الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الحَكم الربضي
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج4، ص88-92
11-3-2016
9418
هو أبو العاص الحكم الربضيّ بن هشام الرضيّ بن عبد الرحمن الداخل - و أمّه أمّ ولد اسمها زخرف - ولد سنة 154(٧٧٠ م) ، و هو الابن الثاني لهشام الرضيّ، قدّمه أبوه على أخيه البكر عبد الملك في ولاية العهد. بويع بالحكم في رابع صفر ١٨٠(١٨/4/796) .
لمّا جاء الحكم إلى الحكم نازعه أخواه سليمان و عبد اللّه و ثارا عليه. أمّا سليمان فقتل (184 ه) . و أمّا عبد اللّه فلم يكن صلب العود كأخيه سليمان، فلمّا قتل سليمان طلب عبد اللّه الأمان من أخيه الحكم فأمّنه و فرض عليه الإقامة في بلنسية، فعرف منذ ذلك الحين بالبلنسيّ. ثمّ استمرّ عبد اللّه البلنسي على الطاعة فكان أخوه الحكم يرسله لإخضاع الثائرين أو لغزو بلاد الفرنجة (الإسبان) .
و منذ مطلع إمارة الحكم بدأت عليه الثورات في سرقسطة و طليطلة و ماردة و غيرها. و لكنّ أعظم الفتن في أيامه كانت في ربض قرطبة (الضاحية الجنوبية منها) و في طليطلة:
كان هشام الرضيّ (والد الحكم) تقيّا حليما فكان للفقهاء في أيامه نفوذ كبير. أمّا الحكم فكان أيضا تقيّا يقرّب إليه العلماء و الفقهاء، و لكنّه كان حازما شديدا على المخالفين له قاسيا في معاملة خصومه. فاجتمع عمّاه مسلمة و أميّة (ابنا عبد الرحمن الداخل) و الفقيهان يحيى بن يحيى الليثي و طالوت بن عبد الجبّار و أخذوا يثيرون عليه العامّة. ثمّ نقل إليه أنّهم كانوا يريدون خلعه. و يبدو أن الدعاة الفاطميّين و الدعاة العبّاسيّين كانوا وراء هذه الحركة. فلمّا حدثت الثورة عليه بربض قرطبة أخضع الثائرين بقسوة و أمر بقتل اثنين و سبعين من رؤسائهم.
و من أخطاء الحكم أنّه اتّخذ بعد هيجة الربض الأولى حرسا من نصارى الأندلس و جعل القائد عليهم القومس ربيعة بن تيودولفو (النصراني) ، فكان هؤلاء أيضا يكيدون له. فحدثت في الربض هيجة ثانية (في رمضان سنة ٢٠٢) فكان القضاء عليها أشدّ قسوة إذ قتل الحكم جماعة من أهل الربض و نفى آخرين عن الأندلس. من أجل ذلك عرف بلقب «الربضي» :
و كذلك كان أهل طليطلة كثيري الفتن فدبّر الحكم لهم مكيدة ثم أوقع بهم (١٩١ه) وقعة عرفت باسم يوم الحفرة.
و كثرت غزوات الحكم للبلاد التي كانت باقية في يد الإسبان. إنّ البابويّة و الإفرنجة وصلوا أيديهم بأيدي نصارى الأندلس و أخذوا يهاجمون البلدان الإسلامية. و كان شارلمان ملك فرنسة و إمبراطور الغرب (ت 814 م-١٩٩ ه) يقود الحملات على شماليّ الأندلس بنفسه، فكان الحكم يرسل الجيوش لغزو البلاد الخاضعة للأمراء الإسبان أو للفرنجة في شماليّ الأندلس. و في سنة 185 سقطت برشلونة في يد شارلمان.
و كانت وفاة الحكم في آخر سنة 206 ه (ربيع ٨٢٢ م) .
كان الحكم حازما، و لكنّ حزمه كان يبلغ به أحيانا إلى حدّ القسوة. غير أنه كان عادلا. و هو أوّل من اتّخذ المرتزقة من غير المسلمين، من النصارى و الوثنيّين (من الإسبان و الفرنجة و الجرمان و سواهم) و كان يسمّيهم «الخرس» (لعجمتهم: لجهلهم اللغة العربية) . و لم يقتصر اعتماده على العرب، بل قرّب إليه العرب و البربر و المولّدين (المسلمين من أهل الأندلس الأصليّين) و الصقالبة (السلاف، سكان شرقيّ أوروبّة) ، و إن كانت كلمة «صقالبة» تطلق في الأندلس على جميع الأوروبيّين غير المسلمين ممّن دخلوا في الجيش الأندلسيّ خاصّة. و في أيام الحكم بدأت العصبية العربية تضعف إذ كثر في أيامه اختلاط العرب بالمولّدين من طريق الزواج.
و كان الحكم «أديبا مفتنّا (كثير التفنّن) : خطيبا مفوّها و شاعرا مجوّدا تحذر صولاته و تستندر أبياته» (الحلّة السيراء 1:43) . و معظم شعره الحماسة و النسيب و الوصف.
مختارات من شعره:
للحكم الربضيّ شيء من النسيب منه:
ظلّ من فرط حبّه مملوكا... ولقد كان قبل ذاك مليكا
إن بكى أوشكا الهوى زِيدَ ظلماً... وبُعاداً يُدني حِماماً وشيكا(1)
تركته جآذر القصر صبّاً... مستهاماً على الصعيد تريكا (2)
يجعل الخدّ ماثلا فوق تربٍ... و هو لا يرتضي الحرير أريكا (3)
هكذا يحسن التذلّل بالحرِّ... إذا كان في الهوى مملوكا
و كانت له خمس جوار مصطحبات متّفقات. و لعلّه أغارهنّ يوما فاتّفقن على أن يظهرن له شيئا من الدلال و التمنّع، فقال
قضبٌ من البان ماست فوق كثبانِ... وَلَّين عنّي و قد أزمعن هجراني (4)
ناشدتّهنّ بحقّي فاعتزمن على الـ ...ـعصيان حتّى حلا منهنّ عصياني (5)
ملكنني مُلك من ذلّت عزائمه... للحبّ ذُلّ أسيرٍ موثق عان (6)
من لي بمغتصبات الروح من بدني... يغصبنني في الهوى عزّي و سلطاني
- و قال بعد أن قضى على الفتنة في الربض:
رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعاً... و قِدماً لأمتُ الشَعب مذ كنت يافعا (7)
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرةٌ... أبادرها مُستنضيَ السيف دارعا (8)
تنبّئك أني لم أكن في قراعهم... بوان، و قدما كنت بالسيف قارعا (9)
و إنّي إذا حادوا حذارا من الردى... فلست أخا حيدٍ عن الموت جازعا (10)
حميت ذماري فانتهكت ذمارهم... و من لا يحام ظلّ خزيان ضارعا (11)
و لمّا تساقينا سجال حروبنا... سقيتهم سَجْلاً من الموت ناقعا (12)
و هل زدت أن وفّيتهم صاع قرضهم... فلاقوا منايا قدّرت و مصارعا (13)
فهاك بلادي، إنّني قد تركتها... مهادا و لم أترك عليها منازعا (14)
___________________
١) الحمام: الموت. وشيك: قريب.
٢) الجؤذر (بضمّ فسكون فضمّ) : الغزال الصغير (الفتاة الجميلة) . الصبّ: المحبّ. المستهام: الذي كاد يجنّ من شدّة الحب. الصعيد: الأرض. التريك: عنقود (العنب) أو عذق (بكسر العين) النخل إذا جرّد من ثمره (شيء متروك لا قيمة له) .
٣) الماثل (الواقف-الموضوع) . الأريكة: الكرسي الفاخر، العرش.
4) القضيب (كناية عن القامة الجميلة) البان: شجر أغصانه تامّة الاستقامة. ماس: تمايل. الكثيب: تلّة الرمل (كناية عن عجيزة المرأة أو رد فيها) . ولّى: ذهب، انصرف، مال. أزمع: قصد.
5) حلا منهنّ عصياني: أحببت عصيانهنّ لي.
6) موثق: مقيّد. العاني: الذليل، الأسير.
٧) الصدع (بالفتح) : الشقّ. رأب (أصلح الشقّ بالجمع بين جزئيه) . لأم: رأب. الشعب (بالفتح) الانفراج بين جبلين (الشقّ) . اليافع: الذي لم يبلغ الحلم بعد.
٨) الثغر: المكان الذي يخشى مجيء العدوّ منه. ثغرة: انفراج في سياج و نحوه. نضا السيف: أخرجه من قرابه. الدارع لابس الدرع.
9) القراع: الضرب بالسيف. الوابي: الضعيف.
10) (إذا الملوك) حادوا (مالوا) حذار (حذر: خوف) الردى (الموت) .
11) الذمار: ما تجب على الإنسان حمايته. الضارع: الضعيف.
12) السجل: الدلو العظيم. الناقع: (سمّ) شديد قاتل.
13) وفّيتهم صاع قرضهم (دينهم-بفتح الدال) : قاتلتهم قتالا مثل قتالهم لي.
14) مهادا: مستوية، مستقرّة، هادئة