1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

الرّمادي الكندي

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص277-279

24-7-2016

3489

هو أبو عمر يوسف بن هرون الكندي المعروف بالرمادي، و يقول مترجموه إن نسبته إلى قبيلة كندة جعلت كثيرين من شيوخ الأدب في زمنه، يقولون: فتح الشعر بكندة و ختم بكندة يعنون امرأ القيس الكندي في الجاهلية و المتنبي و الرمادي القرطبي الكنديين.

أما لقبه الرمادي فيقول ابن بشكوال في الصلة إنه تعريب لكنية إسبانية هي:

«أبو جنيس» و يبدو أنه كناه بها أحد معاصريه على نحو ما مرّ في كنيات و ألقاب شعراء آخرين مثل البلّينة أي الحوت. و قال ابن سعيد في المغرب إنه منسوب إلى رمادة من قرى مدينة شلب في الجنوب الغربي للأندلس، و ربما كان قول ابن سعيد أكثر دقة لأنه أعرف بشلب و قراها، و لو كانت الكلمة نقلا لكنية: «أبي جنيس» الإسبانية أو الرومانثية لقيل: «أبو الرماد» لا الرمادي. و قد تتلمذ لأبي علي القالي و روى عنه كتاب النوادر الملحق بالأمالي، و له فيه مدحة بديعة. و يبدو أنه درس كتبه بعده للطلاب إذ يذكر ابن سعيد بين طلابه بقرطبة أميرا من بني ذي النون الطليطليين. و أخذ يشتهر في الشعر منذ عصر الحكم المستنصر، و يقول الفتح بن خاقان في المطمح إنه: شاعت عنه أشعار في دولة الحكم و رجالها سدّد إليهم سهاما فأوغرت عليه الصدور، و سجنه الحكم دهرا، ثم ردّت إليه حريته بعد وفاته، و في سجنه ألف كتابا عن الطير ختم كل حديث له في طائر بأبيات في مديح الحكم و لكنها لم تلن قلبه، و يبدو أنه بدأ اللمز له و لرجاله حين أمر بإراقة الخمور في جميع الجهات بالأندلس، إذ نرى للرمادي قصيدة يتوجع فيها متألما لشاربيها.

و في أشعاره بعض خمريات و بعض غزل في الغلمان و لا ندري أكان ينظم في ذلك عن عاطفة حقيقية أو محاكاة لأبى نواس و أضرابه من المشارقة، إذ نراه يصرح مع خمرياته و غزلياته في السقاة بمثل قوله:

فتّحت الجنّة من جيبه      فبتّ في دعوة رضوان(1)
مروّة في الحبّ تنهى بأن     يجاهر اللّه بعصيان
و قوله:

و ما بي فخر بالفجور و إنما     نصيب فجوري الرّشف و الشّفتان
و أكبر الظن أنه لم يكن ماجنا. و يقال إنه كما مدح الحكم المستنصر مدح المنصور بن أبي عامر حاجب ابنه المؤيد، و لم يصلنا شيء من مدائحه لهما، و عاش عشر سنوات بعد ابن أبي عامر إذ توفى سنة ۴٠٣. و قد سقط ديوانه من يد الزمن غير أن الذخيرة و الجذوة و المغرب و اليتيمة للثعالبي تحتفظ جميعا بغزل له غير قليل، و هو يطبع بطابعين: طابع الرقة البيّن في مثل قوله:

هو ظالمي لكن أرقّ عليه       من أن أجيل اللحظ في خدّيه
أعفيت رقّة وجنتيه من أذى     عيني و ما أعفيت من عينيه
و مع ما يحمل البيتان من رقة متناهية إذ يقول إنه يخاف على خدود صاحبته من نظراته أو كما يسميها أذى عينه يحملان أيضا الخاصة الثانية في غزله، و هي البعد في التصور حتى ليصبح و هما من الأوهام على نحو ما أصبحت نظراته أذى يوشك أن يلم بالخدود، و لعله يشير بذلك إلى الحياء و الخجل الذي يلم بصاحبته فتحمر و جنتاها حين تلاحظ نظراته.

و من ذلك ما أنشده الحميدي في الجذوة من قوله:

غدا يرحلون فيا يوم رسل‍       ك كن بالظلام بطىء الّلحاق (2)
و يا دمع عيني سدّ الطّريق       و أفرغ عليهم نجيع المآقى (3)
و يا نفسى جئهم من أمام         و قابلهم بنسيم احتراق
و يا همّ نفسى بهم كن ظلاما     و قيّدهم عن نوى و انطلاق
و يا ليل من بعد ذا إن ظفر     ت بالصّبح فاقذف به في وثاق

فصاحبته سترحل مع أهلها غدا، و هو يتضرع لليوم أن يتريث في مسيرته، حتى يتأخر ليل الغد المؤذن بالفراق، و يتجه لدموعه يأمل أن تستحيل جدولا من الدم القاني، فتسد الطريق على هذا الركب، كما يتجه إلى نفسه الحارّ بالحب و شراره أن يلفح الركب بلهيبه المشتعل حتى لا يستطيع مسيرا، و بالمثل يتجه إلى هموم نفسه مبالغا في وهمه إذ يطلب إليها أن تنشر ظلامها، بحيث لا يستطيع الركب انطلاقا، و حتى الليل يبالغ في وهمه إزاءه، فيطلب إليه إن ظفر بالصبح أن يأسره و يشد من حوله الوثاق. و كل ذلك إغراق في الوهم ما بعده إغراق، و على شاكلته قوله:

على كمدى تهمى السحاب و تذرف      و من شجني تبكى الحمام و تهتف
فالسحاب إنما يذرف دموعه لما يرى من كمده و همّه و ضناه، و الحمام إنما يبكى و ينوح لما يرى من شجنه و حزنه، و من طريف صوره الغزلية قوله:

و إذا أراد تنزّها في روضة      أخذ المرأة بكفّه فأدارها (4)
و هي مبالغة واضحة في الوهم. إذ صاحبة هذا الوجه الفاتن في رأيه لا تحتاج إلى روضة. تقضى فيها نزهة تمتع به نفسها، إذ حسبها أن تنظر في مرآتها فترى أروع روضة، و من الممكن أن يكون قد أراد أن وجه صاحبته بالقياس إليه كأنه مرآة بديعة لروضة فاتنة. و كل ذلك شاهد على أن الرمادي الكندي كان شاعرا متفننا، فلا غرو أن يتفنن في الموشحة الساذجة عند القبري، و يتيح لها-كما مر بنا-تطورا جديدا بالغ الأهمية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1) جيب الثوب: فتحته العليا.

2) رسلك: تمهل.

3) نجيع: دم. . مؤق العين: طرفها من جهة الأنف، و هو مجرى الدمع.

4) المرأة: المرآة.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي