الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن عبد ربه
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص188-189
22-7-2016
3402
الجسم في بلد و الروح في بلد يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد
إن تبك عيناك لي يا من كلفت به من رحمة فهما سهماك في كبدي
و كان سريع الغضب، و جرّ عليه ذلك اشتباكه مع القلفاط الشاعر معاصره في الهجاء، و نراه في كثير من أشعاره شابا و شيخا ميالا إلى التشاؤم و إلى ذم الدنيا و الناس و سوء الظن بالأشخاص. و ربما كان صادرا في ذلك عن نزعة دينية غرسها فيه شيوخه، و من بقيتها عنده أن نراه بأخرة من حياته يعارض كل مقطوعة غزلية أو خمرية في شبابه بمقطوعة في ذم الدنيا و التنفير منها، و سمّى تلك المقطوعات الممحّصات أي المخلصات من الذنوب، كأنما عدّ شعره في شبابه ذنوبا و آثاما و هو إنما كان في رأينا محاكاة للشعراء العباسيين لا اقترافا حقيقيا للآثام، لأنه لم يكن مهّيئا لذلك بحكم روحه المحافظة. و يدل على ذلك أبلغ الدلالة كتابه «العقد الفريد» و هو مطبوع بمصر مرارا في عدة مجلدات، و فيه يعرض الثقافة الأدبية المشرقية على نهج كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، و لم يعن فيه بالحديث عن أدباء بلده و شعرائه إلا ما كان من تمثله بكثير من أشعاره و ذكره لشاعر الأمير عبد الرحمن الأوسط يحيى الغزال، أما بعد ذلك فالكتاب مشرقي خالص بما فيه من شعر و نثر بحيث قال الصاحب بن عباد حين اطلع عليه: هذه بضاعتنا ردّت إلينا، و هو رمز واضح لروحه المسرفة في المحافظة.
و مع أن غزلياته و خمرياته و زهدياته يبدو فيها جميعا التكلف الشديد تتجلى في مدائحه شاعرية بارعة، و كأنما خلق للمديح أو مداحا، و بدأ مديحه مبكرا، و قد استهله بمديح الأمير محمد بن عبد الرحمن، و توفي فعنى بمديح ابنه المنذر و يؤثر له فيه قوله من مدحه:
بالمنذر بن محمد شرفت بلاد الأندلس
فالطير فيها ساكن و الوحش فيها قد أنس
و توفي المنذر و خلفه أخوه عبد اللّه (٢٧5-٣٠٠ ه.) و يمدحه لأول استيلائه على صولجان الحكم بقصيدة قافية يقول فيها متجاوزا كل حد في المبالغة على عادة الشعراء:
إذا فتحت جنّات عدن و أزلفت فأنت بها للأنبياء رفيق
و ينتصر عبد اللّه على ابن حفصون الثائر في إحدى المعارك معه سنة مائتين و ثمان و سبعين، و كان قد اشتدت شوكته و تداعى له-كما يقول ابن حيان-أهل الشر من أقطار الأندلس، فهنأه ابن عبد ربه بقصيدتين: حائية و جيمية، و في الثانية يقول:
هذى الفتوحات التي أذكت لنا في ظلمة الآفاق نور سراج
و يخلف عبد الرحمن الناصر (٣٠٠-٣5٠ ه.) جده عبد اللّه و كان ابن عبد ربه أحد معلميه و كان الناصر جديرا بكل حمد فعاش ابن عبد ربه بقية حياته حتى وفاته سنة ٣٢٨ يتغنى بفتوحاته و انتصاراته الضخمة على الثائرين في الداخل، و دانت له الأندلس و دان له ملوك النصارى و أمراؤهم في الشمال. و بمجرد استيلائه على مقاليد الحكم يعد جيشا جرارا لغزوة المنتلون، و يستولى فيها على مائتي حصن من حصون الثوار و يهنئه ابن عبد ربه بهذا النصر المبين مرارا منشدا:
في غزوة مائتا حصن ظفرت بها في كل حصن غواة للعناجيج (1)
ما كان ملك سليمان ليدركها و المبتنى سدّ يأجوج و مأجوج
و هو يعلى ملكه على ملك سليمان بن داود و ملك الإسكندر ذي القرنين باني سد بأجوج و مأجوج و صاحب الفتوح الكبرى. و لابن عبد ربه في حروب الناصر من سنة ٣٠٠ إلى سنة ٣٢٢ منظومة تاريخية يصف فيها انتصاراته على مدار تلك السنوات البالغة اثنتين و عشرين سنة، و هو يستهلها بالتسبيح و التحميد، و ينوه بالناصر و حسبه و نسبه و تقواه، ثم يقص غزواته موزعة على تلك السنين بهذا الأسلوب الذي نقرؤه في حديثه عن غزوة المنتلون بجيّان:
أرجفت القلاع و الحصون كأنما ساورها المنون)2)
و أقبلت رجالها وفودا تبغى لدى إمامها السّعودا
قلوبهم باخعة بالطّاعة قد أجمعوا الدّخول في الجماعة
و أسلوب ابن عبد ربه في المنظومة جميعها يخلو من التصاوير مما يدخلها في دوائر الشعر التاريخي التعليمي كمنظومة على بن الجهم التاريخية التي ألممنا بها في كتاب العصر العباسي الثاني، و في الحق أن أجنحة ابن عبد ربه كانت من القصر بحيث لم يستطع أن يحلّق فيها بين شعراء الملاحم المبدعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) العناجيج: الخيل.
2) أجفت : اضطربت من الفزع .ساورها : صارعها