1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

ابن دراج القسطلي

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  عصر الدول و الإمارات ،الأندلس

الجزء والصفحة:  ص190-193

24-3-2016

9364

هو أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج ولد سنة ٣4٧ في بيت من بيوت قبيلة صنهاجة المغربية بمدينة من أعمال جيّان تسمى قسطلة دراج، و في نسبتها إلى جده ما يدل على عراقة أسرته، و ألحقه أبوه منذ نعومة أظافره بكتاب حفظ فيه القرآن و بعض الأشعار على عادة لداته، حتى إذا أتم حفظ القرآن انتقل إلى حلقات الشيوخ بجيّان فاتسعت ثقافته اللغوية و الأدبية. و يبدو أن ملكته الشعرية تفتحت مبكرة، فأخذ ينظم الشعر حتى عرف بين شعراء بلدته، و لم يلبث أن تزوج و أنجبت له امرأته بنتا و طمحت نفسه إلى الشهرة، فرأى أن يرحل إلى قرطبة محاكيا بذلك بعض شعراء جيان ممن سبقوه إليها و نالوا فيها غير قليل من الشهرة مثل الغزال يحيى بن حكم شاعر الأمير عبد الرحمن الأوسط و أحمد بن فرج الجياني صاحب كتاب الحدائق شاعر الحكم المستنصر. و رحل إليها مخلفا وراءه زوجته و ابنته سنة ٣٨٢ و كان المنصور بن أبي عامر حاجب المؤيد هشام في الذروة من سلطانه، و كان يرعى الشعراء، و اتخذ لهم ديوانا لأعطياتهم و رواتبهم و أقام عليه أديبا بصيرا بالشعر هو عبد اللّه بن مسلمة فعرض عليه ابن دراج مدحة في المنصور أعجبته فقدمه إليه، و أخذ المنصور يختبر بداهته في نظم الشعر و هو يوفّق فيما يطلبه و يختبره فيه، و ألحقه بدواوينه و فسح له في مجالسه، و طلب إليه ذات مرة أن يعارض أبا نواس في رائيته: «أجارة بيتينا أبوك غيور» فنظم في معارضتها قصيدة بديعة صوّر فيها امرأته متلهفة عليه في وداعه مشفقة و رضيعها في المهد و هي تتجرع مرارة الفراق و تنتحب . . يقول:

و لما تدانت للوداع و قد هفا    بصبري منها أنّة و زفير 
تناشدني عهد المودّة و الهوىو   في المهد مبغوم النّداء صغير (1) 
تبوّأ ممنوع القلوب و مهّدت    له أذرع معطوفة و نحور 
و يطيل في تصوير هذا الوداع مما جعل القصيدة تطير شرقا و غربا، و يصور رحلته من جيان إلى قرطبة لزيارة المنصور و مديحه، و يشيد بجهاده للنصارى في الشمال و نصرته للدين الحنيف و انقضاضاته المتوالية على الأعداء. و كان ملوكهم ما يزالون يفدون عليه في قرطبة معلنين خضوعهم له و طاعته، و وفد في أول سنة نزل بها ابن دراج قرطبة ملك نبارّة معلنا ولاءه و محكّما له في نفسه، فأنشده مدحة يقول فيها:

ألا هكذا فليسم للمجد من سما    و يحمى ذمار الملك و الدين من حمى (2) 
فهذا عظيم الشّرك قد جاء خاضعا    و ألقى بكفّيه إليك محكّما 
و وفد في نفس السنة أمير قشتالة و ولى عهدها على المنصور، و يصف في لامية له مثوله خانعا بين يدي المنصور و العرض العسكري الرهيب الذي أقيم لاستقباله. و لا يفد أمير و لا ملك إلا و ابن دراج يشيد بالمنصور و يمدحه، و بالمثل كان يوالى مدائحه فيه مع انتصاراته المتعاقبة، و معروف أن المنصور غزا طوال حجابته اثنتين و خمسين غزوة، و حضر ابن دراج غزواته الأخيرة، و مع كل غزوة كان يغزوها ينشده مدحة بديعة كان بحقّ أهلا لها و جديرا، و من أهم تلك الغزوات غزوة شنتياقب في جلّيقية بأقصى الشمال الغربي لإسبانيا و فيها دمر المسلمون تلك البلدة مشعلين النار فيها و في كنيستها، و تعدّ من أهم مراكز الحج عند المسيحيين و في تلك الوقعة يقول ابن دراج في مدحه بديعة:

لقد قصمت عرى دين الضلالة من     رأس القواعد ممنوع الحمى أشبه (3)
و سمته جاحما للنار ما بقيت     نفس من الكفر إلا و هي من حطبه
فاللّه جازيك يا منصور غزوته     بسيف ماض لنصر الدين محتسبه
و توفى المنصور بن أبي عامر سنة ٣٩٢ و يخلفه ابنه المظفر عبد الملك و كانت مدته حتى سنة ٣٩٩ فترة رخاء و رفاهية، و سكن الناس منه إلى عدالة و نزاهة، و استنّ سنة أبيه في غزو النصارى، و لابن دراج فيه مدائح مختلفة. و خلفه أخوه عبد الرحمن في الحجابة لمدة شهرين إذ قتل في إثرهما و كان نحسا على نفسه و على الأندلس إذ انفتح به باب فتنة ظلت قرطبة تعاني منها أشد العناء نحو عشرين عاما هدّمت فيها أحياء و هدمت الزهراء مدينة عبد الرحمن الناصر و الزاهرة مدينة المنصور بن أبي عامر. و نجد ابن دراج يقدم مدائحه لمن يستولون على صولجان الخلافة و الحكم واحدا بعد الآخر، فهو يقدمها للخليفة الجديد المهدى، ثم للخليفة الثائر عليه المستعين و لوزيره القاسم الحمودي و يعبر الزقاق إلى سبتة لمديح أخيه علي بن حمود و يستظهر في مديحه مشاعر التشيع له، لنسبه و نسب أسرته إلى الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم. و مرّ بنا أن الحموديين لم يستشعروا حقوق أهل البيت النبوي في الخلافة، و لذلك كان مثل هذا التشيع لا يلقى منهم استجابة. و يترك ابن دراج علي بن حمود إلى الأمراء الذين استولوا في أثناء الفتنة على بلدان الأندلس الشرقية: مرسية و شاطبة و طرطوشة و المرية و صاحبها خيران الصقلبي، و يمدحه بنونية يستهلها بقوله لك الخير قد أوفى بعهدك خيران و بشراك قد آواك عزّ و سلطان
و يقصّر خيران في جزائه، و ينتهي به المطاف-بعد سنوات ثمان مضنية-إلى الأمراء التجيبيين في سرقسطة سنة 4٠٨ و يهنأ بها في رعاية منذر بن يحيى التحيبى و لا يترك مناسبة إلا و يمدحه فيها و خاصة حين ينكّل بالنصارى المجاورين لإمارته على نحو ما نرى في عينيه، يهنئه فيها بجهاده في شهر رمضان و ظفره بأعدائه، يقول فيها:

ساقى الحياة لمن سالمت، مطعمها      ذعاف سمّ لمن حاربت ناقعه (4)
مواصلا بالنّدى ما اللّه واصله      و قاطعا بالظّبى ما اللّه قاطعه
في جيش عزّ و نصر أنت غرّته      و شمل دين و دنيا أنت جامعه
و توفى منذر سنة 4١٢ فتظل له نفس المنزلة و الرعاية عند ابنه يحيى، حتى إذا كانت سنة 4١٩ و سمع بما ذاع و شاع عن مجاهد أمير دانية و الجزائر الشرقية و إسباغه العطايا الجزيلة على الشعراء و العلماء وفد عليه مادحا بقصيدة بديعة استهلها بقوله:

إلى أىّ ذكر غير ذكرك أرتاح     و من أىّ بحر بعد بحرك أمتاح
و احتفل مجاهد بقدومه عليه و أجزل له في العطاء مما جعله يؤثر المقام عنده و لكن القدر لم يمهله فقد توفي بدانية بعد عامين من نزوله بها سنة 4٢١

و قد أشاد بابن دراج كل من كتبوا عنه شرقا و غربا، فالثعالبي يقول عنه في اليتيمة:

«كان بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام و هو أحد الشعراء الفحول و كان يجيد ما ينظم» و يقول ابن حيان عنه: «أبو عمر بن دراج القسطلي سبّاق حلبة الشعراء العامريين و خاتمة محسني أهل الأندلس أجمعين» و يصفه ابن شهيد «بجزالة شعره و صحة قدرته على البديع و حوك الكلام و تلاعبه بالمعاني و إطالته فيها» و يقول ابن بسام عنه:

«لسان الجزيرة شاعرا و آخر حاملي لوائها، سار نظمه و نثره مسير الشمس» و يلاحظ بحق كثرة اقتراضه للمعاني من المتنبي، و لا حظ ابن شهيد كثرة استخدامه للبديع، و كأنه يحاكي فيه أبا تمام، و قد عرضنا من ذلك أمثلة في ترجمتنا له بكتاب «الفن و مذاهبه في الشعر العربي» ، كما عرضنا أمثلة أخرى تدل على ميله للتصنع، إذ يتصنع في بعض شعره للمصطلحات العلمية. و مما يلاحظ عليه أنه يكثر عنده حين يلم بمعنى أن يطيل فيه حتى يفقد حرارته، و أيضا يلاحظ عليه كثرة معارضاته لقصائد المشارقة و خاصة أبا نواس و أبا تمام و المتنبي، و هو-كما ذكرنا في كتاب الفن و مذاهبه في الشعر العربي-يلتقي صوته في أشعاره بصوت ابن هانئ في العناية باللفظ الطنان و قعقعاته، و تعلق منذ قصائده الأولى بالشكوى من الدهر و السخط على الناس محاكيا بذلك المتنبي في مطالع كثير من قصائده، و ازداد هذا النغم عنده منذ الفتنة التي جعلته يحس بالضياع سنين عديدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) مبغوم النداء: رقيقه و لينه.

 2 )ذمار الملك: ما ينبغى حياطته و الدفاع عنه.

3 )أشب: ملتف الشجر، و يقصد الكنيسة و كانت على مرتفع غاص بالشجر.

4) السم الذعاف: السم القاتل.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي