آراء مختلف عليها بين علماء الدين حول ضوابط التعامل في البورصة 1
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص71 - 74
2025-12-07
39
القسم الثاني.. آراء تم اختلاف الآراء عليها بين علماء الدين
نظراً لتعدد أعمال البورصة ما بين أسهم وسندات وخلافه، لذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام يشمل جميع هذه المعاملات، فإن كل معاملة لها حكمها الخاص، وإنما القول الجامع الذي أوضحناه ويصلح أن يكون ضابطاً في هذه المعاملات هو أن السندات بأنواعها لا يجوز التعامل فيها لا بيعاً ولا شراء ولا سمسرة، أما الأسهم فلا مانع من تداولها، ولكن اختلف علماء الدين حول موضوعين؛ الأول نوعية الأسهم، والموضوع الثاني كيفية الشراء.
1 - نوعية الأسهم:
قسموا الشركات التي تطرح أسهمها في البورصة إلى ثلاث فئات:
1- أسهم متفق على تحريمها وهي أسهم البنوك الربوية وشركات التأمين وشركات الخمور وبيع اللحوم المحرمة وغير ذلك.
2- أسهم متفق على أنها حلال وهي شركات تتعامل بأنشطة مباحة دون أن تلجأ إلى أساليب محرمة، ودون أن يتطرق إلى تعاملاتها ربا إقراضاً ولا اقتراضاً، وهذه الفئة قليلة، مثل أسهم البنوك الإسلامية، التي يلتزم في نظامها الأساسي بأحكام الشريعة الإسلامية.
3- أسهم اختلف فيها الفقهاء وهي الشركات التي أصل نشاطها حلال وتمارس أنشطة مباحة، إلا أنها تتعامل مع البنوك الربوية إقراضاً واقتراضا أو نحو ذلك، أي قد يعتريها بعض الحرام عن طريق الفوائد الربوية التي تدخل عليها اقتراضاً عند التوسع في مشروعاتها، أو إقراضاً عندما تفيض عندها سيولة تودعها بفائدة، أو ربما شاب أنشطتها بعض الأنشطة المحرمة ، وهذا هو واقع أكثر الشركات وتسمى أسهمها "الأسهم المختلطة" ، وهذه مثل شركات (الأسمنت الحديد والصلب، الماء، الكهرباء، الاتصالات الأدوية، وغيرها).
أسباب الخلاف
تعود أسباب الخلاف إلى اختلاف وجهات النظر والرؤية كما يلي..
من نظر إلى الغرض الأساسي لهذه الشركات والأنشطة الأصلية الغالبة فيها وإلي عموم البلوى والحاجة وإلي قاعدة الكثرة والغلبة والأصالة والتبعية وأدلة أخري في هذا المجال، فقد أباح المساهمة والتعامل في أسهم هذا النوع من الشركات. أما من نظر إلى جزئية تعامل هذه الشركات مع البنوك الربوية فقد حرم التعامل على أسهمها..
الرأي والرأي الآخر
بناء على اختلاف الآراء السابق عرضه نجد أن لدينا هنا رأيين:
الرأي الأول: أن هذا التعامل حرام لا يجوز.
الرأي الثاني: أنه جائز ولكن بالشروط والضوابط الآتية:
1 - ألا تزيد نسبة الديون والسيولة النقدية عن 50 % من رأسمال الشركة.
2 - ألا تزيد نسبة القروض للشركة عن 30%.
3- ألا تزيد نسبة الفوائد إلى الأرباح عن 10%.
4 - أن يتخلص من نسبة الفوائد عند بيع الأسهم.
5- أن تكون هناك رقابة دقيقة على هذه الشركات التي يتعامل بأسهمها من حيث التعرف على ديونها وقروضها.
وتلك الإجازة لعدة اعتبارات؛ منها أن أصل نشاطها حلال، والمحظور يأتي تابعاً بعد ذلك، ومن المقرر أنه يغتفر في التابع ما لم يغتفر في الأصل. ومنها عموم البلوى بهذا النوع من الشركات، وعموم البلوى من المخففات عند عامة العلماء، لأن البلوى لم تعم إلا لحاجتهم إليها، فمع حاجة الناس لقنوات استثمارية لتنمية أموالهم، اجتهدوا في تحديد نسبة معينة من أصول الشركة يتسامح في أن تكون ممولة بالربا. ومنها ألا يُحرم المتدينون من المساهمة في هذه الشركات، في حين يستفيد منها من لا يبالون بالدين، ولا يميزون بين الحلال والحرام، وخصوصاً إذا كانت الدولة هي من يطرح هذه الشركات للمواطنين وتعرضها بأقل من ثمنها ترغيباً للمواطنين أن ينتفعوا بها. ومنها التيسير على خلق الله، وروح الشريعة إرادة التيسير لا إرادة العسر وما جعل عليكم في الدين من حرج فقد يكون لكثرة المتدينين والملتزمين بالدين تأثير في تحول الشركة في المستقبل إلى الاقتصاد الإسلامي، فالمساهمون هم أصحاب الشركة، وهم الذين يختارون مجلس الإدارة، ويقدرون إن شاءوا على تغيير نظامها الأساسي.
توصيات الفقهاء حول نوعية الأسهم:
انتهت "ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية " التي عُقدت في الرباط في الفترة من 20 إلى 25 ربيع الآخر 1410 هـ إلى الآتي:
1 - تملّك أو تداول أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال لكنها تتعامل أحياناً بالربا يعتبر جائز نظراً لمشروعية غرضها، مع حرمة الإقراض أو الاقتراض الربوي ووجوب تغيير ذلك والإنكار والاعتراض على القائم به .
2- يجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص بما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة بصرفه في وجوه الخير.
3- أجازوا بالأغلبية شراء المستثمرين لأسهم الشركات العاملة في البلاد غير الإسلامية إذا لم يجدوا بديلاً خالصاً من الشوائب، والقول بالجواز إن كان نظام الشركة لا ينص على التعامل في الحرام.
التعامل مع إشكالية هذا الخلاف
مع أخذ الضوابط السابقة في الاعتبار نجدها تتناسب مع روح الشريعة القائمة على التيسير ورفع الحرج ومراعاة حاجات الناس في الاستثمار، وذلك لأنه إذا وجد فيه حرام فهو نسبة ضئيلة لا تؤثر في باقي المال ويمكن التخلص منها عن طريق إعطائها للجهات الخيرية العامة وتطهير المال من تلك النسبة، بالإضافة إلى أن محل البيع المعقود عليه في جملته من الأمور المباحة وأن المشاركة في ذلك جائزة، ونجد الآتي: لم يمنع أحد من الرعيل الأول التعامل مع أهل الكتاب في الجملة، بل كان رسول الله والصحابة يتعاملون معهم بالرغم من أن معاملات أهل الكتاب وأموالهم لم تكن جميعها على الشروط المطلوبة في الإسلام، كما صح أن النبي اشتري من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه، وكذلك الأمر عند الصحابة، حيث كان التعامل معهم سائداً في الجملة. كما تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة والسيرة على أن الإسلام يقوم على التيسير ورفع الحرج ودفع المشقة ورعاية عموم البلوى في أحكامه وتشريعاته ... يقول الله تعالي: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ويقول تعال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ويقول النبي : بعثت بالحنيفة السمحة ويقول : {يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا}. وجمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة اتفقوا على جواز التعامل بالبيع والشراء ونحوهما مع من غالب ماله حلال . وثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، حيث قال الحافظ بن حجر: أن هذا الحديث هو عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر الصديق وقد أخذ من مزارعة الرسول مع اليهود ومساقاته ومعاملته معهم أنه مشاركة بداية ونهاية، ففي البداية يشترك صاحب الأرض بأرضه والعامل بعمله وبذره وماله، وفي النهاية يشتركان في هذا الثمر الناتج عن أموال وأعمال الطرفين، ومن المعلوم أن اليهود كانوا لا يتورعون عن أخذ الربا وأكله، ومع ذلك عقد النبي معهم عقد المزارعة وهو ما يدل على أن مشاركة غير المسلمين جائزة.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة