جميع أبعاد وجود الإمام الثاني عشر لطف
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 154 - 157
2025-12-15
28
ان جميع أبعاد وجود الإمام لطف فوجوده في نفسه مع قطع النظر عن سائر أبعاده لطف ؛ لأنّه وجود إنسان كامل في النظام الأحسن ، وهو مما يقتضيه علمه تعالى به ورحمته المطلقة وكماله المطلق ، هذا مضافا إلى أنّ مقتضى تماميّة الفاعل وقابلية القابل كما هو المفروض في وجود أئمتنا ـ عليهم السلام ـ هو لزوم وجودهم وإلّا لزم الخلف ، إمّا في تمامية الفاعل أو قابلية القابل ، والأوّل محال لعدم العجز والنقصان والبخل فيه تعالى ، والثاني خلاف المفروض فإنّ قابلية الأئمة ـ عليهم السلام ـ لكمال الإنسانية واضحة وبديهية عند الشيعة الإمامية وفي لسان الأخبار فتدوم الخلافة الإلهية بوجودهم ، كما دلّ في قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) على استمرار هذه الخلافة الإلهية ، ولذا استدل الإمام الصادق والإمام الكاظم ـ عليهما السلام ـ في موثقة اسحاق بن عمّار على استمرار الخلافة وعدم انقطاعها بقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وقالا : وأنّ الله عزوجل إذا قال قولا وفي به (1).
ويؤيده ما ورد في الحديث القدسي عنه تعالى أنّه قال : «كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن اعرف ، فخلقت الخلق لكي اعرف» (2) ؛ إذ يعلم منه أنّ الباعث على إيجاد الإنسان هو المعرفة الكاملة به تعالى ، فليكن في كلّ وقت فرد بين آحاد الإنسان يعرفه كما هو حقّه ، ولا يحصل ذلك في غير النبيّ والإمام ، فلا بدّ من وجود النبيّ أو الإمام بين الناس حتّى تحصل المعرفة الكاملة به تعالى كما هو حقه.
ولعلّ إليه ترجع الروايات الدالّة على أنّه لو لا محمّد وآله ـ عليهم السلام ـ لما خلق الله الخلق ، كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض» (3).
ويؤكّد ذلك ما استفيض من الأخبار الدالّة على أنّ الأئمة ـ عليهم السلام ـ علّة غائية للخلقة كما ورد «نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض ، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها» (4) وورد من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان ... وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (5).
قال العلّامة المجلسي ـ قدس سره ـ : «ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائية لإيجاد الخلق ، فلو لا هم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسل إليهم ، يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلو لا هم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم ، أنواع العذاب» (6) وإلى غير ذلك من شواهد الأخبار وهذا كلّه بالنسبة إلى أصل وجوده ثم إنّ تصرّفه أيضا لطف سواء كان ظاهريا أو باطنيا وسواء كان في الإنس أو الجن ، أو غيرهما ، فإذا منع مانع عن ظهوره للناس بحيث يستر ويغيب فلا يضرّ بكونه لطفا من جهة أو جهات اخر ، فإنّ المانع يمنعه عن نوع من أنواع لطف أبعاد وجوده.
هذا مضافا إلى أنّ تصرّفه في الناس لا يتوقف جميع أنواعه على الظهور ، بل له أن يتصرف في بعض الامور مع غيبته عن الناس.
قال العلّامة الطباطبائي ـ قدس سره ـ : «إنّ وظيفة الإمام ومسئوليته لم تنحصر في بيان المعارف الإلهية بشكلها الصوري ولم يقتصر على إرشاد الناس من الناحية الظاهرية ، فالإمام فضلا عن تولّيه إرشاد الناس الظاهري يتصف بالولاية والإرشاد الباطني للأعمال أيضا ، وهو الذي ينظم الحياة المعنويّة للناس ، ويتقدم بحقائق الأعمال إلى الله جلّ شأنه ، وبديهي أنّ حضور أو غيبة الإمام الجسماني في هذا المضمار ليس له أي تأثير ، والإمام عن طريق الباطن يتصل بالنفوس ويشرف عليها وإن بعد عن الأنظار ، وخفي عن الأبصار ، فإنّ وجوده لازم دائما وإن تأخّر وقت ظهوره وإصلاحه للعالم (7).
بل إتمام الحجّة به على المتمرّدين متوقف على وجوده بخلاف ما إذا لم يكن موجودا فإنّ تعذيب الناس حينئذ قبيح لعدم إتمام الحجة من الله عليهم (8).
على أنّ غيبته عن الناس لا يستلزم غيبته عن جميع آحادهم ، بل له أن يظهر لبعضهم وإرشاده لهم ، كما ثبت ذلك بالتواتر من الحكايات الواردة في تشرّفهم بخدمته وحلّ مشاكلهم واهتدائهم بهدايته ، كما لا يستلزم غيبته عن الجنّ من الخلق ، مع أنّه إمام لهم فإنّهم أيضا محجوجون بوجوده ـ فبمثل ما ذكر يظهر أنّ لطف وجود الإمام لطف مضاعف ولطف على لطف ، كما هو نور على نور ، وعليه ففوائد وجوده في زمن الغيبة واضحة ، فلا وجه للقول بأنّه لا فائدة لوجوده بعد ما غاب عن الناس ، وهذا أمر اشير إليه في الأخبار أيضا وإليك بعضها : روى الأعمش عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال : «لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله ، قال سليمان : فقلت للصادق ـ عليه السلام ـ : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ فقال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب» (9).
______________
(1) تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 42 نقلا عن الكافي.
(2) مصابيح الأنوار : ج 2 ص 405.
(3) غاية المرام : ج 1 ص 26 الطبع الثاني.
(4) فرائد السمطين : ج 1 ص 45 بنقل وابستگى جهان به امام زمان : ص 38.
(5) بحار الانوار : ج 52 ص 92.
(6) بحار الانوار : ج 52 ص 93.
(7) الشيعة في الاسلام : ص 199 تعريب جعفر بهاء الدين.
(8) راجع كتاب سرمايه ايمان : ص 152.
(9) بحار الانوار : ج 52 ص 92.
الاكثر قراءة في الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة