بداية الإذاعة المسموعة وتطورها
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 24- 30
2025-12-14
45
بداية الإذاعة المسموعة وتطورها:
بدأ استخدام الإذاعة اللاسلكية للأغراض الشعبية خلال الحرب العالمية الأولى (1918-1914) وقد أدى الاستخدام العسكري للإذاعة اللاسلكية إلى تحسين معدات الأجهزة، وتم تدريب آلاف العاملين على استخدام الإشارات اللاسلكية، وكان هؤلاء الرجال العسكريون هم طليعة العمل الإذاعي بعد عودتهم إلى الحياة المدنية.
كذلك حدثت تغيرات كبيرة في الحياة الاجتماعية بعد الحرب، فقد أسفرت الخبرات المريرة للحرب العالمية الأولى عن زيادة وعى المواطن العادي بأهمية السياسة، وضرورة المشاركة في وضع السياسات الحكومية حتى يمكن تجنب الكوارث الحربية قبل وقوعها، وبذلك أصبح رجل الشارع في حاجة ملحة إلى من يمده بالمعلومات التي تساعده في تكوين الرأي الصحيح، وفى نفس الوقت، أدى ظهور الصحف الشعبية وانتشارها على نطاق واسع إلى زيادة التوقعات باستخدام اللاسلكي ليمارس دوراً أساسياً في عملية الاتصال الجماهيري.
وقد تم اكتشاف إمكانيات الإذاعة كوسيلة اتصال مصادفة ففي أحد أيام عام 1916، كان المهندسون بإحدى الشركات الصناعية في مدينة بتسبيرج بالولايات المتحدة يقومون بإجراء تجارب لإرسال الصوت، وكانوا يحاولون مزج الكلام بالموسيقى على أجهزة الجراموفون، وقد أصابتهم الدهشة حينما علموا بوجود مستمعين غير متوقعين من الهواة الذين كانوا يستخدمون المعدات الإذاعية بمنازلهم، وكان هؤلاء الهواة سعداء بالاستماع إلى هذه الموسيقى وأرسلوا خطابات للشركة يطلبون المزيد.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ظهرت نوادي تهتم بالخدمات الإذاعية، وبدأ تطوير هذه الخدمات في بلاد عديدة، وقد واكبت هذه الرغبات تجارب العلماء الذين حاولوا الاستفادة من خبرات الاتصال اللاسلكي التي اكتسبوها خلال فترة الحرب العالمية الأولى.
وكان الألمان والكنديون قد سبقوا العالم في استخدام الإذاعة كوسيلة اتصال شعبية منذ عام 1919، ثم تبعتهما الولايات المتحدة الأمريكية بافتتاح أول محطة إذاعية منتظمة في مدينة بتسبيرج بولاية ميتشجان الأمريكية في 31 أغسطس من عام 1920 باسم KDKA التي تعتبر أول إذاعة منتظمة في العالم.
كذلك كان العالم الروسي الكسندر بوبوف يجرى تجاربه في استخدام الإذاعة الصوتية في عام 1920، إلا أن الإذاعة المنتظمة في الاتحاد السوفيتي السابق بدأت فعلياً عام 1922. وخلال العشرينيات بلغ عدد الدول التي تستخدم الإذاعات المنتظمة نحو أربعين دولة، ولم تكن جميعها من الدول الصناعية المتقدمة، وإنما ضمت دولاً أخرى مثل أفغانستان، والأرجنتين، ومصر، والصين وكوريا، والفلبين وأستراليا.
كانت بريطانيا من أوائل الدول الأوروبية التي تنشئ محطة إذاعية منذ مايو 1920، وتلاها إنشاء هيئة الإذاعة البريطانيا BBC عام 1922.
وما أن انقضت سنة 1924 حتى كانت هناك محطة إذاعية واحدة على الأقل في كل دولة من دول العالم المتقدم، وفى السنة التالية أصبح في العالم نحو 600 محطة إذاعية، وفى عام 1935 ازداد عدد المحطات الإذاعية إلى أكثر من الضعف بقليل، وفى عام 1960 قفز عدد المحطات الإذاعية على مستوى العالم ليصل إلى سبعة آلاف وخمسمائة محطة إذاعية، ولا تكاد توجد حاليا منطقة في العالم لا يغطيها برنامج إذاعي منتظم.
وعلى المستوى العربي، بدأت الإذاعة في وقت غير متأخر نسبياً عن دول العالم المتقدم وكانت مصر أول الدول العربية التي عرفت الإذاعة، ويرجع ذلك إلى عام 1925، حيث بدأت الخدمات الإذاعية على يد بعض الأفراد من الهواة، واعتمدت على الإعلان التجاري في تمويلها، ثم بدأ بث الإذاعة الرسمية للحكومة المصرية في 31 مايو عام 1934، بعد أن تم إيقاف جميع المحطات الخاصة بالأفراد.
