الاتصال قبل ظهور الإذاعة المسموعة
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 21- 24
2025-12-14
39
الاتصال قبل ظهور الإذاعة المسموعة:
إن قدرتنا على نقل الرسائل المقروءة والمسموعة والمرئية مع تجاوز حدود الزمان والمكان إلى ملايين البشر في نفس الوقت أصبحت أمرا مألوفا لا يثير انتباه الكثيرين، ومع ذلك فعندما نطالع الصحيفة، أو نستمع إلى الراديو، أو نشاهد التليفزيون والفيديو أو نستخدم اتصالات الانترنت للحصول على أحدث المعلومات المتخصصة، ومتابعة الأحداث الجارية، فإن ذلك يمثل تغيرا هائلا في سلوك الاتصال الإنساني عند مقارنة ذلك بما كان سائدا في العصور القديمة.
وقد شهد الاتصال قبل ظهور الإذاعة المسموعة تطورات عديدة ومراحل متميزة حيث كان لكل مرحلة نتائج عميقة سواء أكان ذلك على مستوى الفرد أم المجتمع، ولعل أول مرحلة من هذه المراحل هي عصر الإشارات والعلامات في بدايات الحياة الإنسانية ومع تطور القدرة على التعلم عبر ملايين السنين، أصبحت أنظمة الاتصال القائمة على العلامات والإشارات أكثر تعقيدا وإحكاما وأشد فعالية.
وانتقل الإنسان في العصور الأحدث - منذ نحو خمسة آلاف سنة - إلى عصر الكتابة التي ساعدت على تطوير القدرات الإنسانية في أكثر من جزء من العالم، حيث طور الصينيون وقبائل المايا Maya الكتابة بشكل مستقل تماما. لكن الانتقال الأول لعصر الكتابة حدث بين السومريين والمصريين في أرض الهلال الخصيب القديم والذي يضم الآن أجزاء من تركيا وإيران والعراق ومصر.
كانت الرموز التصويرية Pictographic Symbols هي الخطوة الأولى في تطور الكتابة، وقد خرج من باطنها أسلوب الكتابة الهيروغليفية Hieroglyphic Writing عند قدماء المصريين، ثم طور السومريون نمطاً آخر من الكتابة التي تعتمد على أساس النطق Ideographic نحو عام 1655 قبل الميلاد، وكانت قيمة هذا الابتكار هائلة. فبدلا من آلاف الرموز المنفصلة أصبح المطلوب عددًا أقل من الرموز للتعبير عن أصوات المقاطع التي تتكون منها الكلمات، وقد ساعد هذا التطور على تيسير معرفة القراءة والكتابة، وأخيرا ظهرت الكتابة الألفبائية (التي تعتمد على الحروف) منذ نحو سبعمائة عام قبل الميلاد وانتشرت بسرعة نسبية في أنحاء العالم القديم.
أما صناعة الورق فقد عرفتها الصين، واستطاع العرب أن يتعلموا فن صناعته من الصينيين في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، ففي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (809 - 786م) انتشرت مصانع الورق في بغداد وغيرها من المدن الإسلامية. وانتقلت هذه الصناعة في القرن الحادي عشر الميلادي إلى مصر. أما أوروبا فقد وصل إليها الورق عندما أدخله العرب إلى الأندلس، وكانت مدينة طليطلة أول مدينة أوروبية تعرف صناعة الورق.
وتعد الطباعة بالحروف المعدنية التي ابتكرها العالم الألماني يوحنا جوتنبرج عام 1436م أحد أبرز الابتكارات البشرية في كل العصور، ومع مولد القرن السادس عشر، كانت المطابع الأوروبية تنتج آلاف النسخ من الكتب المطبوعة على الورق. وكان يتم نشر وتوزيع هذه الكتب بجميع اللغات الأوروبية، وهكذا أصبح من الممكن أن يقرأها أي شخص ملم بلغته الأصلية، وأدى انتشار هذه الكتب إلى زيادة الاهتمام بتعلم القراءة. ومع بداية القرن التاسع عشر أصبح واضحا لرواد علم الاجتماع في ذلك الحين أن وسائل الإعلام المطبوعة الكتب والجرائد والمجلات تقوم بإحداث تغييرات جذرية في الظروف الإنسانية. وعلى سبيل المثال، أكد عالم الاجتماع الأمريكي تشارلز هورتون كولى في عام 1959 أن وسائل الإعلان المطبوعة كانت أكثر تأثيرا من حيث قدرتها على الإقناع ونقل الأفكار والمشاعر على نطاق واسع، والتغلب على المسافة من خلال سرعتها في الوصول إلى القارئ، وكذلك من خلال خاصية الانتشار والوصول إلى جميع الفئات - وكان من الواضح أن عصر الاتصال الجماهيري سوف يلغي حدود العزلة بين الناس في العالم، وسوف يحقق تغييرات كبيرة في تنظيم وعمل المجتمع.
ومع ظهور ونجاح الصحافة الجماهيرية، بدأت سرعة نشاط الاتصال البشري في الزيادة المطردة، فقد شهد القرن التاسع عشر معالم ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية التي اكتمل نموها في النصف الأول من القرن العشرين، فقد شهد القرن التاسع عشر ظهور عدد كبير من وسائل الاتصال استجابة لعلاج بعض المشكلات الناجمة عن الثورة الصناعية. فقد أدى التوسع في التصنيع إلى زيادة الطلب على المواد الخام، وكذلك التوسع في فتح أسواق جديدة خارج الحدود، كما برزت الحاجة لاستكشاف أساليب سريعة لتبادل المعلومات التجارية، وبالتالي أصبحت الأساليب التقليدية للاتصال لا تلبى التطورات الضخمة التي يشهدها المجتمع الصناعي. وقد بذلت محاولات عديدة لاستغلال ظاهرة الكهرباء بعد اكتشافها، وظهر العديد من المخترعات الجديدة نتيجة استغلال الطاقة الكهربية.
ففي عام 1824 اكتشف العالم الإنجليزي وليم سترجون Sturgon الموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic وقام بتعديلها العالم الأمريكي جوزيف هنري Joseph Henry بعد ذلك بأربع سنوات، ثم استطاع صامويل مورس Samuel Morse في عام 1837 ابتكار أبجدية تعتمد على استخدام النقط والشرط Dots & Dashes باستخدام الأسلاك الكهرومغناطيسية التي تنتج حركة وهي ما نسميه الآن بالبرق أو التلغراف.
ويزعم روبرت هليارد Hilliard أن عالم الفيزياء الأسكتلندي جيمس ماكسويل Maxwell هو مكتشف موجات الراديو خلال عقد الستينيات من القرن التاسع عشر، ثم جاء عالم الفيزياء الألماني هنري هرتز Heinrich Hertz وأثبت صحة نظرية ماكسويل خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن التاسع عشر، وبالتالي أصبح يتم حساب عدد الذبذبات الإذاعية في الثانية الواحدة نسبة إلى هرتز وعلى الرغم من أن التلغراف لم يكن وسيلة اتصال جماهيرية إلا أنه كان عنصراً هاما في تكنولوجيا الاتصال التي أدت في النهاية إلى ظهور وسائل الاتصال الإلكترونية.
وفي عام 1876 استطاع جراهام بيل أن يخترع التليفون الذى ساعد على نقل الصوت إلى مسافات بعيدة مستخدما تكنولوجيا التلغراف؛ أي سريان التيار الكهربائي في الأسلاك النحاسية مستبدلا بمطرقة التلغراف شريحة رقيقة من المعدن تهتز حين تصطدم بها الموجات الصوتية، وتحول الصوت إلى تيار كهربائي يسري في الأسلاك، وتقوم سماعة التليفون بتحويل هذه الذبذبات الكهربية الى إشارات صوتية تحاكي الصوت الأصلي.
وفى عام 1877 اخترع توماس إديسون Edison جهاز الفونوغراف Phonograph ثم تمكن العالم الألماني أميل برلنجر Berlinger في عام 1887 من ابتكار القرص المسطح Flat Disc الذي يستخدم في تسجيل الصوت، وبدأ تسويق أجهزة الفونوغراف منذ عام 1890 كوسيلة شعبية جذابة لتقديم الموسيقى في الأماكن العامة.
ونظرا لارتفاع كلفة مد الأسلاك التليفونية لمسافات بعيده، فقد حاول بعض المخترعين إرسال الإشارات عبر الأراضي أو مياه الأنهار لاسلكيا ولكنهم فشلوا في توصيل هذه الإشارات لمسافات بعيدة، ثم تطورت هذه الفكرة ببطء إلى العمل على استخدام التلغراف الهوائي .Ariana Telegraphy مع قرب نهاية القرن التاسع عشر كانت الفكرة قد سيطرت على العديد من العلماء والمجربين إلى أن توصل العالم الإيطالي الشاب جوجليلمو ماركوني Guglielmo Marconi إلى تحقيق هذه الفكرة عمليا عام 1896.
كانت الإشارات التي ابتكرها ماركوني تتم للاتصال عبر مسافات قصيرة في إيطاليا، وفي عام 1899 أصبح لدى ماركوني القدرة على إرسال الإشارات اللاسلكية عبر القناة الإنجليزية، وفى عام 1901 نجح في إرسال إشارات لاسلكية عبر المحيط الأطلنطي وفى عام 1904 نجح العالم الإنجليزي جون فلیمینج John Fleming في اختراع الصمام الثنائي The Diode Rectifier Tube الذي يحول الترددات الصوتية إلى ترددات كهربائية. وفى عام 1906 استطاع الأمريكي لي دي فورست Lee De Forest اختراع الصمام المفرغ Vacuum Tube ، وكان لهذين الاختراعين دلالة كبيرة في تطور الإذاعة المسموعة. ففي عام 1910 استطاع دي فورست أن ينقل صوت الموسيقى من دار الأوبرا متروبوليتان بنيويورك وكان يتم الاستماع لهذه الموسيقى على شاطئ البحر من خلال الهواة.
ومع بداية القرن العشرين أصبح من الصعب السيطرة على اختراع ماركوني اللاسلكي بسبب شدة الإقبال عليه، وحدث قدر كبير من التداخل والتشويش للترددات الإذاعية مما جعل الحكومة الأمريكية تصدر قانون اللاسلكي للسفن عام 1910، وبمقتضى هذا القانون كانت كل سفينة تحمل أكثر من خمسين شخصاً المسافة تزيد عن مائتي ميل لابد أن تستخدم معدات الاتصال اللاسلكي، وأن يدير هذه المعدات شخص فني مؤهل لذلك، وقد حقق قانون اللاسلكي لعام 1910 المزايا التالية:
1- أتاح القوة الدافعة لبداية صناعة الراديو.
2- كان دليلا على إدراك الكونجرس لأهمية هذه الوسيلة الجديدة وأبعادها.
3- أفسح المجال أمام بحوث الاتصالات اللاسلكية لتحسين خدمة الراديو ذات المسافات البعيدة. وقد زاد التأثير الدرامي للاسلكي في عام 1912 عندما تم إنقاذ 750 فرداً من ركاب السفينة تيتانيك Titanic عندما استمع المهندس ديفيد سارنوف إلى إشارة استغاثة من السفينة إلى شاطئ نيويورك، وتم إنقاذ معظم ركاب السفينة التي تعرضت للغرق قبالة شاطئ نيويورك.
الاكثر قراءة في الاذاعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة