1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

أبو إسحق الإلبيري

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص353-356

23-7-2016

3009

هو أبو إسحق إبراهيم بن مسعود بن سعد التّجيبي، من أهل حصن العقاب بالقرب من إلبيرة، و لزم في نشأته فقيهها و محدثها ابن أبي زمنين المتخلق بأخلاق الصالحين المتوفي سنة ٣٩٩ و يقول بعض من ترجموا له إنه كان من البكّائين الورعين الخاشعين، و يقول ابن الأبار في التكملة إن أبا إسحق روى مصنفاته عنه مما قد يدل على أنه جلس مجلسه لإفادة الطلاب في إلبيرة. و خرّبت سريعا في عهد زاوى بن زيري الذي اتخذ غرناطة دار إمارة له (4٠٣-4١٠ ه‍) مما جعل كثرة أهلها تهاجر إلى غرناطة، و هاجر إليها أبو إسحق، غير أنا لا نعرف تاريخ هجرته إليها بالضبط، و نظن ظنا أنه ظل بها يروي لطلاب العلم كتب أستاذه ابن أبي زمنين. و نرى أبا الحسن علي بن محمد بن توبة حين يتولى القضاء لباديس بن حبوس أمير غرناطة (4٢٩-46٧ ه‍) يتخذ أبا إسحق كاتبا له. و اصطحبه معه إلى المرية حين طلب إليه باديس حمل رسالة إلى أحمد بن عباس وزير زهير الصقلبي أميرها، مما يدل على حسن منزلته عند القاضي و أنه ظل كاتبا له إلى أن أخذ يحمل بعنف على إسماعيل بن النغريلة اليهودي وزير الأمير باديس لتسلطه-مع من عهد إليهم بالعمل معه من اليهود-على شؤون الحكم. و استطاع إسماعيل أن يستصدر أمرا من باديس بنفي أبي إسحق من غرناطة إلى إلبيرة، و ربما عاد حينئذ إلى مسقط رأسه في العقاب. و توفي إسماعيل بن النغريلة، و خلفه في وزارة باديس ابنه يوسف فزاد الطين بلة، و ضج الناس، و كان أبو إسحق قد عاد إلى غرناطة، فألقى في أهلها قصيدة كانت أشبه بقنبلة، طالب فيها بقتل يوسف، و ردّدها الناس في الشوارع، و سرعان ما نشبت لسنة 45٩ ثورة ضارية على اليهود ألممنا بها في حديثنا عن الهجاء، و كان أبو إسحق قد بلغ العقد التاسع من عمره فلبّى نداء ربه في نحو سنة 46٠ للهجرة. و لم يحمل أبو إسحق عن أستاذه ابن أبي زمنين مصنفاته في الفقه و الحديث فقط. بل حمل عنه أيضا مصنفاته في الوعظ و أخبار الصالحين. و لا يقل عن ذلك كله أهمية حمله عنه أشعاره الزهدية، مما غرس الزهد في نفسه مبكرا، و أتيحت له ملكة شعرية خصبة، فاستغلها في نظم أشعار زهدية كثيرة، و يقول ابن الأبار: «كان من أهل العلم و العمل شاعرا مجودا و شعره مدون و كله في الحكم و المواعظ و الأزهاد» و يقول ابن سعيد: «له ديوان ملآن من أشعار زهدية، و لأهل الأندلس غرام بحفظها» و هو غرام مرجعه إلى ما تمتاز به زهدياته من لغة ناصعة و خواطر منوعة تمس القلوب بما تحمل من فيض المشاعر الدينية، و كأنما يستمد من نبع حماسي يتدفق في عذوبة. و الديوان يستهل بتائية في مائة بيت و سبعة يفتتحها بقوله:

تفتّ فؤادك الأيام فتّا     و تنحت جسمك الساعات نحتا
و تدعوك المنون دعاء صدق     ألا يا صاح: أنت أريد أنتا
و يمضي أبو إسحق في القصيدة بهذه الصياغة و المعاني التي تؤثر في الأفئدة تأثيرا يملك على قارئه و سامعه كل شيء من أمره، فالدنيا عروس غادرة، و العاقل يفصل نفسه منها دون رجعة، و ويح الإنسان ينام و يستغرق في نومه حتى إذا وافاه الموت انتبه بعد انخداعه.

