم-كما ذكرنا في حديثنا عن الموشحات-لفن المسمطات المشرقية.
و كان عبادة-بحق-إمام الشعراء في زمنه، و ما رواه ابن بسام له منه-يتميز بمتانة العبارة و نصاعتها و بحسن الأداء الموسيقى و بجمال الأخيلة، و له مبهورا بجمال صاحبته و جمال أناملها التي شبهها بالعنّاب:
سقى اللّه أيّامى بقرطبة المنى سرورا كرىّ المنتشى من شرابه
و كم مزجت لي الراح بالرّيق من يدى أغرّ يريني الحسن ملء ثيابه
تعلّلني فيه الأماني بوعدها و هيهات أن أروى بورد سرابه (1)
سل العنم البادي من السّجف دالفا لتعذيب قلبي هل دمى من خضابه (2)
و هو يذكر أيام شبابه الماضية بقرطبة، و يدعو لها أن تسقى سرورا ترتوي به و تنتشى كانتشاء صاحب الخمر من شرابه، و يذكر كم شرب الخمر فيها من يد حسناء و كيف كان يعلل نفسه بلقائها و وعدها، غير أنه كان دائما سرابا لا يتحقق، و يتساءل هل خضاب أناملها البادي من الستر لتعذيب قلبه من دمه، كأنه قتيل هواها و قد سفكت دمه و علق منها بالأنامل، و يقول:
اجل المدامة فهي خير عروس تجلو كروب النّفس بالتّنفيس
و استغنم اللذات في عهد الصّبا و أوانه لا عطر بعد عروس
و هو يتصور المدامة عروسا تهفو لها نفسه، و يزعم أنها تذهب كروب النفس و همومها، و يدعو إلى اغتنامها في عهد الصبا، فهو عهدها، و بعده لا يأبه الإنسان بها، و يتمثل بقول العرب: «لا عطر بعد عروس» فالعطر إنما تحتاجه العروس وقت زفافها. و أكبر الظن أن عبادة انصرف عن الخمر بعد شبابه أو لعله كان ينظم هذه الأبيات و ما يماثلها تقليدا و محاكاة للمجان و إلا ما استطاع أن يدّخر المثاقيل الذهبية المائة التي ضاعت منه بمالقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
١) الورد: الماء الذي يرده الناس، و قد أضافه إلى السراب تخيلا.
2) العنم: الخضاب الأحمر و أراد به الأنامل. السجف: ستر الخيمة بجانب بابها. دالفا: مقبلا.