الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن اللبانة
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص342-344
24-3-2016
5637
شوقي ضيف
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس :ص342-344
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو أبو بكر محمد بن عيسى الّلخمي الداني، من دانية على البحر المتوسط، إحدى المدن الأندلسية التي كانت مليئة بالعلماء و الكتاب و الشعراء، و هو منسوب إلى أمه، و كانت امرأة صدق، تشتغل ببيع اللبن، حتى غلب اسمه عليها، و نسب أولادها إليها، و عنيت به و بتربيته، فثقف الآداب العربية و تفتحت ملكته الشعرية مبكرة، فتردد على أمراء الطوائف، و كلهم أعجبوا بشعره. و استقر أخيرا عند المعتمد بن عباد، إذ كان أكثرهم نوالا، و ظل عنده حتى استنزله ابن تاشفين من إمارته، و أخذ بعده يتنقل في البلاد، و زاره بأغمات في منفاه، و عاد إلى الأندلس، و ألف كتابه «سقيط الدرر و لقيط الزهر» و تدل نقول ابن سعيد عنه أنه كان في أخبار الشعراء، و حاضر به في المريّة بجنوبي الأندلس على المتوسط-كما يقول ابن الأبار-سنة 4٨6 و لا ندري هل عاد إلى زيارة المعتمد في أغمات أو لم يعد، غير أنه لما توفي رثاه رثاء حارا. و نراه يلحق بناصر الدولة مبشر بن سليمان بميورقة، و يبدو أن كلا منهما أهدى صاحبه خير ما عنده، أهداه ناصر الدولة الأموال و أهداه ابن اللبانة الأشعار و المدائح البديعة، و ما زال ابن اللبانة يعيش في رعايته حتى توفي في الجزيرة سنة 5٠٧. و ضرب ابن اللبانة مثلا رائعا في الوفاء للمعتمد بن عباد، فقد بكى دولته مرارا و تكرارا، و من أروع ما قاله من ذلك دالية، و هو يفتتحها على هذه الشاكلة:
تبكي السماء بدمع رائح غادى على البهاليل من أبناء عبّاد (1)
على الجبال التي هئدت قواعدها و كانت الأرض منهم ذات أوتاد (2)
عرّيسة دخلتها النائبات على أساود منهم فيها و آساد (3)
إن يخلعوا فبنو العبّاس قد خلعوا و قد خلت قبل حمص أرض بغداد (4)
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ في ضمّ رحلك و اجمع فضلة الزاد
و يا مؤمّل واديهم لتسكنه خفّ القطين و جفّ الزّرع بالوادي )5)
و هو يقول إن السماء تبكى بسحبها على السادة من بني عباد الذين كانت الأندلس ترسو بهم كما ترسو الأرض بالجبال و إن قصورهم بإشبيلية لغابة اقتحمتها الكوارث على أسد مفترسة و حيّات ضخمة سامة. و يعزّى ابن اللبانة نفسه و أهل إشبيلية بأن لهم أسوة في خلع آل عباد بمن خلعوا قبلهم من الخلفاء العباسيين. و يلتفت إلى من كانوا ينزلون بالمعتمد و آبائه طالبين القرى و الضيافة، فيقول لهم إن بيت الكرم و الجود أغلقت أبوابه، فاستعدوا للرحيل و اجمعوا بقايا الزاد إن كانت هناك بقايا، و يقول لمن كانوا يأوون إلى ظلالهم رحل السكان و جفّ الزرع بالوادي الذي كان خصبا ممرعا. و يصوّر مشهد المعتمد و أهله، و قد هبطوا من قصورهم لركوب السفن في نهر إشبيلية الكبير متجهين إلى طنجة و قد تجمع أهلها يودّعونهم، يقول:
نسيت إلا غداة النّهر كونهم في المنشآت كأموات بألحاد
و الناس قد ملأوا العبرين و اعتبروا من لؤلؤ طافيات فوق أزباد (6)
حطّ القناع فلم تستر مخدّرة و مزّقت أوجه تمزيق أبراد (7)
حان الوداع فضجّت كلّ صارخة و صارخ من مفدّاة و من فادي
سارت سفائنهم و النّوح يصحبها كأنها إبل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع و كم حملت تلك القطائع من قطعات أكباد (8)
يقول إنني مهما نسيت فلن أنس رحيل المعتمد و آله في السفن، و كأنها مقابر نزلوها و الناس قد ملأوا الشاطئين متعجبين لتلك اللآلئ من النساء تطفو على الماء فوق زبده و لا ترسب في القاع. و يقول إنهن سرن من قصورهن سافرات لحزنهن يلطمن و يخمشن وجوههن بأظافرهن لفجيعهتن. و ضج الرجال و النساء على الشاطئين، و ضجّ من في السفن و ضج المفدّون الملوحون لهم بأيديهم، و سارت السفن يصحبها الندب و النواح كما يصحب الحداء الإبل السائرة في الصحراء، و كم سال في ماء الوادي الكبير من دمع و كم حملت تلك السفن من فلذات أكباد. و المرثية طويلة. و وفد ابن اللبانة على المعتمد في أغمات-كما يقول ابن بسام-وفادة وفاء لا وفادة استجداء، و انقطع إليه انقطاع وداد لا انقطاع استرفاد، و يقول إنه مدحه للوفاء بأحسن مما مدحه به للعطاء، و بذلك ملأ قلوب العرب في كل مكان-إلى اليوم-عطفا على المعتمد. و كأنما غسل بدموعه عليه سيئات حكمه من أدائه الجزية للملك النصراني في الشمال و محاربته لجيرانه من الأمراء المسلمين أبناء دينه و إنفاقه الأموال بسخاء على مجونه و ملذاته كأنه يملك خزائن قارون ثم موقفه بأخرة من ابن تاشفين بطل الزلاقة منذ سنوات تعد على أصابع اليد الوحدة، إذ استنجد ضده بألفونس السادس عدو الإسلام و المسلمين. كل هذه السيئات استطاع ابن اللبانة أن يمحو دنسها عن المعتمد بعويله و تفجعه الملتاع على دولته. و كما كان ابن اللبانة شاعرا كبيرا كان وشاحا كبيرا أيضا، و له موشحات كثيرة مدح بها المعتمد بن عباد، و هو أحد أربعة من وشّاحي الأندلس أدار عليهم ابن سناء الملك اختياراته من موشحات الأندلسيين في كتابه «دار الطراز»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) رائح غادى: راجع ذاهب. البهاليل: السادة.
2) أوتاد: جبال.
3) أساود جمع أسود: الأفعى الكبير. العريسة: غيل الأسد و الآساد.
4) حمص: إشبيلية.
5) خف القطين: رحل السكان.
6) العبرين: الشاطئين.
7) المخدرة: السيدة ملازمة الخدر أو البيت.
8) القطائع مثل المنشآت: السفن.