الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو إسحق الإلبيري
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص353-356
23-7-2016
3009
تفتّ فؤادك الأيام فتّا و تنحت جسمك الساعات نحتا
و تدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح: أنت أريد أنتا
و يمضي أبو إسحق في القصيدة بهذه الصياغة و المعاني التي تؤثر في الأفئدة تأثيرا يملك على قارئه و سامعه كل شيء من أمره، فالدنيا عروس غادرة، و العاقل يفصل نفسه منها دون رجعة، و ويح الإنسان ينام و يستغرق في نومه حتى إذا وافاه الموت انتبه بعد انخداعه.
و يقول إلى كم ينخدع و لا يرعوى، و كان أولى به أن يرفض متاع الحياة الدنيا و كل ما يتصل به من طعام و شراب، فالقوت الحقيقي هو قوت الروح، و حري به أن لا يحفل بجاه و لا بمال و لا بقصور مشيدة. و لن يضره الفقر إذا ما عرف ربه، و يقول: ما الدنيا إنها تسوء حقبة و تسر وقتا، و يحبها الإنسان مع أنه مسجون فيها و هل يحب أحد سجنه، و لا يغره طعامه فيها فستأكله حطاما، و كل يوم يشهد فيها دفينا، و هو لم يخلق ليعمرها، إنما خلق ليعبرها، و حرى به أن لا يحزن على ما فات منها و أن يفرح لما فاز به في أخراه، و ينصحه أن يلازم قرع باب اللّه فسيفتح له يوما، و ينشد:
فلو بكت الدّما عيناك خوفا لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
و من لك بالأمان و أنت عبد أمرت فما ائتمرت و لا أطعتا
و تشفق للمصرّ على المعاصي و ترحمه، و نفسك ما رحمتا
تفرّ من الهجير و تتّقيه فهلاّ عن جهنّم قد فررتا
فلو أن الإنسان لم يعمل الصالحات الباقيات و بكى و بالغ في بكائه حتى بكى دما فإن ذلك لن يتيح له الأمان مادام لم يطع أوامر ربه. و من عجب أن يشفق الإنسان على عاصي ربه و يرق له قلبه و قلبه لا يرق لنفسه، و عجب عجاب أن يفر من حرارة الهاجرة و لا يتخذ العدة للفرار من جهنم و لظاها المشتعل. و في قصيدة كافية يقول للدنيا: لقد عهدنا الأم تعطف على أبنائها و أنت تعامليننا بكل قسوة و دون أي شفقة، و فرض على الأبناء أن يبروا أمهاتهم إلا أنت، فواجب عقوقك و بغضك أشد البغض. و دائما ينصح بعمل الخير و الإحسان إلى الفقراء و يخوّف أشد التخويف من عذاب النار، و له قصيدة:
خمسة و ثلاثون بيتا ختمها جميعا بكلمة النار و فيها يقول:
ويل لأهل النّار في النّار ماذا يقاسون من النّار
تنقدّ من غيظ فتغلى بهم كمرجل يغلى على النار
و يستمر قائلا: لا تقبل التوبة في النار، و الشقي يفر من النار إلى النار، و ويل له من النار، إذ لا راحة له فيها و كيف يرتاح و هو يشرب المهل فيها، و يطعم الزقّوم، و تتدافع سيول النار في القصيدة حتى نصل إلى نهايتها فنطلب من اللّه مع أبي إسحق المعافاة و العتق من النار. و من أروع قصائد الديوان قصيدة من ثلاثة و خمسين بيتا ختمها جميعا بلفظ الجلالة على هذا النحو:
يا أيها المغترّ باللّه فرّ من اللّه إلى اللّه
ولذ به و اسأله من فضله فقد نجا من لاذ باللّه
و قم له و الليل في جنحه فحبّذا من قام للّه
و اتل من الوحى و لو آية تكسى بها نورا من اللّه
و عفّر الوجه له ساجدا فعزّ وجه ذلّ للّه
و هو يقول: يا أيها الغافل عن ذكر ربه، فرّ من عقابه إلى ثوابه و الجأ إليه و اسأله من فضله تنج من عذاب النار، و تهجّد في آناء الليل، واتل من القرآن و لو آية يسبغ اللّه نورها عليك، و مرّغ وجهك في العفر و وجه الأرض ساجدا لربك متذللا له، فعزّ وجه يتضرع إليه و يخضع و ينقاد. و تمضي القصيدة بهذه الروعة في الصياغة، و كل بيت يدل دلالة جديدة، و معه جوهرة لفظ الجلالة تضيء جوانبه، و تنزل منه منزلا محكما.