الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الششتري
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص367-370
24-7-2016
3508
شويخ من أرض مكناس في وسط الأسواق يغنى (1)
اش علىّ من الناس واش على الناس منى
و اتجه إلى مصر، و أقام بالإسكندرية فترة تعرّف فيها على الشيخ أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية و تلميذه أبي العباس المرسى و حمل عنهما طريقتهما، و بذلك يعترف في بعض أزجاله قائلا: «شيوخي هم الشاذليّه» و حج مرارا و كان كلما حجّ طوّف في العراق و الشام ثم عاد إلى مصر. و يذكر مترجموه أنه لقى ابن إسرائيل تلميذ ابن عربي في الشام سنة 65٠ كما لقى أصحاب عمر السهروردى البغدادي المتصوف السنى المشهور مؤلف كتاب عوارف المعارف. و في أوبة له من الشام إلى ساحل دمياط سنة 66٨ توفي بقربها و دفن بمقبرتها، و قبره بها. و عليه شاهد يحمل اسمه. و كان لقاؤه لابن سبعين و إعجابه به و ذكره لاسمه في موشحاته و أزجاله مثنيا منوها سببا في أن يظن بعض معاصريه و من جاء بعدهم أنه كان-مثله-يؤمن بوحدة الوجود المطلقة، و هو منها براء، إذ بدأ حياته على طريقة أبي مدين المغربي الصوفية السنية، و انتقل منها في مصر إلى طريقة أبي الحسن الشاذلي الصوفية السنية، فهو صوفي سنى، و فيه يقول الغبريني:
«الشيخ الفقيه الصوفي الصالح العابد، من الفقراء (يريد الصوفية) المنقطعين، له معرفة بالحكمة و معرفة بطريقة الصالحين الصوفية» و نوّه به ابن عباد الرندى الشاذلي في رسائله الكبرى، كما نوه به من صوفية الشاذلية أحمد زروق شارح قصيدته:
أرى طالبا منا الزيادة لا الحسنى بفكر رمى سهما فعدّى به عدنا (2)
إذ نقل عنه التنبكتي في كتابه نيل الابتهاج نعته له بقوله: «الشيخ العارف أحد الصوفية من أبناء الملوك ثم صار من سادات الصوفية، كان يقرأ عليه القرآن و السنن، عارفا بالحديث، و أما علم الأسرار و الأنوار و الحكم و الأذواق فحاز فيه قصب السبق» .
و يقول المقري فيه: عروس الفقهاء و إمام المتجردين و بركة لابسي الخرقة الصوفية. . كان مجوّدا للقرآن قائما عليه عارفا بمعانيه، من أهل العلم و العمل، جال في الآفاق و لقى المشايخ، و حج حجات، و آثر التجرد و العبادات، و صنّف كتبا مختلفة، منها: «العروة الوثقى» و «المقاليد الوجودية في الأسرار الصوفية» و «الرسالة القدسية في توحيد العامة و الخاصة» و «المراتب الإيمانية و الإسلامية و الإحسانية» . و من شعره قوله:
لقد تهت عجبا بالتجرّد و الفقر فلم أندرج تحت الزمان و لا الدّهر
و جاءت لقلبي نفحة قدسيّة فغبت بها عن عالم الخلق و الأمر
وصلت لمن لم أنفصل عنه لحظة و نزّهت من أعنى عن الوصل و الهجر
و ما الوصف إلا دونه غير أنني أريد به التشبيب عن بعض ما أدرى
و ذلك مثل الصّوت أيقظ نائما فأبصر أمرا جلّ عن ضابط الحصر
فقلت له الأسماء تبغى بيانه فكانت له الألفاظ سترا على ستر
و هو يتيه عجبا و زهوا بالاجتهاد في العبادة و الإمامة لفقراء الصوفية، فلا يهمه أي شيء مما يتعلق به الناس من جاه السياسة و متاع الحياة، فحسبه نفحة قدسية امتزجت بقلبه، فغاب عن الكون و كل ما فيه من عالم الخلق و التدبير. و يقول وصلت إلى رضوان اللّه و محبته، و يستدرك فإنه غنىّ عن الوصل و الهجر و لا وصف يحيط به، و ما تشبيبي و غزلي إلا بعض ما أشعر به، و كأني مثل نائم أيقظه صوت فأبصر من جلال اللّه ما يجلّ و يعظم عن الحصر، و حتى أسماؤه الحسنى لا تجلو هذا الجلال، إذ لا تحيط به ألفاظ، بل لكأنما الألفاظ تضيف دونه حجابا إلى حجاب، و له في إحدى موشحاته:
خلعت عذار عشقي في غرامي و همت و قد حلا عندي هيامي
بمن أهوى و كاسات المدام
مذهبي دنّى لائمي دعني الهوى فنّى
ببذلي في الهوى روحي و مالي عشقت فما لعذالي و مالي
و هو يقول إنه لم يعد يتحفظ أو يتحشم في غرامه، بل لقد أصبح يتهتك فيه، لا يستحي و لا يخجل، إذ جمع به هيامه بمن يهوى بل لقد حلاله هذا الهيام كما حلاله الإكباب على كاسات المدام حتى ينتشى بشراب المحبة الإلهية إلى أقصى حد ممكن، و هو ليس شرابا عاديّا بل هو رحيق صاف، و هو يتخذ دنّه مذهبا له حتى يبهج روحه و قلبه بهذا الحب الرباني الذي بذل فيه روحه و كل ما يملك، فما للعذّال اللائمين و ماله. و قد اندلع في فؤاده هذا الحب و إنه ليشرب رحيقه من دنّ قدسي عظيم. و من قوله في موشحة ثانية:
يا حبيبي بحياتك بحياتك يا حبيبي
رقّ لي و انظر لحالي أنت أدرى بالذي بي
أنت دائي و دوائي فتلطّف يا طبيبي
و هي كلمات تكاد تطير من الفم طيرانا لخفتها و عذوبتها و سلاستها. و لهذه السلاسة و العذوبة كان يكثر إنشاد شعره و موشحاته و أزجاله في حلقات المتصوفة من شاذلية و غير شاذلية، و نوّه بها جميعا مترجموه، يقول الغبريني: «شعره في غاية الانطباع و الملاحة، و تواشيحه و نظمه الزجلي في غاية الحسن» و يقول ابن عباد الرندى: «في موشحاته و أزجاله حلاوة، و عليها طلاوة» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) مكناس: مدينة بالمغرب بينما بجاية مدينة ساحلية بالجزائر.
2) الحسنى و عدن: الجنة. الزيادة: مقام المحبة الصوفية.