الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن عبدون
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص344-347
22-7-2016
2635
الدّهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح و الصّور
أنهاك أنهاك-لا آلوك موعظة- عن نومة بين ناب اللّيث و الظّفر (3)
ما للّيالي أقال اللّه عثرتنا من الليالي و خانتها يد الغير (4)
في كل حين لها في كلّ جارحة منا جراح و إن زاغت عن النّظر
تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به كالأيم ثار إلى الجاني من الزّهر (5)
و هو يتحدث عن الدهر و أنه دائما يرسل فواجعه على المحسوس و ما وراء المحسوس، ففيم الحزن على من يموتون، و هم ليسوا إلا أشباحا و صورا، و يقول إنني لا أقصّر في وعظك و نهيك عن الاستنامة إلى الدهر، و هو قد أنشب فيك نابه و ظفره. و يدعو اللّه أن يقيلنا و ينقذنا من عثرات الليالي و أن يسلط عليها الأحداث حتى تنهكها و لا تبقى فيها بقية، إذ في كل حين تصيبنا في عضو منا عزيز علينا بجراح، منها ما نراه، و منها ما يزيغ عن البصر، و إنها إن سرّت بشيء-و هيهات-فلكي تخدعنا به، بل لكي تلسعنا من خلاله اللسعة القاضية، كالأفعى المختبئة في الزهر تلسع يد قاطفه اللسعة السامة المميتة.
و يأخذ في العظة بذكر من أبادتهم الليالي و الأيام من الدول العظيمة منشدا:
كم دولة وليت بالنّصر خدمتها لم تبق منها-و سل دنياك-من خبر
هوت بدارا و فلّت غرب قاتله و كان عضبا على الأملاك ذا أثر (6)
و استرجعت من بنى ساسان ما وهبت و لم تدع لبنى يونان من أثر
و أتبعت أختها طسما و عاد على عاد و جرهم منها ناقض المرر (7)
و مزّقت سبأ في كل قاصية فما التقى رائح منهم بمبتكر (8)
و هو يقول: دول كثيرة أتاحت الليالي لها الظفر و الرفعة، ثم عادت فهوت بها من حالق، هوت بدارا ملك الفرس، فقتله الإسكندر المقدوني، و لم تلبث أن هدّت منه، و كان سيفا قاطعا ساطعا فثلّمته و حطمته. و قد استرجعت من بني ساسان ملوك الفرس كل ما وهبتهم من عز و مجد، و لم تدع لليونانيين شعب الإسكندر من أثر كأن لم يكونوا شيئا مذكورا. و بالمثل صنعت بقبيلتي طسم و أختها جديس في اليمامة، و كرّ الدهر على عاد و جرهم نكباته حتى محاهما محوا، و مزقت الليالي سبأ كل ممزق، فتفرق أهلها في الأرض و لم يلتق منهم رائح بغاد مبكر. و يمضي ابن عبدون في الحديث عمن أهلكتهم الليالي من أعاظم العرب في الجاهلية و الإسلام مشيرا معهم إلى كثير من الأحداث في العصر الجاهلي و صدر الإسلام و العصرين الأموي و العباسي مما يدل بوضوح على اتساع ثقافته و كيف يتحول التاريخ إلى شعر و فن، ثم يخاطب المتوكل عمر و آباءه بنى المظفر أمراء بطليوس:
بني المظفّر و الأيام ما برحت مراحلا و الورى منها على سفر
سحقا ليومكم يوما و لا حملت بمثله ليلة في مقبل العمر
من للأسرّة أو من للأعنّة أو من للأسنّة يهديها إلى الثّغر (9)
ويح السماح و ويح البأس لو سلما و احسرة الدّين و الدنيا على عمر
و هو يقول لبني المظفر بعد أن عدد لهم ما أبادته الليالي من الدول و العظماء تلك هي الأيام مراحل، و ما أشبه الناس فيها بقوافل راحلة إلى عالم الموت و الفناء، و يقول:
سحقا و بعدا لليوم الذي زالت فيه دولتكم و لا حملت بمثله ليلة تعسة من الليالي. و يبكيهم لعرش بطليوس و خيلها العادية و سيوفها الباترة، و يتوجع للسماح و للشجاعة، و يتحسر على ما خسر الدين من جهاد المتوكل للأعداء و خسرت الدنيا من مجده و أبهة إمارته.
و المرثية تعد من فرائد الشعر الأندلسي، بل الشعر العربي بعامة، و بدون ريب يعدّ ابن عبدون من أفذاذ الشعراء الأندلسيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) الخادرة: الساكنة. الغياض جمع غيضة؛ الأجمة.
٢) راجع الذخيرة ١/٨١٨.
3) لا آلوك موعظة: لا أقصر في وعظك.
4) أقال: تجاوز و صفح، الغير: أحداث الدهر.
5) الأيم: الأفعى.
6) العضب: السيف القاطع. أثر: فرند و رونق.
7) المرر جمع مرة: القوة. ناقض المرر: الدهر.
8) مبتكر: مبكر في الذهاب ضد رائح: راجع.
9) الثغر: جمع ثغرة: أعلى الصدر. يريد: طعنه بالأسنة صدور الأعداء.