الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن خاتمة
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص291-292
22-7-2016
2847
هو أبو جعفر أحمد بن علي بن خاتمة الأنصاري المريّى، ولد في نهاية القرن السابع أو مطلع القرن الثامن إذ يقال إنه توفي سنة ٧٧٠ أو قبلها بقليل عن سبعين عاما. و ليس بين أيدينا ما يوضح نشأته و ثقافته، غير أن في نهوضه بالإقراء للقرآن الكريم في مسجد المرية الجامع ما يشهد بأنه كان متعمقا في الثقافة الإسلامية من قراءات الذكر الحكيم و من الفقه و الحديث النبوي، و تؤكد ذلك مؤلفاته و أشعاره و ما تحمل من إشارات ثقافية إسلامية و أخرى لغوية. و نرى في أخباره زيارات كثيرة لغرناطة و انعقاد صلات بينه و بين أعلامها و خاصة وزيرها لسان الدين بن الخطيب، مما يدل على أنه اتصل بالأعمال الديوانية لأمير غرناطة، و لعله عمل كاتبا مدة في دواوين المرية بلدته التي كانت تتبع أمير غرناطة، إذ يذكر في ترجمته أنه تخلّى عن الكتابة، حتى إذا طلب إليه أن يعود إليها أنشد:
تقضّى في الكتابة لي زمان كشأن العبد ينتظر الكتابة
و كتابة العبد التي يشير إليها هي أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه مقسّطا، فإذا أدّاه صار حرّا، و هو يقول إنني قضيت في الكتابة زمانا غير قصير. مما يدل على أنه ظل يعمل في الكتابة لأولى الأمر ببلدته فترة و أنه استعفي منها فأعفى، و بذلك ردّت إليه حريته و لن يعود إلى حمل نير الكتابة أبدا. و تدل مؤلفاته أوضح دلالة على اتساع ثقافته و أنه لم يقف بها عند الثقافة الدينية و اللغوية، بل اتسع بها لتشمل الطب من علوم الأوائل كما يتضح في كتابه: «تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد» و فيه يتحدث عن وباء الطاعون الذي اجتاح المرية في عامي ٧4٩ و ٧5٠ و يفصل القول فيه و في أسبابه.
و له في التاريخ الأدبي كتاب مزية المريّة على غيرها من البلاد الأندلسية، و له في اللغة كتاب سماه: «إلحاق العقل بالحس في الفرق بين اسم الجنس و علم الجنس» و كتاب «إيراد اللآل من إنشاد الضوال و إرشاد السؤّال» . و له في الأدب رسالة صغيرة في «الفصل العادل بين الرقيب و الواشي و العاذل» و كتاب «رائق التحلية في فائق التورية» و ليس دراسة في التورية و إنما هو أشعاره الذي صاغها للتورية، و بها توريات عن مصطلحات علمية متنوعة.
و ديوان ابن خاتمة في نحو مائتي صفحة، و هو موزع على أربعة أقسام: قسم في المدح و الثناء، و قسم في التشبيب و الغزل، و قسم في الملح و الفكاهات، و قسم في الوصايا و الحكم، و نبذة كبيرة من الموشحات استغرقت نحو أربعين صحيفة، و تليها مستدركات المحقق على الديوان. و أكبر الأقسام قسم التشبيب و الغزل و هو في نحو خمسين صحيفة تضم تسعا و أربعين منظومة بين قصيدة و مقطوعة. و نشعر منذ أول قصيدة نقرؤها فيه أن منظوماته ليست ثمرة تجارب حقيقية في الحب، إنما هي محاولات لمحاكاة شعراء الغزل و النسيب السابقين، إذ يختار ابن خاتمة لنفسه وزنا من أوزان الشعر، و ينظم فيه أبياتا تتحدث عن الحب حديثا كله تكلف و تصنع لبيان قدرته على النظم في هذا الغرض القديم من أغراض الشعر العربي، و فيه تتجمع العناصر البدوية من أسماء المواضع و الأشجار و الأزهار و الآرام و غير الآرام من مثل قوله:
تهبّ نسيمات الصّبا من ربى نجد فينفحن عن طيب و يعبقن عن ندّ (1)
و ما ذاك إلا أنهنّ يجلن في معاهدنا بين الأثيلات و الرّند (2)
معاهد نهواها و تهوى لقاءنا بها قد مضى حكم العفاف على الودّ
و في القبّة البيضاء بيضاء لوبدت لشمس الضحى يوما لحارت عن القصد (3) تطلّع عن صبح من الوجه نيّر و تغرب عن ليل من الشّعر مسودّ
و نسيج الصياغة في الأبيات به غير قليل من الضعف، و المعاني و الصور مكررة معادة دون تحويرات فيها-على نحو ما رأينا عند ابن الزقاق-تعيدها خلقا جديدا، و دائما الخد كالورد و الريق كالشهد و المبسم كالعقد و الصدغ كالعقرب. و قد يختلط الغزل بالحماسة و لكن دون حرارة و مع غير قليل من التكلف كأن يزعم أن مقلة صاحبته تغير على الورى و أن أناملها النواعم مخضّبة بدمائهم. و لا نظلم ابن خاتمة فهو من أنبه الشعراء في زمنه، غير أن الشعر حينئذ نضب معينه، و استحال في كثير من جوانبه إلى صور من التكلف الشديد، و قد أصبح التصنع بدع العصر للإتيان بمحسنات البديع من جناس و طباق و لف و نشر و توريات و بذلك لم يعد الشعر في جمهوره يعبر عن عواطف و مشاعر صادقة للشاعر، و ربما كانت أجمل مقطوعة غزلية لابن خاتمة قوله:
زارت على حذر من الرّقباء و الّليل ملتفّ بفضل رداء
تصل الدّجى بسواد فرع فاحم لتزيد ظلماء إلى ظلماء
فوشى بها من وجهها و حليّها بدر الدّجى و كواكب الجوزاء
أقسمت لو لا عفّة عذريّة و تقى علىّ له رقيب رائي
لنقعت غلّة لوعتي برضابها و نضحت ورد خدودها ببكائي
و مع ذلك فإننا نشعر بغير قليل من التكلف في المقطوعة على نحو ما نرى في الشطر الثاني من البيت الثاني، و الصور في البيت الثالث متراكمة، و قسمه الذي مهّد به لعفته و تقاه الذي يراقبه في حبه، كل هذه صور من التكلف الشديد في الغزل. و يخف هذا التكلف في موشحاته بحكم القصر الشديد في شطورها، و بذلك لا تظهر فيها هلهلة النسيج التي تلاحظ بوضوح في كثير من أبيات شعره.
ـــــــــــــــــــــــــــ
١) الند: عود عطر الرائحة.
2) الأثيلات تصغير الأثلات: من أشجار البادية. و مثلها الرند و هو شجر طيب الرائحة.
٣) حارت: رجعت.