وتوالى ظهور الإذاعة في جميع أنحاء الوطن العربي، وتنامت تدريجياً قدرات الإذاعة في الدول العربية، حيث وصلت إلى إمكانيات متعاظمة سواء على مستوى الكوادر البشرية أو الإمكانات التقنية التي ساهمت في تطوير البث الإذاعي ليس فقط داخل الوطن العربي، ولكن أيضا إلى خارج حدود الدول العربية من خلال الإذاعات الدولية الموجهة.
وفيما يتعلق بالتطور التكنولوجي للإذاعة المسموعة فقد مر بمراحل عديدة، حيث كان الراديو في بدايته شيئًا مبتكرًا سواء للقائمين بالاتصال أو المستمعين. كانت أجهزة الاستقبال الأولى تتسم بالضخامة في الحجم، وكان الاستماع يتم عبر سماعات الرأس Head Phones حيث لم تكن السماعات Loud Speakers قد اخترعت بعد. وكانت الأستديوهات عبارة عن مكاتب بسيطة مغطاة بسجاجيد سميكة، ولم يكن هناك أجهزة لمزج الصوت Mixing Panels، ولا ميكروفونات مغناطيسية، ولا أسطوانات أو أشرطة تسجيل صوتي، وكان يتم التسجيل الموسيقى عبر أسطوانات الجراموفون من خلال وضع الميكرفون قريبا من الأسطوانة، وكانت جميع أنماط الأداء الإذاعي فيما عدا الموسيقى تتم على الهواء مباشرة.
كان يتم استخدام الموجات الطويلة Long Waves في بدايات الإرسال الإذاعي وعاب استخدام هذا النوع من الترددات عدم القدرة على نقل الرسالة الإذاعية إلى مسافات بعيدة وازدحام المساحات الجغرافية التي تحظى بالتغطية الإذاعية.
وتمثلت المرحلة الثانية في تطور تكنولوجيا الإذاعة في استخدام الموجات المتوسطة Medium Waves التي تغطى مساحات جغرافية أوسع، وكان يتم الإرسال باستخدام نمط التشكيل الاتساعي AM) Amplitude Modulation) وفى مراحل أكثر تقدماً تم استخدام نمط التشكيل الترددي (FM. Frequenty .(Modulation
واكتشف بعض الهواة قدرات الموجات القصيرة Short Waves في نقل الإشارات الصوتية إلى مسافات بعيدة تتخطى الحدود الجغرافية للدول.
وخلال الحرب العالمية الثانية تم اكتشاف موجات الميكروويف Microwave التي تعتمد على ترددات عالية جدًّا، وتتيح إمكانيات كبيرة في زيادة الخدمات الإذاعية، وهى تتسم بعدد من الخصائص لعل من أهمها البث في خطوط مستقيمة، وهي تتأثر سلبياً بأنحاء الكرة الأرضية، وتتطلب خطوط نظر وهمية بين محطات الإرسال والاستقبال وتحتاج إلى محطات تقوية لبث الإرسال الإذاعي عبر المسافات الطويلة.
وخلال الخمسينيات من القرن العشرين تم اكتشاف واستخدام أجهزة الاستقبال الإذاعي الترانزستور الرخيصة الثمن، وسهلة الحمل والتنقل مما زاد من إمكانية استقبال البث الإذاعي على نطاق جماهيري هائل.
وخلال عقد الستينيات من القرن الماضي تم التوصل إلى البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية، وأتاح ذلك وصول الرسالة الإذاعية إلى مسافات جغرافية شاسعة وأتاح النقل المباشر للأحداث الهامة وملاحقة المستمعين لها لحظة بلحظة.
وخلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين ظهرت تكنولوجيا جديدة تعتمد على نقل الصوت وكافة أشكال البيانات بالأسلوب الرقمي Digital كبديل لنمط البث السائد طوال القرن العشرين بالأسلوب التماثلي Analogue وقد أتاح النظام الرقمي جودة ونقاء الرسالة الاتصالية، وخلوها التام من عوامل التشويش والتداخل بين القنوات.
أما على مستوى التطورات البرامجية في الإذاعة الصوتية، فقد شهد محتوى البرامج تطورات عديدة. كانت إحدى المهام التي واجهت الإذاعيين الأوائل محاولة جعل الاستماع للإذاعة يحقق شعبية كبيرة، حتى يسهل إقناع الناس بشراء أجهزة الاستقبال، كان لابد أن تكون البرامج مشوقة وجذابة حتى تستهوي الجماهير، لذلك غلب على البرامج الأولى النوعية التي تتسم بالموسيقى والترفيه، وبالتالي كان هناك اهتمام قليل ببرامج الأحاديث والمناقشات والبرامج التعليمية والبرامج الموجهة لفئات متخصصة. وفي عام 1921 حققت إذاعة مباراة رياضية في الملاكمة عبر شركة RCA شعبية كبيرة للراديو، وساهمت في زيادة مبيعات أجهزة الاستقبال بشكل كبير.
وفى 28 أغسطس من عام 1922 نجحت محطة إذاعة WEAF بنيويورك في تقديم أول برنامج إذاعي مكفول Sponsored Program مما أتاح للخدمات الإذاعية تحقيق مصادر إضافية من دخل الإعلانات.
كذلك ظهرت البرامج الدينية مبكراً في الإذاعة منذ عام 1921 حيث حرصت إذاعة بتسبيرج على نقل الصلوات الدينية من الكنائس. كذلك تم تقديم البرامج الكوميدية منذ عام 1923.
وأثناء حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1924 نشطت الأحزاب السياسية في توجيه الخطب السياسية عبر محطات الإذاعة الأمريكية، وكانت بعض المحطات توقف تدفق البرامج المعتادة ليلة الانتخابات لتقديم تعليقات وتحليلات للحملات السياسية، وكان من أشهر مقدمي التعليقات في ذلك الوقت كالتنبورن Kaltenborn و لاورانس.
وفي منتصف عشرينيات القرن الماضي، أصبح استقبال البث الإذاعي منتشرا في كل مكان بالولايات المتحدة، وأدرك ملاك محطات الراديو أهمية الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير، وبالتالي بدأوا في استخدام ترددات إذاعية أكثر قوة وبدأت تحدث ظاهرة التداخل بين القنوات وفى هذه الفترة عقدت وزارة التجارة والعمل الأمريكية عدة مؤتمرات لمناقشة هذه المشكلات بغية الوصول إلى حلول تشريعية لمواجهة ازدحام الهواء بالموجات الإذاعية، وقد أسفر كل ذلك عن صدور قانون الراديو لعام 1927. وقد نص قانون الراديو لعام 1927 على ضرورة أن تلبي قنوات الراديو رغبات الجمهور واهتماماته المختلفة، وأن موجات الراديو لا تشبه الرسائل المطبوعة، وإنما هي موجات محددة في قدرتها، وبالتالي ينبغي أن تسيطر الحكومة الأمريكية عليها تحقيقاً للصالح العام.
وبناء على هذا القانون تم تشكيل لجنة تابعة لرئيس الدولة مكونة من خمسة أعضاء سميت لجنة الراديو الفيدرالية Federal Radio Commission، وتضمن قانون الراديو لعام 1927 بعض التشريعات ذات الدلالة التي انعكست على نظام الإذاعات الأمريكية حتى الآن، ومنها ضرورة الحصول على رخصة مسبقة من لجنة الراديو الفيدرالية، وتحديد الترددات التي تعمل عليها المحطات الإذاعية وفترة سريان الرخصة وللحكومة الأمريكية سلطة رفض منح تلك التراخيص.
وقد ظل قانون الراديو لعام 1927 سارياً حتى عام 1934 حين أصدر الكونجرس بتوصية من الرئيس فرنكلين روزفلت قانون الاتصالات لعام 1934 وقد حلت لجنة الاتصالات الفيدرالية Federal Communication Commission مكان لجنة الراديو الفيدرالية FRC وأصبحت واحدة من المؤسسات الحكومية ذات التأثير القوى الذي يلمسه المواطن الأمريكي، وبالرغم من أن هذه اللجنة ليس لها سلطة الرقابة على محتوى البرامج الإذاعية، إلا أن لها سلطة التأكد من كون الإذاعات تمارس عملها بمسؤولية لخدمات رغبات واحتياجات فئات الجمهور المختلفة.
وفى عام 1933 كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت هو أول رئيس دولة يستخدم الإذاعة بشكل مكثف في الدعاية السياسية، وقد استطاع توظيف هذه الوسيلة ليبني لنفسه صورة ذهنية إيجابية لدى الأمريكيين، وكانت لغته الإذاعية سهلة وبسيطة ومفهومة من جانب الجماهير. وفى خلال الفترة من عام 1930 إلى عام 1940 زاد دخل الراديو من عائد الإعلانات من 25 إلى 70 مليون دولار أمريكي، وكانت برامج تلك الفترة تركز على الإعلانات والدراما والعروض الكوميدية إلى جانب النشرات الإخبارية
الاكثر قراءة في الاذاعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة