الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الأعمى التّطيلي القيسي
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص200-203
24-7-2016
4412
هو أبو جعفر-و قيل أبو العباس-أحمد بن عبد اللّه بن أبي هريرة التطيلي القيسي، فهو عربي الأرومة، أما نسبته إلى تطيلة - و كانت تقع إلى الشمال الغربي من سرقسطة-فلأنها كانت موطن آبائه. و يبدو أن أباه-و ربما جده-هاجر منها مبكرا إلى إشبيلية، فولد الشاعر فيها، و من المؤكد أنه نشأ بها كما يقول ابن سعيد في كتابه «رايات المبرزين» ففيها كان مرباه و تعلمه، و يعلن مرارا أنه ضيّق باستيطانها، يقول عنها:
فتاللّه ما استوطنتها قانعا بها و لكنني سيف حواه قراب
فهو منها كسيف حواه قراب أو غمد، لا بد أن يسكن لها راضيا أو راغما. و ربما بعثه على إعلان ذلك برم و قلق كانت تنطوي عليهما نفسه، بسبب فقده لبصره، إذ كان ضريرا، و بكّر إليه-فيما يبدو-شيء من الصلع أو بعض الشعرات البيض في رأسه، مما جعله يصرخ:
أما اشتفت منّى الأيام في وطني حتى تضايق فيما عنّ من وطر (1)
و لا قضت من سواد العين حاجتها حتى تكرّ على ما كان في الشّعر (2)
و كان يلتقى في إشبيلية دائما بطائفة من الشعراء و الوشّاحين المجيدين في مقدمتهم الشاعر و الوشاح الفذ يحيى بن بقى و كان يقدّمه على نفسه معترفا له بالتفوق و السبق في التوشيح كما مرّ بنا في حديثنا عن الموشحات، و تكفل له شاعر إشبيلي هو أبو القاسم بن أبي طالب الحضرمي المنيشي بمرافقته في روحاته و غدواته. و ليس في ديوانه مدائح لأمراء الطوائف و لا ليوسف بن تاشفين مما يدل على أنه لم يلحق عصر يوسف المتوفي سنة 5٠٠ بينما نجد فيه مدائح لابنه على أمير المرابطين (5٠٠-5٣٧ ه.) مما يدل على أن شاعريته إنما تفتحت في القرن السادس، و قد يؤكد ذلك أنه توفي سنة 5٢5 بينما يقول ابن بسام إنه لم يطل زمانه و لا امتد أوانه، و أنه اعتبط (مات) شابا (أو قريبا من الشباب) عندما به اغتبط» . و يدل ذلك على أن مولده لا يتجاوز سنة 4٩٠ و إن تجاوزها فإلى سنوات معدودات. و في ديوانه مرثية حارة لزوجة له تسمى آمنة، و يبدو أنه اقترن بعدها بأخرى تسمى زهرا، و يذكر في بعض شعره أنها كانت تعنّفه لقعوده عن التماس الرزق، و لعل ذلك ما جعله يكثر من مديحه لذوي الجاه و الثراء في إشبيلية من مثل بني الحضرمي و خاصة محمد بن عيسى و مثل الطبيب أبي العلاء زهر، و كان قد أثرى ثراء طائلا من مهنته و حلّ من السلطان محلا لم يحظ به أحد من أهل الأندلس في وقته و له ينشد:
خشنت فلم تترك و أنت منازع و لنت و لم تأخذ و أنت قدير
من المجد دان دونه متعرّض إلى الهول سباق عليه جسور
كفيل بأرواح الأنام موكّل عليم بأسرار الحمام خبير
و هو يشير في البيت الأخير إلى مهارة أبي العلاء في الطب و علاج الأنام أو الناس و معرفة أسرار الحمام أو الموت. و نظم في أمير المرابطين على بن يوسف بن تاشفين ثلاث قصائد، و يتوسل في إحدى قصائده إلى مالك بن وهيب المتفلسف مواطنه، الذي اتخذه الأمير المرابطي جليسا له و مستشارا، أن يحمل إليه ما ينظمه، و ينزل عند رغبته مرارا، و في إحداها يثنى عليه بمثل قوله:
جنابك للعلا حصن حصين و ذكرك للمنى دنيا و دين
طليعة جيشك الظّفر المواتى و ظلّ لوائك الفتح المبين
جواد بالديار و ما حوته و لو أنّ الزمان بها ضنين
قد اهتزّت بأنعمك الليالي كما تهتزّ بالثّمر الغصون
و له في على بن يوسف بجانب قصائده أرجوزة طويلة، و له أيضا فيه موشحة بديعة، و إحدى فقراتها تمضى على هذه الشاكلة:
سما علىّ لإمرة المسلمينا
صبح جلىّ راق، النّهى و العيونا (3)
سمح أبىّ يرضيك شدّا و لينا
كالهندواني و كالغمام الهتّان وفق الأماني و ملء عين الزّمان
و ممن أكثر من مديحهم ابن حمدين أبو القاسم أحمد بن محمد التغلبي قاضي الجماعة بقرطبة منذ سنة 5١٣ حتى وفاته سنة 5٢١ و كان يرسل بمدائحه إليه، و في أخباره أنه زار قرطبة، و ربما زارها من أجل لقائه، و له يقول:
أسد يملأ العرين من البأ س و طود يحمى من الإملاق (4)
زهيت خطة القضاء به زه و حمام الغصون بالأطواق
أريحىّ تراه يهتزّ للبذ ل اهتزاز القضيب للإيراق (5)
و كان صديقا للشاعر الوشاح يحيى بن بقى ورآه يطرق أبواب بني عشرة قضاة سلا رعاة الشعر لزمانه كما مرّ بنا في ترجمته و قد خص من بينهم أبا العباس أحمد القاضي بعد أبيه علي و أخاه يحيى، فتبع ابن بقى يقدم إليهما مثله شعره و موشحاته، من ذلك قصيدة كافية مدح بها أبا العباس يقول فيها:
لقاضي قضاة الغرب و ابن قضاته تودّدت الآمال و هي سوامك (6)
إذا سمعت أذناه حىّ على العلا فلا الجود متروك و لا البأس تارك
رفعتم لأهل الغرب أعلام دينهم فأبصر مأفوك و أقصر آفك (7)
و قد أضيفت إلى الشاعر في الديوان قصيدة نونية ص ٢١٨ قال الفتح بن خاقان إنه مدح بها القاضي أبا الحسن علي بن القاسم بن عشرة، و عنه نقلها محقق الديوان مع إشارته إلى أن العماد الأصبهاني في الخريدة ذكر أنها في مديح أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين، و في رأينا أن الصواب ما ذكره العماد، لأن القاضي المذكور توفى سنة 5٠٢ و كان التطيلى لا يعدو حينئذ الخامسة عشرة من عمره، و ذكرنا أن له في الأمير علي بن يوسف ثلاث قصائد فأولى أن تضاف إليها، فيكون له فيه أربع قصائد سوى الأرجوزة. و ألحقت بديوانه في بني عشرة ست موشحات، و قد ذكرنا في ترجمة يحيى بن بقى أن القدماء نصوا على ثلاثة منها بأنها لابن بقى، فنسبتها إلى التطيلي مخطئة، و نظن ظنا أن الموشحتين رقم ١٠ و ١5 الخاصتين بمديح يحيى بن علي بن القاسم حري بهما أن تنسبا أيضا إلى ابن بقى مثل أختهما رقم ١١ في ملحق الديوان إذ هو الذي تفيأ ظلاله كما نصّ القدماء و تغنى به في غير موشحة. و فقط ذات الرقم ١٣ في مديح من يسمى يوسف بن القاسم، فهي التي يمكن أن تضاف إلى التطيلي، و خاصة أن نسبتها إليه شاعت بين الوشاحين حتى ليعارضه فيها ابن الصباغ (8)المتصوف في القرن السابع الهجري و فيها يقول:
إن جئت أرض سلا و افاك بالمكارم فتيان
هم سطور العلا و يوسف بن القاسم عنوان
و له قصيدة بديعة مدح بها السيدة حواء زوجة سير بن أبي بكر الذي مهّد الأندلس ببطولته و قيادته الحازمة ليوسف بن تاشفين، و هو ابن أخيه، و ولاه يوسف إشبيلية و ظل عليها-دهرا: سبعة و عشرين عاما فيما يقال و كانت سيدة فاضلة نبيلة تقرأ القرآن و تنظم الشعر، و كانت لها ندوة في قصر الإمارة بإشبيلية تحاضر فيها الكتّاب و الشعراء و تستمع إلى حوارهم في الشعر و تشارك في نقد بعض الأبيات، و ممن كان يتردد على ندوتها مالك بن وهيب المتفلسف المار ذكره و الكاتبان أبو بكر بن القصيرة و ابن المرخي محمد بن عبد العزيز، و كانت ممّدحة، و من ثناء التطيلي عليها في قصيدته:
مليكة لا يوازى قدرها ملك كالشمس تصغر عن مقدارها الشّهب
دنيا و لا ترف، دين و لا قشف ملك و لا سرف درك و لا طلب
برّ و لا سقم عيش و لا هرم جدّ و لا نصب ورد و لا قرب (9)
و يفيض التطيلي في وصف جودها و ما تغدق من الذهب و الفضة على الأدباء و الشعراء، و يشيد بإخوتها يحيى والي قرطبة و محمد محرّر بلنسية، و لا يشير إلى زوجها حاكم إشبيلية و الأندلس بكلمة، و أغلب الظن أنه كان قد توفي منذ فترة. و لعل صوت الأعمى التطيلي اتضح لنا الآن، و بحق يقول عنه ابن بسام: «له أدب بارع، و نظر في غامضه واسع، و فهم لا يجارى، و ذهن لا يبارى، و نظم كالسحر الحلال، و نثر كالماء الزلال، جاء في ذلك بالنادر المعجز، في الطويل منه و الموجز» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وطر: مأرب.
2) تكرّ: تعاود من حين إلى حين، و منه: كرّ الليل و النهار.
3) النهى: العقول.
4) العرين: الغيل أو بيت الأسد. البأس: القوة. طود: جبل. الإملاق: الفقر.
5) القضيب: الغصن: الإيراق: خروج الورقة منه.
6) سوامك: جمع سامك: عال.
7) مأفوك: ضعيف العقل. آفك: كذاب مفتر.
8) انظر أزهار الرياض للمقري ٢/٢٣٣-٢٣5.
9) القرب: سرى الليل لورد الغد يعنى أن ورد العطاء لهذه السيدة في متناول الأيدي و لا يكلف عناء و لا مشقة.