و يقول إلى كم ينخدع و لا يرعوى، و كان أولى به أن يرفض متاع الحياة الدنيا و كل ما يتصل به من طعام و شراب، فالقوت الحقيقي هو قوت الروح، و حري به أن لا يحفل بجاه و لا بمال و لا بقصور مشيدة. و لن يضره الفقر إذا ما عرف ربه، و يقول: ما الدنيا إنها تسوء حقبة و تسر وقتا، و يحبها الإنسان مع أنه مسجون فيها و هل يحب أحد سجنه، و لا يغره طعامه فيها فستأكله حطاما، و كل يوم يشهد فيها دفينا، و هو لم يخلق ليعمرها، إنما خلق ليعبرها، و حرى به أن لا يحزن على ما فات منها و أن يفرح لما فاز به في أخراه، و ينصحه أن يلازم قرع باب اللّه فسيفتح له يوما، و ينشد:

فلو بكت الدّما عيناك خوفا    لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
و من لك بالأمان و أنت عبد     أمرت فما ائتمرت و لا أطعتا
و تشفق للمصرّ على المعاصي      و ترحمه، و نفسك ما رحمتا
تفرّ من الهجير و تتّقيه        فهلاّ عن جهنّم قد فررتا

  فلو أن الإنسان لم يعمل الصالحات الباقيات و بكى و بالغ في بكائه حتى بكى دما فإن ذلك لن يتيح له الأمان مادام لم يطع أوامر ربه. و من عجب أن يشفق الإنسان على عاصي ربه و يرق له قلبه و قلبه لا يرق لنفسه، و عجب عجاب أن يفر من حرارة الهاجرة و لا يتخذ العدة للفرار من جهنم و لظاها المشتعل. و في قصيدة كافية يقول للدنيا: لقد عهدنا الأم تعطف على أبنائها و أنت تعامليننا بكل قسوة و دون أي شفقة، و فرض على الأبناء أن يبروا أمهاتهم إلا أنت، فواجب عقوقك و بغضك أشد البغض. و دائما ينصح بعمل الخير و الإحسان إلى الفقراء و يخوّف أشد التخويف من عذاب النار، و له قصيدة:

خمسة و ثلاثون بيتا ختمها جميعا بكلمة النار و فيها يقول:

ويل لأهل النّار في النّار     ماذا يقاسون من النّار
تنقدّ من غيظ فتغلى بهم      كمرجل يغلى على النار
و يستمر قائلا: لا تقبل التوبة في النار، و الشقي يفر من النار إلى النار، و ويل له من النار، إذ لا راحة له فيها و كيف يرتاح و هو يشرب المهل فيها، و يطعم الزقّوم، و تتدافع سيول النار في القصيدة حتى نصل إلى نهايتها فنطلب من اللّه مع أبي إسحق المعافاة و العتق من النار. و من أروع قصائد الديوان قصيدة من ثلاثة و خمسين بيتا ختمها جميعا بلفظ الجلالة على هذا النحو:

يا أيها المغترّ باللّه     فرّ من اللّه إلى اللّه
ولذ به و اسأله من فضله      فقد نجا من لاذ باللّه
و قم له و الليل في جنحه          فحبّذا من قام للّه
و اتل من الوحى و لو آية        تكسى بها نورا من اللّه
و عفّر الوجه له ساجدا        فعزّ وجه ذلّ للّه

و هو يقول: يا أيها الغافل عن ذكر ربه، فرّ من عقابه إلى ثوابه و الجأ إليه و اسأله من فضله تنج من عذاب النار، و تهجّد في آناء الليل، واتل من القرآن و لو آية يسبغ اللّه نورها عليك، و مرّغ وجهك في العفر و وجه الأرض ساجدا لربك متذللا له، فعزّ وجه يتضرع إليه و يخضع و ينقاد. و تمضي القصيدة بهذه الروعة في الصياغة، و كل بيت يدل دلالة جديدة، و معه جوهرة لفظ الجلالة تضيء جوانبه، و تنزل منه منزلا محكما.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي