الصورة الذهنية للخدمات الإذاعية
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 33- 35
2025-12-14
37
الصورة الذهنية للخدمات الإذاعية:
لعل أبرز سمات الراديو كوسيلة اتصال، كونه يخاطب الجمهور كأفراد بما يحقق الحميمية Intimacy، هذه الحميمية هي التي تجذب المستمع نحو القناة الإذاعية وتحقق شخصية الراديو من خلال توظيف الأشخاص الذين يملكون القدرة والمهارة على إدارة الميكروفون سواء أكانوا من العاملين بالقناة الإذاعية أم من المتعاملين من خارجها.
وهناك العديد من العوامل التي تساعد على بناء شخصية القناة الإذاعية مثل جودة الصوت، والمصداقية والتوحد مع المستمعين واختيار الأفكار والقضايا التي تناسب رغبات واحتياجات الجمهور والأساليب المستخدمة في نقل تلك الأفكار، فالأصوات التي نستمع إليها عبر ميكروفون الإذاعة هي التي تمنح كل قناة إذاعية شخصيتها المستقلة وتجعل المستمعين يتعلقون بها.
وأحيانا يشار إلى شخصية الإذاعة باعتبارها الصورة الذهنية، وهي مسؤولية مدير البرامج أو المخرج أو مدير القناة أياً كانت التسمية، فهو الذي يصمم ويبنى الصورة الذهنية للقناة. وتشبه الصورة الذهنية للقناة الإذاعية الشخصية الإنسانية من حيث كونها نتاج عدة أشياء من الصعب حصرها، مثل جودة الصوت، ونوعية الموسيقى المستخدمة، وسرعة الإيقاع، ونوعية الموضوعات والقضايا التي تطرح بها البرامج، وأساليب التقديم والإخراج، ومدى توحد المستمعين مع أشخاص الميكروفون وغيرها من العوامل المكونة للصورة الذهنية للقناة.
ومن المهم لمنتجي البرامج الإذاعية أن يدركوا قيمة الصورة الذهنية للقناة الإذاعية فالفشل في بناء وتطوير هذه الصورة الذهنية هو الذي يكسب الإذاعات الأجنبية شعبية أكبر من جانب المستمعين المحليين، وطالما تفتقد الإذاعة الصورة الذهنية الجيدة من جانب مستمعيها، فإنها لن تستطيع معالجة المشكلات الاجتماعية الهامة وأن تمارس دوراً مؤثراً في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع. ولذلك تحرص الإذاعات التي تسعى لخلق صورة ذهنية إيجابية لدى مستمعيها على الاستعانة بأفضل المتحدثين في مختلف التخصصات العلمية والمهنية الذين يمدون الإذاعة بالأفكار والأحاديث والمناقشات بشرط أن يكونوا متمتعين بشخصيات جذابة قادرة على لفت انتباه المستمع وإثارة اهتمامه، وإن لم يحدث ذلك فإن الشخصيات التي تستعين بها الإذاعة قد تؤدى لفقدان القناة للعديد من مستمعيها بدلا من السعي لكسب المزيد منهم.
وقد حققت الإذاعات عبر تاريخها تأثيرات كبيرة على اتجاهات المجتمع وسلوكياته. فقد أعلن موسولينى قديماً أنه لولا الراديو لم يكن ليستطيع أن يوحد إيطاليا، وهناك اعتقاد أن الراديو كان أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في خلق شعبية جارفة وتأثير كبير للرئيس الأمريكي الراحل روزفلت من خلال إجادة استخدامه لهذه الوسيلة.
وقد أحدثت الإذاعة تأثيرات كبيرة على الشعب الأمريكي في مجالات الاقتصاد والأعمال الصناعية والتسويق والترفيه، ففي عام 1974 بلغت أرباح الإذاعات الأمريكية من عائد الإعلانات 90.2 مليون دولار وذلك بعد نحو عشرين عاماً من افتراض القضاء على الراديو نتيجة منافسة التليفزيون، وتجاوز الدخل العام للمحطات الإذاعية الأمريكية 469 مليون دولار عام 1952 إلى أكثر من مليار دولار عام 1972.
كذلك زاد عدد أجهزة استقبال الراديو في الولايات المتحدة بنسبة 22.5% في الثمانينيات عما كان عليه الحال في الخمسينيات من القرن الماضي.
ويتجلى تأثير الراديو من خلال خلق عادات نمطية للاستماع المنتظم لبعض المواد الإذاعية، أو لبعض الفترات الزمنية أثناء اليوم، مثل متابعة النشرات الإخبارية في أوقات منتظمة، أو الاستماع للمواد الموسيقية قبل النوم، أو استخدام صوت الراديو كخلفية لممارسة نشاط آخر مثل قيادة السيارة أو أداء بعض الأعمال اليدوية.
كذلك يستخدم الراديو كوسيلة مؤثرة في معظم المجتمعات النامية من خلال المساهمة في توحيد فكر الأمة، وترويج السياسات القومية و الأهداف التنموية مثل التجارب الناجحة لأندية الاستماع الجماعية في الهند وغانا ونشر الثقافة والتعليم والفنون في الأماكن المنعزلة والنائية وإتاحة ردود أفعال الجماهير تجاه السياسات الحكومية ومدى استجابتهم وتفاعلهم مع هذه السياسات، وإبراز الهوية القومية للدول النامية وتحسين البيئة الريفية ورفع مستواها، وإحداث تغيرات سياسية واجتماعية ملموسة والأخذ بأسباب التقدم ونشر الديمقراطية، ونشر الخدمات الصحية، والترويج للصناعات الجديدة، والإسراع بعمليات التغيير وجعلها أكثر قبولاً لدى الجماهير، ونشر الموسيقى والفلكلور والحكايات الشعبية، فضلاً عن إمداد الجماهير بالأخبار والمعلومات حول الشؤون الجارية وتلبية رغباتهم واحتياجاتهم من الفنون والعلوم والثقافة.
الاكثر قراءة في الاذاعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة