1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

أبو عبد الرحمن بن طاهر

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص439-441

23-7-2016

3927

هو أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن طاهر، من بيت ثراء و شرف و فضل بمدينة مرسية في شرقي الأندلس، و هو بيت كان ينتمى إلى قبيلة قيس بن عيلان في الجزيرة، و كان يعتز بقيسيته و عروبته. و لما انتثرت الأندلس و توزعت بلدانها بأيدي أمراء الطوائف دعا أبوه أحمد بن طاهر لنفسه في بلدته مرسية، فاجتمع أهلها على طاعته، و ازدهر إقليم أهلها بجميل سيرته. و كان قد رزق بابنه أبي عبد الرحمن محمد حوالى سنة 4٢٠ للهجرة، و شبّ فأعان أباه في حكمه إلى أن توفى سنة 455 فخلفه على مرسية، و انتهج سيرته، فاستقام له حكم أهلها، و كأنهم لم يفقدوا أباه. و كان من أهل العلم و الأدب البارع إذ عنى أبوه بتربيته، و كان يتقدم أمراء الطوائف في بلاغة الكتابة، و كانت رسائله متداولة لما تتميز به من حسن الأداء، و لابن بسام تأليف خصها به سماه «سلك الجواهر من ترسل ابن طاهر» و ترجم له في الذخيرة ترجمة ضافية.

و كان ابن طاهر جوادا ممدّحا، ينتجعه الشعراء و الأدباء فيجزل لهم العطاء، و انتجعه ابن عمار الذي مرت ترجمته بين الشعراء أيام خموله، فرحّب به و أكرمه، و جزاه على إكرامه و ترحيبه جزاء سنمّار، إذ عرف في مقامه بضيافته ضعف جنده و عورات بلده، فلما تطورت به الظروف، و أصبح وزيرا و مستشارا للمعتمد بن عباد أمير إشبيلية زيّن له الاستيلاء من يد ابن طاهر على مرسية، و ما زال يغريه بفتحها و أن ذلك لن يكلفه مؤونة كبيرة حتى استجاب و أعدّ له جيشا جرارا لفتحها، و في طريقه إليها اتخذ قائدا لعسكره عبد الرحمن بن رشيق، و لم يلبث أن انتزعها من يد ابن طاهر سنة 4٧١ و زجّ به في سجن بحصن قريب من مرسية يسمى «منت أقوط» و سوّلت له نفسه أن يخلع ولاءه للمعتمد و يستقل بمرسية، فسلّط عليه قائده عبد الرحمن بن رشيق، فاستخلصها منه. و توسط لديه أبو بكر بن عبد العزيز الوزير ببلنسية، كي يرد إلى ابن طاهر حريته، فردّها عليه.

و عاش ابن طاهر بقية حياته ببلنسية مبجّلا معزّزا، و شهد محنة المسلمين بها سنة 4٨٧ على يد الفارس الإسباني المغامر السيد الكنبيطور، و وقع-بعد بلاء مبرور في حربه-بأسره، و افتدى و أطلق سراحه، و لم يبرح بلنسية إلى أن استردها المرابطون سنة 4٩5. و مدّ له في البقاء إلى أن توفى ببلنسية سنة 5٠٨ للهجرة.

و هذه الحياة الطويلة التي امتدت بابن طاهر إلى نحو تسعين عاما أمضى منها فترة معاونا لأبيه في حكم مرسية و فترة ثانية في حكمها و فترة ثالثة قصيرة معتقلا ثم فترة طويلة ببلنسية معززا موقّرا. و هذه الحياة المديدة أتاحت له أن تتكاثر المكاتبات بينه و بين أمراء الطوائف، يخطبون وداده، و هو تارة يثنى و يشكر، و تارة يعاتب أو يشفع أو يعزى أو يهنّى، و قد اهتزّ هزة عنيفة لأوائل حكمه مرسية حين نكل النورمانديون بأهل بربشتر في الشمال الشرقي لسرقسطة سنة 456 و أنزلوا بهم مذبحة-كما مرّ بنا- تقشعر لهولها الأبدان و سبوا منهم خمسة آلاف من النساء و العذارى و باعوهم في الأسواق بيع الإماء، و ما إن علم بذلك حتى ضاقت به الأرض بما رحبت، و أخذ يكتب لأقرانه كي يكيلوا للعدو الغاشم الصاع صاعين، و من قوله في وصف هذا الحادث المروّع:

«خطب أطار الألباب، و طأطأ الرقاب، و قطع الآمال و الهمم، و أسلم من الذلّة و القلّة إلى ما قصم، فما شئت من دمع مسفوح مراق، و نفس متردّدة بين لهاة و تراق (1)، و أسى قد قرع حصيّات القلوب فرضّها )2)، و عدل عن المضاجع بالجنوب فأقضّها )3)» . و يقول من رسالة أخرى مستنفرا للجهاد:

«ليندب الإسلام نادب، و ليبك له شاهد و غائب، فقد طفئ مصباحه، و وطئ ساحه، و قصّ جناحه، و هيض(4)عضده، و غيض ثمده)5)، إلى اللّه نفزع، و إليه نضرع، في طارق الخطب و منتابه، و لا حول و لا قوة إلا به، فهو كاشف الكروب، و ناصر المحروب» .

و حين ردّت إليه حريته و أطلق من معتقله بفضل وساطة أبي بكر بن عبد العزيز الوزير ببلنسية و استجاب إلى رغبته في المقام عنده كتب و هو في طريقه إليه رسالة يقول في فصل منها:

«كتابي و قد طفل )6)العشىّ، و سال بنا إليك المطىّ (7)، و لها من ذكرك حاد، و من لقياك هاد، و سنوافيك المساء، و نغتفر للزمان ما قد أساء، و نرد ساحة الأمن، و نشكر عظيم ذلك المنّ، فهذه النفس أنت مقيلها (8)، و في برد ظلّك يكون مقيلها (9)، فللّه مجدك و ما تأتيه، لا زلت للوفاء تحييه و تحويه»

و كانت في ابن طاهر دعابة لم تفارقه حتى في أيام محنته بالاعتقال، و له في ذلك- كما يقول ابن بسام-عدة نوادر أحر من الجمر و أدمغ من الصخر، و يروى منها أن ابن أخت لعبد الرحمن بن رشيق كان ذا لحية طويلة، و طلعة ثقيلة، وقف عليه يوما في اعتقاله، فجعل يتفجع له و يتوجع، و يتملّق معه و يتصنّع، فقال له ابن طاهر: خلاصي بيدك إن شئت، فإنك لو أخرجتني في لحيتك لتخلصت و لم يرني أحد. و كتب إليه رجل يتزهد، و أطال الوعظ و ردّد، و هو يعرف أنه على الضّدّ من وعظه، فأجابه:

«ورد كتابك فوعظ و ذكّر، و نصح فبصّر، و نبّه من سنة الغفلة، و اغترار المهلة، و حذّر من يوم النّدامة، و بعث يوم القيامة، فيرحمك اللّه من هاد، و خائف معاد، و مبتغي إرشاد، وداع إلى صلاح و سداد، لقد حرّكت أنفسا قاسية، و هززت جندلة راسية، و معولك دونها ناب، لا يؤثر فيها بظفر و لا ناب»

و دائما يسيل الكلام على لسان ابن طاهر في خفة و رشاقة و عذوبة، و في الذخيرة من ذلك بدائع و روائع يقول ابن بسام بعقبها: «أبو عبد الرحمن أكثر إحسانا، و قد وهب الطروس من ألفاظه ما يفضح العقود الدّرّيّة، و تعسعس (10)معه الليالي البدرية» .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١(  التراقي: جمع ترقوة: أعلى الصدر. اللهاة: أقصى سقف الحلق.

٢(  رضّها: دقها.

٣) أقضها: جعلها لا تريح النائم بجنبه فيها.

4) هيض: تحطم.

5( غيض ثمده: جفّ ماؤه القليل.

6(  طفل العشىّ: مال للغروب العشى و هو آخر النهار.

7) المطي: الإبل.

8) مقيلها: منحّيها أي عما كانت فيه من اعتقال.

9) مقيلها: مكان راحتها.

10) تعسعس: تظلم.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي