الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن عبادة القزّاز
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص155-156
22-7-2016
2155
و لو لم أكن عبدا لآل صمادح و في أرضهم أصلى و عيشى و مولدي
لما كان لي إلاّ إليهم ترحّل و في ظلّهم أمسى و أضحى و أغتدي
و كان يلم بالمعتمد بن عباد و له أيضا فيه موشحات و مدائح، و يصفه ابن بسام بقوله عنه: «من مشاهير الأدباء الشعراء و أكثر ما ذكر اسمه و حفظ نظمه في أوزان الموشحات التي كثر استعمالها عند أهل الأندلس و هو ممن نسج على منوال ذلك الطراز، و رقم ديباجه، و رصّع تاجه، و كلامه نازل في المديح، أما ألفاظه في التوشيح فشاهدة له بالتبريز و الشفوف» . و ربما قسا ابن بسام عليه في حكمه على مديحه لروعة موشحاته روعة فاق بها كل أقرانه في زمنه حتى قالوا إنه لم يشق غباره واحد من معاصريه، و هو أحد خمسة أدار عليهم ابن سناء الملك حديثه و اختياراته من الموشحات في كتابه : دار الطراز، هو و معاصره ابن اللبانة ثم التطيلي و يحيى بن بقى من عصر المرابطين و أبو بكر بن زهر من عصر الموحدين، و من أروع موشحاته موشح غزلي يتكون قفله من ستة أجزاء بينما يتكون غصنه من أربعة أجزاء، و نكتفي منه بغصن بهر أبا بكر بن زهر، حتى أثر عنه أنه قال: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:
بدرتمّ شمس ضحى غصن نقا مسك شمّ
ما أتمّ ما أوضحا ما أورقا ما أنمّ
لا جرم من لمحا قد عشقا قد حرم
و الألفاظ رشيقة رشاقة لا تحدّ، رشاقة كأنما تطير بها في خفة فتحدث عبقا، و هو عبق مصدره الدقة في انتخاب الألفاظ و انتخاب الوزن، إذ هي مشتقة من بحر البسيط الرقيق العذب، إذ تتوالى الأجزاء في كل سطر على: فاعلن، مستعلن مستعلن فاعلن. و ليس هذا بالضبط عروض البسيط فعروض الأجزاء الأربعة المتوالية فيه مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، و قدم القزاز في الجزءين الأولين فاعلن على مستفعلن. و بمثل ذلك و بما قدمنا من تكوين الوشاح لعروض بعض موشحاته من تفعيلتين إحداهما من بحر و الثانية من بحر آخر على نحو ما مرّ بنا في قفل موشحتين للتطيلي و ابن اللبانة قال ابن بسام إن أكثرها يجري على الأعاريض المهملة غير المستعملة فظن «ريبيرا» و من تبعه خطأ بأنه يقصد أعاريض أعجمية لا يعرفها العرب، و هو إنما كان يقصد الأعاريض المهملة غير المستعملة عند العرب التي نص عليها الخليل بن أحمد، بما وضع في دوائر العروض الخمس من تفاعيل أدارها فيها مقدّما و مؤخرا في أسبابها و أوتادها و مستخدما إشارات من النقط و الحركات تصور ما يحدث في التفعيلات من زحافات بحيث تجمع الأعاريض أو الأوزان العروضية عند العرب و ما يمكن عقلا أن يستخدم من أوزان جديدة أهملها العرب و لم يودعوا فيها من أشعارهم شيئا. و كانت هذه الدوائر و ما يداخلها من أعاريض مهملة و كيفية استحداث تلك الأعاريض معروفة للأندلسيين منذ بدأوا في نظم الموشحات بدليل أن ابن عبد ربه المعاصر للقبري الوشاح الأول أثبتها مفصلة في كتابه العقد الفريد. و لابن عبادة بجانب الموشحة التي أنشدناها و التي أعجب ابن زهر بأحد أغصانها إعجابا شديدا أربع موشحات إحداها غزلية، و الثانية في وصف عرض لأسطول المعتصم في البحر المتوسط يوم المهرجان، و فيها نفس العذوبة و الرشاقة التي رأيناها في الموشحة السابقة كقوله يصف سفن الأسطول في أحد الأغصان:
و جاريات تجول مثل الجياد السابقه
إنشاء من في المحول ينشى السحاب الوادقه (1)
سمت على النجم طول منها فروع باسقه(2)
و الموشحة تردّ إلى بحر الرجز و زحافاته. و الموشحة الثالثة جمع فيها بنفس السلاسة و الانسياب بين مديح المعتصم بن صمادح و المعتمد بن عباد، و في أحد أقفالها يقول فيهما:
بحرا نعم لمن ورد ظمآن سيفا نقم لمن مرد(3)أو خان
و لعل فيما قدمنا ما يوضح نهج ابن عبادة القزاز و أنه كان يعنى بتقصير أجزاء القفل و الغصن حتى يتيح لموشحته كل ما يمكن من عذوبة النغم و حلاوته، و عادة لا يكتفي بذلك بل يعنى عناية شديدة بانتخاب ألفاظه، بحيث تعبق الموشحة بأريج عطر من النغم البديع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المحول: الجدب. الوادقة: الممطرة. و هو يشيد بجود المعتصم و قد أشاد طويلا ببسالته الحربية.
2) باسقة: عالية. يقصد الصواري و ما يرفع عليها و يمتدّ من القلاع.
3 (مرد: عتا و جاوز الحد.