الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
سهل بن مالك
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص445-447
24-7-2016
3795
هو سهل بن محمد بن سهل بن مالك الأزدي، من أسرة علمية غرناطية ذات جاه و ثراء، و فيه يقول ابن عبد الملك المراكشي: «كان من أعيان مصره و أفاضل عصره تفننا في العلوم و براعة في المنثور و المنظوم، محدّثا مجودا للقرآن متقدما في العربية، وافر النصيب من الفقه و أصوله، كاتبا مجيد النظم في معرب الكلام و هزله ظريف الدعابة مليح التندير» و يقول ابن سعيد في القدح المعلى: «لو لم تأت غرناطة إلا بهذا الجليل المقدار، لكان حسبها في العلم و الجود و الرياسة و جميع أنواع الافتخار، و برع في العلوم الحديثة و القديمة و بلغ بين نظرائه مبلغ الكمال» ، و صنّف في العربية كتابا مفيدا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه، و له تعليقات نافعة على كتاب المستصفي في الأصول للغزالي.
و لما ثار محمد بن يوسف بن هود الملقب بالمتوكل بمدينة مرسية سنة 6٢5 و ملك قرطبة و إشبيلية و غرناطة بلغه أن سهل بن مالك يتندر به و برجاله، و كان مطبوعا على النادرة ظريفا خفيف الروح، و لكن ابن هود لم يحتمله فغرّبه عن غرناطة بلدته إلى مدينة مرسية، و ظل بها حتى توفى ابن هود سنة 6٣5 و صارت غرناطة إلى الغالب باللّه محمد بن يوسف بن الأحمر مؤسس دولة بني نصر أو بني الأحمر في غرناطة فعاد إليها، و ظل في جاه بها و بلوغ أمنية حتى توفى سنة 6٣٩ للهجرة عن سنّ عالية و رثاه تلميذه ابن الجنّان رثاء حارا.
و كان سهل شاعرا كما كان ناثرا، و نثره يبذّ شعره و يدل على عمق فكره و اصطباغه بأصباغ الفلسفة. و كان من تلاميذ ابن رشد، و عنه أخذ العلوم القديمة، و كان شديد الشغف به و الإعجاب بفلسفته و فكره، فلما توفى سنة 5٩5 أظلمت الدنيا في عينيه و كأنما طعن في كبده فأمسك بالقلم و كتب إلى بنيه يعزيهم-و قد حزّ في نفسه الجزع و عضّها الوجع- تعزية ملتاع أضرمت اللوعة نارا في فؤاده، و فيها يقول:
«لا أقول كفى و لا أستشعر صبرا، و قد أسكن نور العلم قبرا، بل أغرق الأجفان بمائها، و أستوهب الأشجان غمرة(1)غمّائها، و أتهالك تهالك المجنون، و أستجير من الحياة بريب المنون، و أنافر السلوّ منافرة اليقين لوساوس الظنون. و هو الخطب الذي نفى الهجود (2)، و ألزم أعين الثّقلين أن تجود، و به أعظم الدهر المصاب، و فيه أخطأ سهم المنية حين أصاب، و الدهر يسترجع ما وهب، كان الصّفر (3)أو الذّهب، و لا غرو أن دهم )4)الرّزء، يؤود )5)الفلك الدائر منه الجزء. . و إنا للّه لفظة أوليها، و أتبعها زفرة تليها، و لقد بحثت الأيام عن حتفها بظلفها، وسعت على قدمها إلى رغم أنفها، حين أتلفت الواحد يزن مائة ألفها، فمن لبثّ الوصل و لرعى الوسائل )6)؟ و إلى من يلجأ في مشكلات المسائل؟ و من المجيب إذا لم يكن المسئول بأعلم من السائل؟ اللهم صبّرنا على فقد الأنس بالعلم، و أدلنا (7)من خفوف الوله بوقار الحلم، و أخلفه في بنيه و عامة أهليه بشبيه، ما أوليته في جوارك المقدّس و توليه»
و التعزية طويلة، و جميعها-على هذا النحو-توجّع و تفجع لهذا الرزء الفادح الذي نزل بالأندلس لفقد فيلسوفها العظيم منقطع القرين: ابن رشد. و كتب صديق لسهل يعزيه عن محنته بنفيه إلى مرسية و غربته، فردّ عليه برسالة يقول فيها:
«أنا أستوهب لك أيها الشيخ الأخ الجليل عافية لا تعفو (8)بألسن الحسّاد، و لا تقفو )9)موادّها أعين السعاة البغاة الذين ما لهم مقعد إلا بالمرصاد، و أثنى على كرم طباعك بوصول رسالتك التي طلعت على ليلى البهيم (10)صباحا، و أدارت علي من التسلّي و التعزّي أقداحا. . و يعلم اللّه أيها العلم علما و فهما، أني لولا مخاطبتك و مثالك (11) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) غمرة غمائها: شدة شدائدها.
٢) الهجود: النوم.
٣) الصفر: النحاس.
4) دهم: فجأ. الرزء: المصيبة.
5) يؤود: يثقل و يجهد.
6) الوسائل: الصلات.
7) أدلنا: انصرنا.
٨) تعفو: تنطمس.
٩) تقفو هنا: تحيط بها.
١٠) البهيم: المظلم.
١١) مثالك: يريد مثال مخاطبه و شخصه.