1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

أبو جعفر بن سعيد و حفصة الرّكونيّة

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص288-290

23-7-2016

6194

هو أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد، من سلالة عمار بن ياسر، نزل أسلافه قلعة في إقليم غرناطة نسبت إليهم، و حين نشبت فتنة قرطبة في نهاية القرن الرابع و ظلت إلى نحو الربع الأول من القرن الخامس الهجري استقلت بها هذه الأسرة، و عادت إلى الاستقلال بها في نهاية عصر المرابطين حين نشبت عليهم الفتنة في الأندلس. ثم دان زعيمهم عبد الملك بن سعيد للموحدين و كان قبل إعلان ولائه لهم حاول أن يتخذ من ابنه أبي جعفر أحمد وزيرا له يدبر معه شؤون القلعة، و كان شاعرا و في ريعان شبابه فاعتذر له بأنه صاحب لهو و طرب، و لا يصلح لوزارته، فأعفاه، و مضى يعيش للهوه مع رفاقه، حتى إذا نزل عبد المؤمن بجبل الفتح سنة 556 و أقبلت إليه وفود الأندلس تعلن ولاءها له رأيناه يفد عليه مع أبيه و يقدم إليه بعض مدائحه. و ولّى عبد المؤمن على بلدان الأندلس بعض أبنائه و قواده، و كانت غرناطة من نصيب ابنه أبي سعيد عثمان، و كانت فيه صرامة مع محبته للآداب و إسباغ المكافآت و النوال على الشعراء. و طلب وزيرا أديبا من أهلها يستعين به و وصف له أبو جعفر و حسبه و أدبه فاستوزره، و حاول أن يستعفيه، فأبى، و تقلد وزارته.

و كان أبو جعفر قد كلف بفتاة شاعرة ذات جمال و حسب و ثراء هي حفصة الرّكونيّة، و كان أبوها قد لفته ذكاؤها، فعنى بتربيتها، و أتاح لها من الحرية ما جعلها تلقى الأدباء و الشعراء و تحاورهم، و تأخذ سريعا مكانة رفيعة في بلدتها، و يبلغ من مكانتها أن تفد على عبد المؤمن بجبل الفتح و أن تنشده متلطفة:

يا سيّد الناس يا من    يؤمّل الناس رفده
امنن علىّ بطرس    يكون للدّهر عدّه
تخطّ يمناك فيه    الحمد للّه وحده
مشيرة بالشطر الأخير إلى العلامة السلطانية عند الموحدين، إذ كان سلطانهم يكتب

بخط يده في رأس كل منشور: الحمد للّه وحده. و أعجب بها عبد المؤمن و استنشدها من شعرها و أنشدته ما زاده إعجابا، و يبدو أن ابنه عثمان الذي تولى غرناطة بعد ذلك رآها حينئذ و بهره جمالها. فلما ولى غرناطة حاول القرب منها عن طريق وزيره أبي جعفر، و لا بد أنه عرف ما كان قد انعقد بينهما من حب و هو ليس حب مجون، بل حب طهارة و عفاف على نحو ما عرف عن فتيات الأندلس و سيداتها من تحرر و من لقاءات بينهن و بين الشعراء في قصورهن، و في الحدائق و الرياض، إذ كن أحيانا يمضين فيها بعض الليالي مع من يهواهن و ظلت ذكرى ليلة قضاها أبو جعفر مع حفصة في بستان بمتنزه يسمى «حور مؤمّل» عبقة في نفسه حتى ليكتب إليها:

رعى اللّه ليلا لم يرح بمذمّم    عشيّة وارانا بحور مؤمّل
و قد خفقت من نحو نجد أريجة   إذا نفحت هبّت بريّا القرنفل
و غرّد قمرىّ على الدّوح و انثنى     قضيب من الريحان من فوق جدول
فهو يدعو لليل الذي نعم فيه مع حفصة باللقاء بين نسيم الرياض و نفحاتها التي تحيى القلوب أن يسبغ اللّه دائما عليه رعايته. و تجيبه:

لعمرك ما سرّ الرياض بوصلنا    و لكنّما أبدت لنا الغلّ و الحسد
و لا صفّق النّهر ارتياحا لقربنا     و لا غرّد القمرىّ إلا لما وجد
و كأنها تحدث عن حسد الناس لهما و أنهما لن يتركوهما ينعمان بحبهما، و يقطفان من أزهاره ما يعنّ لهما و ما يمتعان به روحاهما، و اتصل بينهما الحب و اللقاء فكتبت إليه و قد استبطأت لقاءه:

أزورك أم تزور فإنّ قلبي    إلى ما تشتهى أبدا يميل
فعجّل بالجواب فما جميل    أناتك عن بثينة يا جميل
و هي تشير إلى حب جميل لبثينة حبا عذريا شاع ذكره في بوادي نجد و الحجاز لعصر بني أمية. و أجابها مصورا و لعه بها و توقيره لها:

أجلّكم مادام بي نهضة    عن أن تزوروا إن وجدت السّبيل
ما الرّوض زوّارا و لكنما     يزوره هبّ النسيم العليل
فالروض لا يزور و مثله الفاتنة التي ملكت قلب صاحبها و خلبت لبه، و إنما يزوره

النسيم العليل يستشفي بشذاه و أريجه. و يبدو في أشعارها له أنه استأثر بقلبها و أنه لم يدع فيه مكانا لسواه حتى لتنشده ملتاعة بحبه ناعمة به سعيدة، غير منكرة غيرتها عليه:

أغار عليك من عيني و منّى     و منك و من زمانك و المكان
و لو أنى خبأتك في عيوني     إلى يوم القيامة ما كفاني
فهي تغار عليه غيرة لا تماثلها غيرة، حتى لتغار منه هو و من كل ما يحيطه به من زمان و مكان، و تقول لو أنها خطفته و وضعته وراء جفونها في عيونها إلى يوم القيامة ما كفاها.

و بينما هي تنعم بهذا الحب مع أبي جعفر إذا عثمان بن عبد المؤمن صاحب السلطان في غرناطة و من له كل الأمر و التدبير يعترض طريقهما المفروش بالورود و الرياحين، و تخشى حفصة العاقبة، و تحاول أن تناوره و تداوره فتستأذن عليه في يوم عيد كاتبة إليه:

يا ذا العلا و ابن الخلي‍       فة و الإمام المرتضى
يهنيك عيد قد جرى     منه بما تهوى القضا
وافاك من تهواه في      طوع الإجابة و الرّضا
و يمتلئ قلب عثمان على كل من العاشقين موجدة و غيظا، و تزيده الوشايات موجدة على موجدة و غيظا على غيظ، إذ يقال له إن أبا جعفر قال لحفصة عنه: ما تحبين في ذلك الأسود-و كان لون بشرته مائلا إلى السواد-فأسرّها في نفسه، و نقلوا إليه أنه قال:

فقل لحريص إذ يراني مقيّدا    بخدمته لا يجعل الباز في القفص
و واتت عثمان الفرصة للانتقام، فإن أخا أبي جعفر عبد الرحمن فرّ إلى ابن مردنيش الثائر في شرقي الأندلس على الموحدين، و يبدو أن أبا جعفر فكر في الانضمام إلى أخيه، فأمر عثمان بقتله، و قتل صبرا في مالقة سنة 55٩ للهجرة. و بكته حفصة طويلا و ندبته ندبا حارّا و لبست عليه السواد، و هجرت غرناطة لغريمها عثمان إلى مراكش و لقيت أخاه سلطان الموحدين يوسف، و أنشدته من الشعر ما جعله يعطف عليها و يفسح لها في قصره معلمة لفتياته، و تظل معززة مكرمة في عاصمة الموحدين إلى أن لبت نداء ربها سنة 5٨6 الهجرة.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي