1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

أبو بكر بن زهر

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص160-162

23-7-2016

12662

هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن عبد الملك، و هو سليل أسرة طبية ألممنا بها بين الأطباء في الفصل الماضي، ولد سنة 5٠٧ بإشبيلية، و أخذ علم الطب عن أبيه و جده، و انفرد بالإمامة في عصره، و يقول ابن الأبار إنه كان يحفظ صحيح البخاري أسانيد و متونا، و كان له حظ وافر من الآداب و اللغة و الحفظ لأشعار الجاهلية و المولدين، و حدّث بمقامات الحريري عن أبيه، و يقول صاحب المطرب. كان بمكان من اللغة مكين، كان يحفظ شعر ذي الرمة و هو ثلث لغة العرب مع معرفة جميع أقوال أهل الطب. و كان له منزلة عليا عند الموحدين و خاصة عند الأمير يعقوب بن يوسف سلطان الموحدين (5٨٠-5٩5 ه‍) و توفي في آخر سنة 5٩5 و صلى عليه السلطان الناصر بن يعقوب و دفن بروضة الأمراء في مراكش. و يقول صاحب المطرب إن الذي انفرد به و انقادت إليه طباعه و أصارت النبهاء أتباعه الموشحات، و قد طار في المغرب و المشرق موشحه:

أيّها السّاقى إليك المشتكى           قد دعوناك و إن لم تسمع 
و نديم همت في غرّته
و سقانى الرّاح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
جذب الزّقّ إليه و اتّكى      و سقانى أربعا في أربع 

و الموشحة من وزن الرمل، و هي تسيل خفة ورقة و عذوبة و رشاقة في نسق من بديع الألفاظ المختارة، و كأنها لا تتلاقى فحسب، بل تتعانق آخذا بعضها بتلابيب بعض. و له من موشحة هذا الغصن و قفله:

هل تستعاد      أيامنا بالخليج      أو ليالينا
إذ يستفاد        من النسيم الأريج     مسك دارينا(1)
و إذ يكاد     حسن المكان البهيج      أن يحيّينا
نهر أظلّه     دوح عليه أنيق        مورق فينان (2)
و الماء يجرى      و عائم و غريق     من جنا الرّيحان

و الغصن و القفل جميعا يزخران بشجىّ يثير في القلب حنينا بل جذوة متقدة من الحنين لأيام سعيدة هنيئة مرت و كأنها حلم من الأحلام لن يعود. لن تعود تلك الأيام و الليالي و لا ما كان في حدائقها البهيجة من النسيم العطر حتى لكأنما كل شيء فيها كان يلقاهم بالتحيات و البسمات، و ماء نهر إشبيلية يجري من تحتهم و فروع الأشجار و أغصانها المورقة تظلله، و الرياحين و الزهر بين سابح و غريق. كل ذلك سقط من يد ابن زهر و هو مولّه مشوق أعظم شوق، حتى لكأنما انتزع منه انتزاعا. و زنة الجزء الأول في القفل و الغصن مستفعلاتن، و زنة الجزء الثاني مستفعلن فاعلان، و زنة الجزء الثالث في القفل فاعلان و في الغصن فعلن، و بذلك يردّ وزن الموشحة إما إلى البسيط و إما إلى السريع مع زيادة سبب إلى التفعيلة الأولى دائما و كذلك إلى التفعيلة الأخيرة، و هذه التغيرات في تفاعيل هذه الموشحة و ما ماثلها مما أشرنا إليه هو ما جعل ابن بسام يقول إن الموشحات تجرى أحيانا على أعاريض مهملة أي من أعاريض الشعر العربي كما أسلفنا مرارا لا من أعاريض الشعر الأعجمي الوهمية، كما ظن «ريبيرا» و تلاميذه. و لابن زهر موشحة صاغها على طريقة ابن نزار هكذا:

قلبى من الحبّ غير صاح     صاح
و إن لحانى على الملاح     لاح
و إن درى قصّتى و شانى       شانى
و الجزء الأول في الغصن و القفل من مخلع البسيط، و الجزء الثاني على زنة فعلن تفعيلة المتدارك و صاح الأولى: مستيقظ، و الثانية: ترخيم صاحب، و اللاحى: العاذل اللائم، و شانى الأولى: مخففة من شأنى و الثانية: المبغض. و استمر ابن زهر في هذه الموشحة يستخرج الجزء الثاني من الجزء السابق له أو يكرره بمعنى جديد، مما يفجأ به قارئه و يدخل عليه غير قليل من المتاع الشعري. و كان كثيرا ما يفجأ قارئه بصور طريفة كفوله في الموشحة التي أنشدها له ياقوت في معجم الأدباء:

طرقت و الليل ممدود الجناح  مرحبا بالشمس من غير صباح 
فجناح الليل ممدود على الكون من حوله، وزارته صاحبته فأضاءت في هذا الليل كأنها شمس تطلع دون صباح مما يلقى في نفسه غير قليل من العجب، و الموشحة جميعها أقفالا و غصونا من وزن الرمل، و أنشد له ابن دحية في المطرب موشحة من وزن المتقارب افتتحها على هذه الصورة:

سدلن ظلام الشعور        على أوجه كالبدور 
سفرن فلاح الصّباح
ضحكن ابتسام الأقاح
كأن الذى في النّحور         تخيّرن منه الثّغور 
و الصور طريفة إذ يجمع في غزله و الإعجاب بجمال صواحبه ظلام الشعور و بدور أو أقمار الوجوه و يضيف أنهن سفرن و نحين النقاب عن وجوههن فأضاء الصباح، و ضحكن و ابتسمت ثغورهن ابتسام زهر الأقاح الذي طالما شبه به الشعراء الثغور لنصاعة بياضه. و يفجؤنا ابن زهر بما ملأ نفسه حيرة، إذ يتنقل بصره بين ثغورهن و عقود اللآلئ التي تزدان بها نحورهن فيخال كأنهن تخيّرن ثغورهن من تلك اللآلئ البهيجة.

و واضح من كل ما قدمت أن موشحات ابن زهر و ابن بقى و ابن عبادة القزاز و غيرهم من الوشاحين الأندلسيين تموج بالنغم، و حقا خالفوا بين قوافي الأقفال و قوافي الأغصان، و لكن الأقفال تتحد قوافيها في كل موشحة كما تتحد قوافي الأجزاء في كل غصن. فالقافية لم تهمل في الموشحة إنما تنوعت في الأغصان، و ظلت موحدة في أجزاء الأقفال، و كان حريا أن يسقط بذلك شيء من وفرة الأنغام المعروفة في القصيدة العربية غير أنهم تلافوا ذلك باختيارهم لموشحاتهم أرشق الألفاظ العربية و أكثرها عذوبة و سلاسة و صفاء، و ليس ذلك فحسب، فقد قصّروا الشطور في أجزاء الأقفال و الأغصان، حتى أصبحت أنغام أي موشحة لا تقل عن أنغام القصائد وفرة، بل إنها لتتفوق عليها في كثير من الأحيان بسرعة التدفق و الانسياب، حتى لتصبح روائعها و كأنها يمّ من الأنغام تغرق الأذن في خضمّه. و ليس بصحيح ما زعمه بعض المستشرقين الإسبان من أنها وضعت في نشأتها-و ظلت توضع أحيانا-على أسس إيقاع لأنغام أغنيات باللغة الإسبانية أو الرومانثية الدارجة، ليس ذلك بصحيح، إذ هو و هم تبادر إليهم-كما أسلفنا-من كلمة ابن بسام: إن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة، و هو إنما يقصد أعاريض الشعر العربي المهملة التي حاول بعض العباسيين أن ينظم فيها أشعاره أو بعض أشعاره، ثم جاء الأندلسيون من أصحاب الموشحات بعدهم فنظروا في دوائر الخليل و تحريكه فيها للتفاعيل بالزيادة و النقص، فاستغلوا ذلك في موشحاتهم أحيانا بزيادة سبب في بعض التفاعيل أو نقصه مع اطراد ذلك في الموشحة، بحيث تدخل بدقة في أعاريض الشعر العربي و إيقاعه، فضلا عن أن كثيرا منها-إن لم تكن كثرتها- صيغت كما رأينا عند كبار الوشاحين من نفس أعاريض الشعر العربي و أوزانه المستعملة من قديم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ) دارين: قرية كانت على الخليج العربي ينسب إليها المسك و الطيب.

2 ) فينان: كثير الفروع و الأغصان.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي