النهضة في إيطاليا
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص 49 ــ 52
2025-12-06
38
كلمة النهضة هي الترجمة العربية لكلمة Renaissance أي البعث أو الإحياء وهي تطلق على التجديد والنهوض والخلق والابتكار الذي حدث في أوروبا في مجالات الأدب والفلسفة والدين والعمارة والتصوير والنحت والعلم والسياسة والقانون ومن ذلك يتضح أن مجال النهضة هو البناء الفوقي للمجتمع الأوروبي. ولما كان البناء الفوقي هو انعكاس للبناء التحتي المكون من العلاقات الإنتاجية، ولما كانت العلاقات الإنتاجية الإقطاعية قد أخذت تتغير في ذلك الحين إلى علاقات بورجوازية بظهور الطبقة البورجوازية في أحشاء المجتمع الإيطالي منذ القرن الحادي عشر، فإن النهضة التي تشمل التجديد والنهوض في جميع المجالات الإنسانية التي ذكرناها تكون بالضرورة انعكاسا للعلاقات الإنتاجية الجديدة وبروز الطبقة الاجتماعية الجديدة وهي البورجوازية.
وهذا أمر طبيعي، ويمكن تبينه إذا عرفنا أن هذه النهضة لم تقم قبل ظهور الطبقة البورجوازية في العصور الوسطى، ولم يكن من الممكن في الحقيقة، في ظل سيطرة نظام الإقطاع والكنيسة المطلق، أن تقوم، لأن النظام الإقطاعي لم يكن ليفرز أو ليعكس تغييرا يتناقض مع أسسه وقواعده.
ولعل أهم دليل على هذه الحقيقة هو بدء النهضة في إيطاليا قبل غيرها من الدول الأوربية الأخرى. فلقد رأينا من دراستنا لظهور الطبقة البورجوازية كيف أن المدن البورجوازية كانت في إيطاليا أقوى من مثيلاتها في الأقطار الأوروبية الأخرى، فقد تحررت المدن الإيطالية من سيطرة الإقطاع قبل غيرها من المدن الأخرى، وأصبحت عبارة عن دويلات صغيرة.
وقد حكم هذه المدن حكام مطلقون. ففي ميلان كانت تحكم أسرة فسكونتي Visconti، وفى فلورنسا كانت السيطرة لأسرة مديتشي Medicci وهكذا.
ودليل آخر هو أن النهضة وإن بدأت في إيطاليا، إلا أنها بدأت في القسم الشمالي منها، وهو الذي يشمل سهل لمبارديا والبلاد المطلة على البحر، كجنوة والبندقية ومقاطعة تُسكانيا وبمعنى آخر القسم الذي أصبح منطقة كبرى للمدن. أما القسم الجنوبي منها، بما في ذلك روما والأراضي المجاورة لها، وفيها مملكة نابولي، والذي لم يتأثر كثيرا بحركة ظهور المدن، وظل يسوده نظام الإقطاع، فقد ظل أقل تطورا من القسم الشمالي، إذ بقي محافظا زراعيا، في حين كان القسم الشمالي حضريا متطورا.
ولذلك لا نعجب إذا وصف فرديناند سكيفيل Schevill - في كتابه عن «المجتمع في عصر النهضة الإيطالية» - عصر النهضة بأنه عصر المدن المتحررة.
وفي الواقع أن المدن البورجوازية الإيطالية الشمالية قد تمتعت برخاء اقتصادي بفضل سيطرتها على أسواق التجارة وخصوصا البندقية وجنوة اللتين كانتا تقومان بنقل توابل الشرق وحريره وجواهره إلى الموانئ والمدن الإيطالية، ومنها عبر ممرات الألب إلى الأسواق الأوروبية الأخرى. وقد أدى هذا النشاط التجاري إلى نمو الطبقة البورجوازية فيها نموا كبيرا وتمتعها بالثراء والغنى وكان أغلب هؤلاء التجار أهل فن وذوق، فعنوا بالثقافة وشجعوا رجال العلم والفن.
وقد ذكرنا آنفا كيف أن ظهور الطبقة البورجوازية قد أدى إلى ازدياد الاهتمام بالقراءة والكتابة وانتشارها، نظرا لحاجة البورجوازية إليها في الأعمال الحسابية والمالية والمعاملات وغيرها، وكيف انتشر التعليم العلماني (المدني) إلى جانب التعليم الديني. وقد أوجد ذلك الحاجة إلى اختراع وسيلة يسهل بها انتشار التعليم، والحاجة أم الاختراع، فاخترعت آلة الطباعة أولا في ألمانيا عام 1454م، حيث انتشرت المدن على نحو ما ذكرنا، وكان أول كتاب طبع بالحروف المصفوفة هو الكتاب المقدس باللغة اللاتينية في مطبعة يوحنا جوتنبرج Gutenberg (1367 - 1468م) – من مدينة ماينز Mainz على الراين بألمانيا - ثم انتشرت الطباعة خلال السنوات التالية من مدن الراين إلى بقية أوروبا - فدخلت إيطاليا عام 1465م، وباريس عام 1470م وستوكهلم عام 1473م وفالنسيا Valencia بإسبانيا عام 1474م ولندن عام 1477م ومدريد 1499م.
وقد كان من نتيجة اختراع آلة الطباعة انتشار الكتب وانخفاض ثمنها وازدياد الإقبال على العلم والمعرفة. فلم تعد الثقافة والمعرفة مقصورة على رجال الكنيسة، بل أصبحت في متناول عامة الناس.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة