الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أفلح بن عبد الوهاب
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج4، ص108-112
11-3-2016
12561
هو أبو سعيد أفلح بن عبد الوهّاب بن عبد الرحمن بن رستم الإمام الثالث في الدولة الإباضية في تيهرت بويع له بالإمامة (سنة ١٩٠) يوم وفاة أبيه. و مع أنّه كان ذا عزم و حزم ضابطا لأموره فقد كثرت عليه الفتن و الحروب. من أشهر حروبه و أكبرها حربه مع خلف بن السمح بن أبي الخطّاب عبد الأعلى (و كان السمح هو الإمام الأول بطرابلس و وزيرا لأفلح ثمّ واليه على جبل نفّوسة) . و لكنّ خلفا طمع في الإمامة (العامة) و نصب الحرب لأفلح. فولّى أفلح على جبل نفّوسة أبا الحسن أيوب بن العبّاس. و يبدو أن أبا الحسن هذا توفّي وشيكا فولّى أفلح بعده أبا عبيدة عبد الحميد الجنّاويّ (الأزهار الرياضية 2:152) فحارب أبو عبيدة خلفا و تغلّب عليه في ثالث عشر رجب من سنة ٢٢١. و قد نصب الحرب أيضا لأفلح رجل يعرف بابن فندين، كما كان عدد من القبائل يخرج عن طاعته مرّة بعد مرّة.
و كانت لأفلح صلات حسنة بملوك السودان (الغربي) و بملوك الأندلس الذين عاصر منهم ثلاثة هم الحكم الأول (١٨٠-206 ه) و عبد الرحمن الأوسط و محمّد بن عبد الرحمن (٢٣٨-٢٧٣ ه) . و لمّا بنى محمّد بن إبراهيم بن الأغلب قرب مدينة تيهرت مدينة سمّاها «العبّاسية» سار إليها أفلح و أحرقها، سنة ٢٢٧ (1) و كتب بذلك إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط فأرسل إليه عبد الرحمن مائة ألف درهم (2).
و كانت وفاة أفلح سنة 240(855 م) بعد أن بقي في الإمامة خمسين سنة.
كان أفلح بن عبد الوهّاب فقيها، كما كان أديبا له نثر و نظم. و لم يكن في نثره و نظمه ابتكار، بل كانت آثاره مجموعا من الآراء العامّة المعروفة السائدة، إلاّ أن سبكه لهذه الآراء و الأقوال المعروفة كان سبكا سائغا جميلا ذا أثر في النفوس. و تكاد تكون جميع آرائه و تعابيره اقتباسا من القرآن و الحديث. و لآثاره قيمة واضحة هي أنّها تمثّل رأي الإباضية في الدين و الأخلاق و في المسلك العمليّ في الحياة.
مختارات من آثاره:
-النصيحة العامّة:
من أفلح بن عبد الوهّاب إلى من بلغه كتابنا هذا من المسلمين. أمّا بعد، فالحمد للّه الذي هدانا للإسلام و أكرمنا بمحمّد عليه السلام. و أبقانا بعد تناسخ (3) الأمم حتّى أخرجنا في الأمة المكرّمة التي جعلها أمّة وسطا شاهدة لنبيئها بالتبليغ و مصدّقة لجميع الأنبياء و شاهدة على جميع الأمم بالبلاغ من الأنبياء عليهم (4) السلام منّا من اللّه و رحمة. أرسل إلينا نبيئه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بالهدى و وعده بالنصر على الأعداء و ضمن له الفلج و الغلبة و وعده بالعصمة (5) و قال له عزّ و جلّ: «يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ، بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ. وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ» (6) . فأدّى ما أمره اللّه به و نصح لأمّته و دعا إلى سبيل ربّه و جاهد عدوّه و غلظ على الكفّار و لان للمؤمنين، فكان لهم كما وصفه اللّه تعالى رؤوفا رحيما. حتّى انقضت مدّته و فنيت أيامه و اختار له ربّه ما عنده فقبضه (7) إليه محمود السعي مشكور العمل صلّى اللّه عليه[وآله] و سلّم. فلم تبق خصلة من خصال الخير الدالّة على الرشد إلاّ دعا إليها و سنّها أو فرضها أو أوجبها، و لم تبق خصلة من خصال الشر الداغية إلى الهلكة إلاّ زجر عنها و أمر باجتنابها رحمة من اللّه لعباده. فله الحمد على ذلك كثيرا. ثمّ أمر تعالى بالجهاد في سبيله و القيام بحقّه و الأخذ بأمره و الانتهاء عمّا نهى عنه، و فرض الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إغاثة الملهوف و القيام مع المظلوم و القمع (8) للظالمين لكيلا تقوم للشيطان دعوة و لا تثبت لأهل حزبه قدم و لا ينفذ لهم حكم. . .
ثمّ أحذّركم أهل البدع الذين لم يعرفوا حقّا فيتّبعوه و لم يلقوا أهل العلم فيقتبسوا منهم الدين. عاشوا مع أهل الجهل فخلا بهم الشيطان و نفخ في قلوبهم الكبر و أورثهم العجب فاستحيوا (9) أن يقولوا فيما لا يعلمون «لا نعلم» . فأفتوا برأيهم (10) أقواما جهلة لا يعرفون ما يقال لهم: قلّدوهم (11) دينهم و ألزموا أنفسهم الرأي فاتّبعوهم على بدعتهم فضلّوا و أضلّوا كثيرا و ضلّوا عن سواء السبيل. . . فاحذروا، معاشر المسلمين، من كانت هذه صفته و من حلّ بهذه المنزلة و رضيها لنفسه. و اعلموا أنّ من كان كهذا فقد صار من حزب الشيطان و أوليائه. . .
هذا، و قد بالغت إليكم في النصيحة و شرحت لكم الموعظة و رضيت لكم بما رضيت به لنفسي و نهيتكم عمّا أنهى عنه نفسي نصيحة للّه و اجتهادا في طلب رضائه. . .
- فضل العلم. قال من قصيدة له:
للّه عصبة أهل العلم إنّ لهم... فضلا على الناس غيّابا و حضّارا (12)
العلم علم، كفى بالعلم مكرمة... و الجهل جهل، كفى بالجهل إدبارا (13)
للعلم فضل على الأعمال قاطبة... عن النبيء روينا فيه أخبارا (14)
يقول: طالب علم بات ليلته... في العلم أعظم عند اللّه أخطارا
من عابد سنة للّه مجتهدا... صام النهار و أحيا الليل إسهارا
و قال: إنّ مداد الطالبين على... ثيابهم و على القرطاس أسطارا (15)
مثل (16) دم الشهداء المكرمين لهم... فضل؛ فأكرم بأهل العلم أخيارا
أكرم بهم من ذوي الفضل المبين، لهم... إرث النبوّة في أيديهم صارا (17)
و لا تكن جامعا للصحف تخزنها... كالعير يحمل بين العير أسفارا (18)
فاطلب من العلم ما تقضى الفروض به... و اعمل بعلمك مضطرّا و مختارا (19)
و اجعله للّه، لا تجعله مفخرة... و لا ترائي به بدوا و أحضارا (20)
مولاك يعلم ما تخفي الصدور، فلا... يكن لك الحلم من مولاك غرّارا (21)
و لا تداهن إذا ما قلت مسألة... أضررت بالدين-إن داهنت-إضرارا (22)
و عاشر الناس-و انظر من تعاشره... قصدا، و لا تكثرنّ الصحب إكثارا (23)
فربّ مكثر صحب لا يزال يرى... لنفسه قرناء السوء أشرارا
_____________________
١) في تاريخ ابن الأثير (6:5١٩) أن هذه الحادثة كانت في سنة ٢٣٩(نقلا عن فتوح البلدان للبلاذري، ص 234) ، فتكون الحادثة حينئذ في أيام الأمير محمّد.
٢) يقول الباروني (الأزهار الرياضيّة 186-١٨٧) أن أفلح كان يهادي ملوك الأندلس بالمال، و أنّ أفلح لم يتقرّب بإحراق العبّاسية تقرّبا لملوك الأندلس، بل كان ملك الأندلس هو الذي تقرّب من أفلح بالمال.
3) تناسخ الأمم (هنا) تطوّر بعض الأمم من بعض و ترقّيها في سلّم الحضارة.
4) هذه الجملة مقتبسة من ثلاث آيات: من سورة البقرة (2:143) «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى اَلنّاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» ثمّ من سورة آل عمران (٣:١١٠) «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ (بفتح الهاء) عَنِ اَلْمُنْكَرِ» ثمّ من سورة النساء (4:4١) «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» . -هذا مثال واحد، و معظم جمل أفلح تشبه ذلك.
5) العصمة (هنا) : الحماية من الناس (دفع ضرر الناس عن الرسول) ، راجع الآية المستشهد بها. الفلج الظفر.
6) راجع سورة المائدة (5:6٧) .
7) اختار له ربّه ما عنده (عند ربّه) : فضّل له الحياة الأخرى على هذه الحياة الدنيا. قبضه إليه: توفّاه (نقله من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى) .
8) الملهوف: المظلوم الذي يطلب من الناس مساعدتهم. القمع: القهر و الإذلال.
9) الكبر: الجبر و التعاظم على الناس. العجب: الزهو (الافتخار) بالنفس. استحيا: غلبه الحياء أو الخجل.
10) أفتى برأيه: فسّر أمور الدين بعقله هو من غير رجوع إلى القرآن أو الحديث أو أعمال الصحابة.
11) الملموح هنا أن العامّة من الناس تابعوا الفقهاء في الاعتقاد و العبادات. و يمكن أن تعني أن الفقهاء قلّدوا العامّة الدين (فرضوه عليهم-جعلوه كالقلادة في أعناقهم) .
12) إنّك تستفيد من العالم إذا حضرت عليه شخصيّا أو إذا قرأت في كتبه (و لو بعد موته) .
13) الإدبار: تولي (ذهاب) النجاح و التوفيق عن الإنسان.
14) وصل إلينا عن النبيّ أحاديث في فضل العلم.
15) المداد: الحبر. الطالبون: طالبو العلم (التلاميذ) . القرطاس: الورق. الأسطار: السطور. -إنّ الحبر سواء أ كتبت به سطورا من العلم أو سقط على الثياب خطأ. . .
16) «مثل» فيها عيب (ينقص فيها مدّ: يجب أن يكون مكانها كلمة على وزن معنى أو رمى) .
17) في الحديث: العلماء ورثة الأنبياء.
18) العير: الحمار. في القرآن الكريم: «كَمَثَلِ اَلْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» (6٢:5، سورة الجمعة) . يحمل كتبا و لا ينتفع بما فيها. العير (بالكسر) : القافلة.
19) ما تقضى الفروض به: ما يعلّمك أمور الدين (أو: ما تقرأه في صلاتك، مثلا) . اعمل بعلمك مضطرّا و مختارا (في كلّ حال) في أمور الدين و في غير أمور الدين.
20) أحضار (المقصود جمع حضر ضدّ البدو) .
21) إذا لم يعاقبك ربّك اليوم على ذنب اقترفته فلا تغتّر بذلك و تمضي في اقتراف ذلك الذنب تكرارا، فقد تعاقب على ذلك كلّه غدا.
22) المداهنة: المصانعة: (موافقة الناس على رأي أنت تعتقد في نفسك خلافه) .
23) عاشر الناس قصدا (باعتدال) لا تستكثر من الأصدقاء و لا تندفع في صداقة أحد بلا ضابط.