الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أميّة بن أبي الصلت
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص314-316
24-7-2016
3506
هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي، ولد سنة 46٠ بمدينة دانية على البحر المتوسط، و شبّ-على ما يبدو-بمدينة إشبيلية و كانت تزخر بطائفة من الفقهاء و الأطباء و المتفلسفة و الشعراء و أصحاب الموسيقى، و تخرّج على أيديهم طبيبا متفلسفا و شاعرا بارعا يثقف الموسيقى و تلاحينها الأندلسية. و في أوائل العقد الثالث من حياته هاجر عن مدينته إلى المشرق مصطحبا والدته، و قد تكون الرغبة في التزود من علماء المشرق أو الرغبة في الحج من دواعي تلك الهجرة المبكرة عن مدينته. و نزل المهدية بجوار القيروان، و يبدو أنه كان قد وفد عليها لمديح أميرها و أمير إفريقية تميم بن المعز الصنهاجي (454-5٠١ ه.) إذ كان مقصدا للشعراء لما يجيزهم به من الجوائز السنية، و امتدحه مرارا، و ظل في حاشيته فترة. و رأى أن يوجه به إلى مصر برسالة، و كانت العلاقة بين تميم و حكام مصر سيئة، فحين وصل أمية برسالته إليهم زجّوا به في سجن خزانة البنود بالقاهرة، و كان فيها خزائن متنوعة في أصناف الكتب و فنونها المختلفة، فأكبّ عليها يقرؤها و يلتهم ما فيها من المعارف، و يقال إنه ظل بها ثلاث سنوات قبل صدور العفو عنه، و قيل بل عشرين سنة، و هي مبالغة واضحة. و في كتاب طبقات الأطباء رسالة طريفة من علي بن منجب الصيرفي صاحب ديوان الإنشاء وجه بها إليه في السجن منوها فيها بأنها رد على رسالة لأمية و هو في سجنه، و يثنى على قصيدتين أرسل بهما إليه في مديح الأفضل بن بدر الجمالي وزير مصر حينئذ (4٨٧-5١5 ه) و قد أنشد العماد في الخريدة قطعة من مدحة لأمية يمدح بها شفيعه و يسميه عليا و هو ابن الصيرفي كما ذكرنا. و عاد إلى المهدية سنة 5٠5 في عهد يحيى بن تميم (5٠١-5٠٩ ه.) و إليه قدم الرسالة المصرية و كتاب الحديقة الآتي ذكرهما و عظم شأنه عنده و كذلك عند ابنه على أمير المهدية بعده (5٠٩-5١5 ه.) و حين أنشأ على مدرسته المشهورة للكيمياء أسند إليه الإشراف عليها و ظل يتولاها إلى آخر أيامه. و قد نشرت له بالقاهرة الرسالة المصرية و فيها يذكر ما رآه بمصر من هيأتها و آثارها و من اجتمع بهم فيها من الأطباء و المنجمين و الشعراء و أهل الأدب، و عنى فيها بذكر مدّاح الأفضل الجمالي و ألم ببعض من هجوه. و يقول ابن سعيد في المغرب: «عنه أخذ أهل إفريقية (تونس) الألحان التي هي الآن بأيديهم» . و يبدو من هذه العبارة أنه لحّن هناك لهم أغانيهم الإفريقية على أسس الألحان الأندلسية. و ألف لهم كتابا في الموسيقى أهداه إلى الأمير علي بن يحيى. و إشادة ابن سعيد بصنيعه في هذا الجانب لها أهمية كبيرة، إذ ختم رحلاته بتونس و ظل بها إلى أن توفي سنة 6٨٣ للهجرة، و يقول إن أمية جلّ قدره عند الحسن بن علي خليفة أبيه كما جلّ عند أبيه و جده، و ظل ينزل هناك منزلة جليلة إلى أن توفي سنة 5٢٩. و له مصنفات مختلفة في التنجيم و الطب و الهندسة تدل على واسع علمه، من ذلك كتاب الوجيز في علم الهيأة و كتاب الأدوية المفردة و له كتاب في المنطق سماه: «تقويم الذهن» و بجانب ذلك له الرسالة المصرية السالفة و هي أهم نص عن شعراء مصر في فواتح القرن السادس الهجري، و له أيضا كتاب الحديقة في شعراء عصره على نهج كتاب اليتيمة للثعالبي و كتاب الملح العصرية في شعراء الأندلس و الطارئين عليها. و هو يعد في النابهين من شعراء زمنه، و كان له ديوان كبير سقط من يد الزمن، غير أن العماد في الخريدة انتقى منه طائفة كبيرة بترتيب الحروف الهجائية امتدت فيه إلى أكثر من ثمانين صفحة مهّد لها بقوله: «كل شعره منقح مستملح، صحيح السبك، محكم الحوك، نظيم السلك» و هو موزع بين مديح و رثاء و غزل و هجاء و وصف للقصور و الخيل و من قوله في الهرمين:
بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا على طول ما أبصرت من هرمى مصر
أنافا بأعنان السماء و أشرفا على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر (1)
و قد وافيا نشزا من الأرض عاليا كأنهما ثديان قاما على صدر (2)
و في هذه الصورة ما يدل على أنه كانت لأمية ملكة خيالية خصبة، و من أهم ما يتميز به كثرة خمرياته و تصاويره للطبيعة، و تتداول الكتب التي ترجمت له وصفه لبركة الحبش بمدينة الفسطاط (مصر القديمة الآن) و كانت جنات و بساتين تحتها مسرب من مياه النيل يصبّ في قنوات تتخللها، و كان أهل الفسطاط يخرجون للنزهة فيها و للمتاع بمناظرها، و فيها يقول أمية:
للّه يومي ببركة الحبش و الأفق بين الضياء و الغبش
و النيل تحت الرياح مضطرب كصارم في يمين مرتعش (3)
و نحن في روضة مفوّفة دبّج بالنّور عطفها و وشى (4)
قد نسجتها يد الربيع لنا فنحن من نسجها على فرش
فعاطني الرّاح إنّ تاركها من سورة الهمّ غير منتعش (5)
و هي نزهة ببركة الحبش في يوم من أيام الربيع الجميلة، و تتوالى الأخيلة في الأبيات بديعة، فاضطراب النيل تحت الرياح كاهتزاز السيف في يد مرتعش لا يهدأ و لا يسكن أبدا، و هو و صحبه في روضة أنيقة وشيت جوانبها و زينت بالنور، و مدّ الربيع من تحتهم بساطا سندسيا. و في هذا الموكب الرائع الذي ملأ قلبه فتنة بالطبيعة و جمالها يسأل صاحبه أن يناوله كأس الخمر، حتى يزول-كما يزعم-كل هم في طوايا نفسه. و يعلن مرارا أنه مولع باحتساء الخمر وسط الرياض و مباهج الطبيعة، و يفتنّ في مزجها بالغزل إذ يجتمع عليه صبابته بالخمر و بجمال المرأة و ينشد مثل قوله:
قامت تدير المدام كفّاها شمس ينير الدّجى محيّاها
للمسك ما فاح من مراشفها و البرق ما لاح من ثناياها
غزالة أخجلت سميّتها فلم تشبّه بها و حاشاها (6)
هبها لها حسنها و بهجتها فهل لها خدّها و عيناها
و الأبيات تملك القلوب و الأسماع بعذوبتها و تمكن ألفاظها و قوافيها في سياقها، و أيضا برقتها و لطف معانيها و دقة التقابل فيها بين القامة و الغصن و الرّدف و الكثيب و المراشف و ما يلمع وراءها من الثغر و صاحبته و الشمس، وهب للشمس حسنها و بهجتها فهل لها خدها الجميل و عيناها الفاتنتان. و له وراء ذلك أشعار بديعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
١) أناف: ارتفع و أشرف. السماك: نجم نيّر.
2) النشز: المرتفع من الأرض.
٣) صارم: سيف.
4) مفوفة: مزخرفة.
5) سورة: شدة.
6) غزالة: يريد صاحبته، و تسمى بها الشمس.