الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
إبن قتيبة الدينوري
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج2، ص329-334
25-12-2015
6612
هو أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، أصله من مرو الرّوذ أو من بلاد التّرك، ولد في الكوفة سنة 213 ه(828 م) و نشأ في بغداد و أخذ عن علمائها التفسير و الحديث و اللغة و النحو و الأدب و التاريخ؛ فمن شيوخه إسحاق بن راهويه و أبو حاتم السجستاني.
تولّى ابن قتيبة القضاء في الدينور و طال مقامه فيها فسمّي الدينوريّ. ثم إنه عاد إلى بغداد.
كان ابن قتيبة خطيب أهل السنّة شديدا على المعتزلة من أمثال النظّام و الجاحظ و العلاّف، و قد اتّهم الجاحظ بأنه توسّع في علوم الدنيا و قصد بكتبه التسلية أكثر مما قصد إلى التهذيب و رفع شأن الدين. و كان لابن قتيبة موقف وسط من الحركة الشّعوبية: فضّل العرب و علومهم و برّأ العجم من بغض العرب و ألقى تبعة بغض العرب على أوبرناش العجم و سفلتهم. و اشتغل ابن قتيبة في بغداد بالتدريس و كان يدرّس في كتبه.
و كانت وفاة ابن قتيبة في بغداد، في أول رجب 276 ه(30-10-889 م) .
خصائصه الفنّيّة:
ابن قتيبة فقيه عالم و أديب ناقد و لغويّ و نحويّ، و هو رأس المذهب البغداديّ في اللغة و النحو. و كتبه كثيرة العدد واسعة النطاق ثم هي موجزة مثقّفة موثوقة.
من كتبه: مشكل القرآن، المشتبه من الحديث و القرآن، تأويل مختلف الحديث، عيون الأخبار، أدب الكاتب، كتاب الأشربة، القداح و الميسر، كتاب المعارف. و من كتبه المشهورة القيّمة «الشعر و الشعراء» (أو طبقات الشعراء) جمع فيه طبقات الشعراء الجاهليين و الأمويين و نفرا من شعراء صدر الدولة العبّاسية. و في هذا الكتاب مقدّمة قيّمة في غاية الكتاب و خطّته و في نقد الشعر و نقد موقف نفر من رواة الشعر. بعدئذ ينسق ابن قتيبة تراجم الشعراء نسقا تاريخيّا عامّا. غير أنه لا يذكر تواريخ مواليد الشعراء و وفياتهم، و لا هو يتوسّع في الكلام عليهم؛ و إنّما يذكر نتفا من أخبارهم. و مع كل ترجمة نماذج مختارة من شعر صاحبها.
المختار من مقدمة كتاب الشعر و الشعراء:
. . . . و لم أسلك في ما ذكرته من شعر كل شاعر مختارا له سبيل من قلّد أو استحسن باستحسان غيره، و لا نظرت إلى المتقدّم منهم بعين الجلالة لتقدّمه و إلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين و أعطيت كلاّ حظّه و وفّرت عليه حقّه. فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله (1) و يضعه في متخيّره، و يرذل الشعر الرصين و لا عيب له عنده إلاّ أنه قيل في زمانه أو أنه رأى قائله. و لم يقصر اللّه العلم و الشعر و البلاغة على زمن دون زمن، و لا خصّ به (بها) قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، و جعل كل قديم حديثا في عصره و كل شرف خارجية (2) في أوّله. فقد كان جرير و الفرزدق و الأخطل و أمثالهم يعدّون محدثين، و كان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد أكثر هذا المحدث و حسن حتى لقد هممت بروايته. ثم صار هؤلاء قدماء عندنا ببعد العهد منهم. و كذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخريميّ و العتّابيّ و الحسن بن هاني و أشباههم. كل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له و أثنينا به عليه، و لم يضعه (3) عندنا تأخّر قائله أو فاعله و لا حداثة سنّه. كما أن الرديء إذا ورد علينا للمتقدّم أو الشريف لم يرفعه عندنا شرف صاحبه و لا تقدّمه.
. . . . (و) تدبّرت الشعر فوجدته أربعة أضرب: ضرب منه حسن لفظه و جاد معناه. . . . و ضرب منه حسن لفظه و حلا، فإذا أنت فتّشته لم تجد هنالك فائدة في المعنى. . . . و ضرب منه جاد معناه و قصّرت ألفاظه. . . . و ضرب منه تأخّر معناه و تأخر لفظه.
. . . . و من الشعراء المتكلّف و المطبوع. فالمتكلّف هو الذي قوّم شعره بالثقاف و نقّحه بطول التفتيش و أعاد فيه النظر بعد النظر كزهير و الحطيئة. . . .
. . . . و ليس كلّ الشعر يختار و يحفظ على جودة اللفظ و المعنى، و لكنه قد يختار و يحفظ لأسباب: منها الإصابة في التشبيه، . . . . و قد يحفظ و يختار على خفّة الرويّ، . . . . و قد يختار و يحفظ لأن قائله لم يقل غيره، أو لأن شعره (شعر قائله) قليل عزيز، . . . . و قد يختار و يحفظ لأنه غريب في معناه، . . . . و قد يختار و يحفظ أيضا لنبل قائله. . . .
. . . . و المتكلّف من الشعر، و إن كان جيّدا محكما، فليس به خفاء على ذوي العلم لتبيّنهم فيه ما نزل بصاحبه من طول التفكّر و شدّة العناء و رشح الجبين و كثرة الضّرورات و حذف ما بالمعاني حاجة اليه و زيادة ما بالمعاني غنى عنه. . . . و تتبيّن التكلّف في الشعر أيضا بأن ترى البيت فيه مقرونا بغير جاره و مضموما إلى غير لفقه (4). . . . و المطبوع من سمح بالشعر و اقتدر على القوافي، و أراك في صدر بيته عجزه و في فاتحته قافيته، و تبيّنت على شعره رونق الطبع و وشي الغريزة؛ و إذا امتحن لم يتلعثم و لم يتزحّر (5).
. . . . و الشعراء أيضا في الطبع مختلفون: منهم من يسهل عليه المديح و يعسر عليه الهجاء، و منهم من يتيسّر له المراثي و يتعسّر عليه الغزل. . . . فهذا ذو الرّمّة أحسن الناس تشبيها و أجودهم تشبيبا و أوصفهم لرمل و هاجرة و فلاة و ماء و حيّة، فإذا صار إلى المديح و الهجاء خانه الطبع؛ و ذلك أخّره عن الفحول. و كان الفرزدق زير نساء و صاحب غزل، و كان مع ذلك لا يجيد التشبيب. و كان جرير عفيفا عزهاة (6) عن النساء، و هو مع ذلك أحسن الناس تشبيبا. . . .
_____________________
1) لسبقه في الزمن على زمن الناظر في الشعر.
2) الخارجي: من يسود بنفسه من غير أن يكون له قديم (سلف أقدم في الشرف و المكارم منه) .
3) وضعه: خفض منزلته.
4) اللفق (بكسر اللام) من الملاءة (بضم الميم) : أحد شقيها (بكسر الشين) ، كناية عن الشبه و الملاءمة بينهما.
5) تزحر: أحدث صوتا فيه تنفس مثل الأنين (مد صوته بالكلام حتى يدع لنفسه مجالا للتذكر) .
6) العزهاة: الرجل الذي يعزف (يميل) عن النساء و يترك اللهو.