الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
حبيب
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص435-437
24-7-2016
2386
هو أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب، من أهل إشبيلية، كانت له و لأبيه قدم في الرياسة عند المعتضد أميرها، و لقبه الضبي بالوزير الكاتب، و قال فيه ابن بسام: «كان سديد سهم المقال، بعيد شأو الرويّة و الارتجال. . و لو تحاماه صرف الدهر، و امتد به قليلا طلق (1)العمر، لسدّ طريق الصباح، و غبّر في وجوه الرياح، إذ توفى ابن اثنتين و عشرين سنة» و انفرد ابن سعيد بقوله إن المعتضد قتله، و الراجح أنه توفى شابا معتبطا بغير علة قريبا من سنة 44٠ للهجرة، و كان-كما يقول ابن الأبار-آية في الذكاء و الفهم و البلاغة و تجويد الشعر على حداثة سنه. و له كتاب البديع في وصف الربيع جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصة في الربيع و مشاهده و أزهاره و رياحينه، قال في فاتحته:
«فصل الربيع آرج و أبهج، و آنس، و أنفس، و أبدع، و أرفع، من أن أحدّ حسن ذاته، و أعدّ بديع صفاته. . و هو مع صفاته الرائقة، و سماته الشّائقة، و آلائه الفائقة، لم يعن بتأليفه أحد، و لا انفرد بتصنيفه منفرد» .
و قد جمع حبيب في كتابه أروع ما للأندلسيين في وصف الربيع سواء ما نظموه فيه خاصة و ما أودعوه مقدمات مدائحهم، و أضاف إلى ذلك بعض ما كتبوا فيه رسائلهم من وصف الأزهار، و أشاد برسالة ابن برد إلى أبي الوليد بن جهور و ما بثه من حوار فيها بين خمسة نواوير هي الورد و النرجس الأصفر و البنفسج و البهار و الخيرىّ النمام و اعتراف النواوير الأخيرة بفضل الورد و كتابتها عهدا أو وثيقة بذلك على نحو ما مرّ بنا في غير هذا الموضع. و أردف حبيب رسالة ابن برد برسالته إلى المعتضد حاكاه فيها مفضلا البهار على الورد مع وصفه لسبعة من نواوير الربيع، و هو يستهل رسالته بإنكاره لتفضيل ابن برد الورد عليها في رسالته، يقول:
«أول من رأى ذلك الكتاب (رسالة ابن برد في تفضيل الورد) و عاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، و صحابته في الزمن، و لما قرأته أنكرت ما فيه، و بنت على هدّم مبانيه، و نقض معانيه، و عرّفت الورد بما عليه، فيما نسب إليه. . و كتبت إلى الأقحوان و الخيرىّ الأصفر كتابا قالت فيه: لا ندري لأي شيء أوجبت الأزهار تقديمه، بما غيره أشكل له و أحقّ به و هو نور البهار، البادي فضله بدوّ النهار، و الذي لم يزل عند علماء الشعراء، و حكماء البلغاء، مشبّها بالعيون التي لا يحول نظرها، و لا يحور حورها، و أفضل تشبيه للورد، بنضرة الخدّ، عند من تشيّع فيه، و أشرف الحواسّ العين، إذ هي على كل منوّل عون، و ليس الخدّ حاسّة، فكيف تبلغه رئاسة:
أين الخدود من العيون نفاسة و رئاسة لولا القياس الفاسد»
و استمر حبيب في هذه الرسالة طويلا، و ختمها بمبايعة الأزهار للبهار بتفضيله على الورد. و له من رسالة إلى أبيه:
«لما خلق الرّبيع من أخلاقك الغرّ، و سرق زهره من شيمك الزّهر، حسن في كل عين منظره، و طاب في كل سمع خبره، و تاقت النفوس إلى الراحة فيه، و مالت إلى الإشراف على بعض ما يحتويه من النّور الذي كسا الأرض حللا، لا يرى الناظر في أثنائها خللا، فكأنها نجوم نشرت على الثّرى، و قد ملئت مسكا و عنبرا، إن تنسّمتها فأرجة، أو توسّمتها فبهجة، تروق العيون أجناسها، و تحيى النفوس أنفاسها. . فأوجد لي سبيلا إلى إعمال بصري فيها، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد، و من أجمّها(2)فهو السّديد الرشيد» .
و واضح في الرسالة لطف الابن لأبيه، مع حسن تأتّيه و جمال وصفه للربيع و شغفه بمشاهد نواويره البديعة. و له من رسالة إلى بعض إخوانه يستدعيه للمتعة معه و الأنس به في منظر فاتن من مناظر الربيع، يقول:
«قد علم سيدي أن بمرآه يكمل جذلي، و يدنو أملي، و قد حللت محلاّ عني الجوّ بتحسينه، و انفرد الربيع بتحصينه، فكساه حللا من الأنوار، بها ينجلي صدأ البصائر و الأبصار، فمن مكموم(3)يعبق مسكه، و لا يمنعه مسكه، و من باد يروق مجتلاه، و يفوق مجتباه، في مرآه و ريّاه، فتفضّل بالخفوف(4)نحوي لنجدّد من الأنس مغاني(5)درست، و نفكّ من السرور معاني أشكلت و ألبست، (6)و نشكر للربيع، ما أرانا من البديع»
و الرسالة كسابقتها جمال صياغة و حسن أداء، و هي تصور-مثلها-تعلقه بالطبيعة في أعيادها و أعراسها أيام الربيع، مما جعله يصنف فيه كتابه «البديع» متنقلا بين مشاهده و أزهاره و نواويره و ما صاغ فيها هو و شعراء موطنه من أوصاف رائعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) طلق: شوط.
2) أجمها: أراحها.
3) مكموم: أي زهر مستور في كمّه.
4) الخفوف: الإسراع.
5) مغاني: منازل. درست: عفت و ذهب أثرها.
6) أشكلت و ألبست :اشتبهت و انبهمت