اختلاف ولاية الله في الموجودات حسب مراتب الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص64-66
2025-12-18
37
كنّا نعلم أنّ اختلاف الموجودات في قربها من الحقّ تعالى وبعدها عنه هو اختلاف حجبهم؛ أي: كثرة التعيّنات وقلّتها؛ أو بكلمة بديلة، اتّساع الماهيّات والحدود والقيود الوجوديّة أو ضيقها، وأنّ عالم الكثرة والوجود ظهر بهذا الشكل الباهر الجميل وفقاً لذلك الاختلاف، فلا يتكافأ- إذَن- حظّ الموجودات كلّها من الولاية، كما لا يتكافأ حظّها من علم الحقّ وحياته وقدرته. وكلّما كان الموجود إلى الحقّ أقرب، وماهيّته أوسع، ووجوده أفسح، وتجرّده أكثر، كانت ولايته أكثر، أي: كان حجابه أقلّ؛ وكلّما كانت ماهيّته أضيق، ووجوده أصغر، وتجرّده أقل، كانت ولايته أقل؛ أي: كان حجابه أكثر.
ولمّا كنّا نعلم أنّ شدّة الولاية متلازمة مع شدّة النور والعلم والحياة والقدرة وسائر أسماء الله الاخرى؛ فإنّ ضعفها يتلازم مع ضعف النور والعلم والأسماء الإلهيّة الأخرى. ولذلك فإنّ كلّ موجود أقرب إلى الله عموماً، أي: أنّ حجابه أقلّ وولايته أقوى؛ فإنّ شعاع نوره وحياته وعلمه وقدرته يمتدّ في العالم أكثر، وإحاطته أشدّ وأشمل وسيطرته وهيمنته على ما سوى الله أكثر، وتدبيره وتكفّله في عالم الإمكان أوسع؛ وبكلمة بديلة، فإنّ مقداراً كبيراً من الموجودات الممكنة يقع تحت إشعاع نوره، وفي قبضته وتدبيره والعكس بالعكس.
ونحن نرى بالوجدان أنّ تأثيرات وتأثّرات تجري في هذا العالم؛ بعضها صغير كطيران الذباب، وحركة البعوض؛ وبعضها كبير كخلق الفيل.
بعضها كالذرّة، وبعضها كالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيّارة.
بعضها كفهم وإدراك دابّة بسيطة مثل دودة بين طيّات التراب، وبعضها كعلم وإدراك جبرئيل والروح وهو من الملائكة المقرّبين.
وفي ضوء ذلك، لا بدّ أن يكون علم هذه المخلوقات المقرّبة وقدرتها، وسعة حياتها، وتألّق نورها المعنويّ أقوى، فهي تدير عالماً بذلك بأكمله، على عكس تلك الذرّة والدودة اللتين ليس لهما هذا العلم والحياة؛ ولا حاجة لهما طبعاً.
وفي ضوء هذا الكلام فإنّ المخلوقات جميعها، من المادّة التافهة الضعيفة، إلى جبرئيل الروح الذي يحظى بمقام أفضل من سائر الملائكة.
لكلّ واحد منها درجة خاصّة، وله حدّ معيّن من العلم والحياة والقدرة.
وبالتالى حدّ خاصّ من الوجود؛ وتبعاً لذلك فإنّ كلّ واحد في درجة خاصّة ومنزل معيّن من الوَلَاية.
أجل، لا ريب ولا شكّ في كلّ ما قلناه حتى الآن؛ والأدلّة العقليّة معنا خطوة فخطوة، وشهود العارفين العظام ووجدانهم يدعم هذه المواضيع بكلّ تفاصيلها؛ كما جاءت بذلك الآيات والروايات التي تفوق حدّ الإحصاء وإمكانيّة الاستقصاء.
وينبغي الآن أن نرى: أين يكون موقع الإنسان على درب الولاية الطويل؟ وما هو مقدار حصّته من الماء المعين لمنهل شريعة الوحدة؟
لا يخالجنا الشكّ أنّ الإنسان مهما كان شكله أو صورته أو مكانه أو عرقه، فهو يتمتّع بقابليّة يمكنه من خلال حركتها أن يوصل درجة استعداده إلى الفعلية والظهور، وأن يوسّع نطاق وجوده بمقدار ملحوظ، وأن يزيد من علمه وقدرته.
فلم يحز أحد من الناس ملكة العلم والطبّ، وأنواع المهن والصناعات، والكتابة وما ماثلها منذ ولادته، بل حازها وتمكّن منها بواسطة التمرّس، وجهاد النفس، والتربية والتعليم في مدرسة خاصّة.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة