1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

ابن وهبون

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص336-338

23-7-2016

3577

هو أبو محمد عبد الجليل بن وهبون، مولده و منشؤه بمرسية على البحر المتوسط، و هي من بنيان الأمير عبد الرحمن الأوسط و كانوا يسمونها بستان شرقيّ الأندلس، و اشتهرت بما كان يصنع فيها من أصناف الحرير و الديباج. و كانت بها حركة علمية و أدبية نشطة، و يكفي أن تكون هي التي أنتجت ابن سيدة أكبر لغوي أندلسي صاحب المخصص و المحكم المتوفى سنة 45٨ للهجرة و كان مع إتقانه للعربية متوفرا على علوم الحكمة و الفلسفة، و أكبر الظن أن ابن وهبون تتلمذ له، و قد يكون هو الذي دفعه للقراءة في كتب الفلسفة. و كانت شهرة المعتمد بن عباد قد طبقت الآفاق برعايته للشعراء، و نراه يفد على إشبيلية يريد أن يحظى بشيء من هذه الرعاية، و يلزم الأعلم الشنتمري و يختلف إلى حلقته، و يعجب به ابن وهبون، و كان فيه-مثل ابن سيده-نزوع إلى الفلسفة، فلعله أيضا كان من أسباب اهتمامه بها. و قدّم الأعلم قصيدة له إلى المعتمد بن عباد فطار بها وزيره ابن عمار، و وصله بالمعتمد، و أعجب به بدوره، فقصره على هواه، و لم يرحل إلى أمير من أمراء الطوائف سواه، و ظل عنده إلا أياما كان يرحل فيها كل سنة إلى مرسية مسقط رأسه يتعهد فيها أهله، حتى إذا استنزل يوسف بن تاشفين أمير المرابطين المعتمد من عرش إمارته و نفاه إلى أغمات خرج من إشبيلية متجها إلى مرسية، و بالقرب منها سنة 4٨4 للهجرة لقى قطعة من خيل النصارى فاشتبك معهم، و كتبت له-على ايديهم- الشهادة. و يتميز شعره بمسحة التأمل و البعد في الفكر و العمق فيه بتأثير قراءاته الفلسفية، و توفى أستاذه الأعلم الشنتمري سنة 4٧6 فبكاه بمرثية حارة استهلها بتأملات عميقة في الحياة و الموت منشدا:

نفسى و جسمي إن وصفتهما معا    آل يذوب و صخرة خلقاء (1)
لو تعلم الأجبال كيف مآلها    علمي لما امتسكت لها أرجاء
إنا لنعلم ما يراد بنا فلم    تعيا القلوب و تغلب الأهواء
طيف المنايا في أساليب المنى     و على طريق الصحّة الأدواء
و هو يقول ما الحياة؟ إن نفوسنا فيها سراب يذوب و أجسامنا صخرات ملساء لا تلبث أن تمسّها يد الفناء، و حتى صخرات الجبال لو علمت حقيقة أنها لا بد أن تتداعى يوما لما تماسكت لها أرجاء، و يقول إنا نعلم مصيرنا إلى الموت و الفناء فلم نكلف قلوبنا ما تعيا به و تشقى؟ و لم تغلبنا الأهواء و الشهوات؟ ، و تلك أطياف الموت و أشباحه تتراءى لنا فيما نحاول و نحقق من أماني، و تلك الأدواء و الأمراض كأنها تنتظر الأصحّاء. و يستمر في إنشاده:

ماذا على ابن الموت من إبصاره    و لقائه هل عقّت الأبناء
لم ينكر الإنسان ما هو ثابت    في طبعه لو صحّت الآراء
دنف يبكّى للصحيح و إنما     أمواتنا-لو تشعر-الأحياء
ما النفس إلا شعلة سقطت إلى     حيث استقلّ بها الثّرى و الماء
حتى إذا خلصت تعود كما بدت    و من الخلاص مشقّة و عناء

 و هو يقول إن الإنسان ابن الموت فلماذا يفزع من لقائه؟ أهو ابن عاقّ لأبيه؟ و لماذا يتنكر الإنسان لما هو ثابت في كيانه؟ و لو أنصف الأحياء لعرفوا أنهم مرضى مرضا ثقيلا يشفى بهم على الموت، و كأنهم هم الخليقون بالبكاء لهم، و فيم إذن يبكون على من لبّوا نداء الموت المستكن فيهم؟ إنهم الأموات الحقيقيون الجديرون بالبكاء عليهم. و ما النفس إلا شعلة هبطت-كما يقول ابن سينا-من العالم العلوي إلى الجسد أو بعبارة أخرى إلى التراب و الماء، و ما الموت إلا خلاص لها من هذا الأسر الطويل، و رب خلاص فيه مشقة و عناء. و مضى ابن وهبون بعد هذا العزاء يقول بأن ليس في الدنيا بقاء و أن الكل إلى فناء، مؤبّنا الأعلم الشنتمري أستاذه تأبينا رائعا، و هو-بحق-من شعراء الأندلس المبدعين.

ــــــــــــــــــــــــــ

١) خلقاء: مصمتة ملساء.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي