1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

ابن الجنّان

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص484-486

22-7-2016

5524

هو أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري المعروف باسم ابن الجنان، من أهل مرسية في شرقي الأندلس نشأ بها و حفظ القرآن الكريم و اختلف إلى حلقات شيوخها و نهل منها كل ما استطاع من علوم دينية و آداب عربية، و فيه يقول ابن الخطيب: «كان محمد راوية ضابطا، كاتبا بليغا و شاعرا بارعا» و يقول الغبريني: «كان من أهل الرواية و الدراية و الحفظ و الإتقان فقيها و كاتبا بارعا و أديبا» . و كان مفرطا في القصر حتى يظن مبصره أنه طفل ابن ثمانية أعوام. و لفضله و أدبه استكتبه المتوكل بن هود حين ملك مرسية سنة 6٢5. و ضاق بهذا العمل فتركه و حين تمكن العدو من قبضته على مرسية، سنة 64٠ خرج منها و استقر بمدينة أريولة شمالي مرسية. و سمع به ابن خلاص صاحب سبتة على الزقاق، فاستدعاه، و لبىّ دعوته، و أكرمه و حظى عنده، و نراه يتوجه إلى مدينة بجاية بإفريقية و يستقر بها إلى أن لبّى نداء ربه في عشر الخمسين و ستمائة.

و كان ابن الجنان شاعرا مبدعا كما كان كاتبا محسنا، و يقول ابن الخطيب «له في الزهد و مدح الرسول صلى اللّه عليه [و آله]و سلم بدائع، و نظم في المواعظ للمذكرين كثيرا» و أنشد المقري له في الجزء السابع كثيرا من مدائحه النبوية، و هو يسترسل فيها متحدثا عن شمائل الرسول و خصاله الكريمة و معجزاته الباهرة و نبوته و قدسيته و مرتبته العليا بين الرسل و شفاعته لأمته يوم الحشر، و ينشد له المقري مخمسا نبويا طريفا يستهله على هذا النحو:

اللّه زاد محمدا تكريما و حباه فضلا من لدنه عظيما 
و اختصّه في المرسلين كريما ذا رأفة بالمؤمنين رحيما 
صلّوا عليه و سلّموا تسليما

و يضيف إلى هذا الدور في المخمس نحو ثلاثين دورا، و المخمس يسيل سلاسة و عذوبة، و أدواره تختتم بقوله: «صلوا عليه و سلموا تسليما» . و لا تقل روعة عن مدائح ابن الجنان للرسول عليه السلام رسائله و مواعظه النبوية. و من أروعها رسالة احتفظ بها المقري كتب بها من الأندلس إلى سيد الكونين صلى اللّه عليه [و آله] و سلم، و فيها يقول:

«السلام العميم الكريم، و الرحمة التي لا تبرح و لا تريم (1)، و البركة التي أولها الصلاة و آخرها التسليم، على حضرة الرّسالة العامّة الدعوة و النبوّة، المؤيدة بالعصمة و الأيد و القوة، و مثابة البرّ و التقوى، فهي لقلوب الطيبين صفا و مروة )2)مقرّ الأنوار المحمدية، و البركات السّرمديّة، أمتع اللّه الإسلام و المسلمين بحراسة أضوائها، و كلاءة )3)ظلالها العليّة و أفيائها )4)، و أقر عين عبدها بلثم ثراها، و الانخراط في سلك من يراها. السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا أبا القاسم سلام من يمدّ إليك يد الغريق، و يرجو الإنقاذ ببركتك من نكد المضيق، و يتقطّع أسفا و يتنفّس صعدا (5)كلما ازدلف )6)إليك فريق، و عمرت نحوك طريق، و لا يفتر صلاة عليك له لسان و لا يجفّ ريق: كتبته يا رسول اللّه و قد رحل المجدّون و أقمت، و استقام المستعدون و ما استقمت، و بيني و بين لثم ثراك النبوي، و لمح سناك المحمدي مفاوز و كلما رمت المتاب رددت، و كلما يمّمت الباب صددت. . و حقّك و هو الحق الأكيد و القسم الذي يبلغ به المقسم ما يريد، ما وخدت )7)إليك ركاب، إلا و للقلب إثرها التهاب، و للدمع بعدها سحّ و انسكاب، و يا ليتني ممن يزورك معها و لو على الوجتين، و يحيّيك بين ركبها و لو على المقلتين. . ثم السلام و رحمة اللّه تعالى و بركاته عليك يا سيد الخلق، و أقربهم من الحق، و من طهّر اللّه تعالى مثواه و قدّسه، و بناه على التقوى و الرضوان و أسّسه، و آتاه من كل فضل نبوي أعلاه و أسناه و أنفسه. . كتبه عبدك المستمسك بعروتك الوثقى، اللائذ بحرمك الأمتع الأوقى، المتأخر جسما المتقدم نطقا، و السلام عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تسليما كثيرا و رحمة اللّه تعالى و بركاته» .

و الرسالة تموج بالعذوبة في اللفظ و الصياغة، مع ما تصور من لواعج الشوق المضطرم في صدر ابن الجنان لزيارة قبر الرسول القدسي و لثم ثراه العطر و الإلمام بفنائه السنىّ و إن قلبه ليتقطع أسى و إنه ليتنفس الصعداء حين يرى الحجاج الأندلسيين من دونه يسيرون في قوافلهم إلى بيت اللّه الحرام و زيارة الرحمة المهداة للأمة الذي أرسله اللّه نورا وضّاء للعالمين. و يفضى ابن الجنان إلى أسى و لوعة عميقين، حتى ليشعر كأن الدنيا تحولت من حوله إلى سجن رهيب و أغلال و أصفاد، فلا يستطيع فكاكا و لا لحاقا بالقوافل المتجهة إلى الأراضي المقدسة في الحجاز. و يذرف الدمع مدرارا، و يتمنى لو زار الرسول صلى اللّه عليه و سلم لا على قدميه بل على وجنتيه، حتى تكتحل عيناه بسنى النور المحمدي. و روى المقّري له موعظة بديعة في فضل الرسول و ما أنعم اللّه به على البشر من رسالته الزكية و ما أجرى عليه من معجزات فيها الآيات الكبر و الدلالات الواضحة الغرر، و يتلو المقري هذه الموعظة بموعظة ثانية يتحدث في نهايتها عن مصاب المسلمين بوفاة الرسول صلى اللّه عليه [و آله]و سلم و كيف عزّهم الصبر، يقول: «و هل يسوغ الصبر الجميل في فقيد بكته الملائكة و جبريل، و كثر له في السموات السبع النحيب و العويل، و انقطع به عن الأرض الوحي الحكيم و التنزيل؟ .

و يصور ابن الجنان كيف عمّ حينئذ الحزن و الاكتئاب، و كأنما دموع الصحابة السحاب، و يقول إن اللّه عز شأنه سينجز وعده له بالشفاعة و قيامه المقام الموعود على الحوض يوم القيامة مناديا في الناس هلموا إلى لتطفئوا حرارة العطش الملتهب في الصدور، و يتجه ابن الجنان إلى ربه داعيا:

«اللهم اسقنا من حوضه المورود، و شرّفنا بلوائه المعقود، و شفّعه فينا في اليوم المشهود، و ارحمنا به إذا صرنا تحت أطباق اللّحود، و انفعنا بمحبته و محبة آله و صحابته الرّكّع السّجود، و اجعلنا معهم في الجنة دار السلام و دار الخلود» .

و بهذه اللغة الصافية التي تموج بالرقة و العذوبة و التي تلذ الألسنة حين تنطق بها و الأسماع حين تنصت إليها كان ابن الجنان يمتع القلوب و الأفئدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) تريم: تبرح.

٢) السعي بين الصفا و المروة من شعائر الحج و فروضه و التشبيه واضح.

٣) كلاءة: حفظ.

4) أفيائها: ظلالها.

5) يتنفس صعدا: يتنفس مع مشقة و وجع.

6) ازدلف: دنا و قرب.

٧) وخدت: أسرعت.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي