أنواع الدعوى الحادثة والتدخل فيها
المؤلف:
هند جبار حسين ساجت
المصدر:
اثر التناقض على صلاحية احكام القضاء المدني
الجزء والصفحة:
ص 63-69
2025-11-16
36
هي تلك الدعوى التي تقدم إلى المحكمة أثناء نظر الدعوى الأصلية وتؤدي إلى تعديل نطاقها من حيث الموضوع أو السبب أو الأشخاص، وهي بهذا تختلف عن الطلبات الاحتياطية والإجراءات المتخذة للسير في الدعوى فالدعوى الحادثة هي الطلبات العارضة التي تقدم إلى المحكمة أثناء سير الدعوى الأصلية وتتناول طلبات إضافية للنزاع الحاصل من جهة موضوعه أو سببه أو أطرافه، وهي التي أجاز قانون المرافعات المدنية العراقي استثناءها من عدم جواز الزيادة في الادعاء في الدعوى (1).
إن الدعوى الحادثة تتفرع عن الدعوى الأصلية ولكنها دعوى تتأسس على طلب موضوعي ولا تتأسس على مجرد طلب يتصل بإثبات الدعوى أو السير بإجراءاتها أو بأمر شكلي متعلق بها، ويمكن أن يطلق وصف الدعوى (الفرعية على الدعوى الحادثة بمقابل الدعوى الأصلية التي تتأسس على الطلب الأصلي)، ويبقى على الرغم من ذلك للدعوى الفرعية استقلالها عن الدعوى الأصلية. ويتنازع مفهوم الدعوى الحادثة عدة اعتبارات، فالمبدأ التقليدي هو ثبات النزاع أو عدم جواز تغيير محل وسبب وأشخاص الدعوى التي يتحدد نطاقها بالطلب الأصلي حتى يسهل حسم النزاع القضائي (2) .
وبناءً عليه سنقوم بدراسة أولاً أنواع الدعوى الحادثة أما ثانياً فسنقوم بتسليط الضوء على التدخل في الدعوى.
أولاً: أنواع الدعوى الحادثة:
تنص المادة (66) من قانون المرافعات المدنية العراقي على أنه " يجوز أحداث دعوى جديدة عند نظر الدعوى، فإن كانت من قبل المدعى كانت دعوى منضمة وان كانت من قبل المدعى عليه كانت دعوى متقابلة" (3). كما تنص المادة (70) من القانون ذاته على أن: "
1 - تقدم الدعوى الحادثة إلى ما قبل ختام المرافعة بعريضة تبلغ للخصم أو بإبدائها شفاها بالجلسة في حضوره، ويعتبر دخول الشخص الثالث أو ادخاله دعوى حادثة ويصبح الشخص بعد قبوله طرفا في الدعوى ويحكم له أو عليه.
2 - إذا تضمنت الدعوى الحادثة طلب الحكم لصالح أحد الطرفين على الآخر أو لصالح أحدهما ضد الشخص الثالث أو لصالح الشخص الثالث ضد أحدهما أو كليهما فتؤدى رسوم الدعوى عنها. ويكون الحكم قابلا للطعن ممن صدر عليه الحكم فيها" (4).
وبناءً على ما تقدم سنقوم بدراسة الدعوى الحادثة المنظمة، وبعدها سنقوم بدراسة الدعوى الحادثة المتقابلة، وأخيراً نقوم بتسليط الضوء على التدخل في الدعوى على الشكل التالي:
1- الدعوى الحادثة المنظمة:
هي الدعوى التي يحدثها المدعي عند النظر في دعواه الأصلية والتي يكون من شأنها أن تؤدي إلى تغيير نطاق الدعوى الأصلية من حيث الموضوع أو السبب أو الأشخاص (3)، ويشترط في هذه الدعوى أن تكون مرتبطة بالدعوى الأصلية وأن تكون من اختصاص المحكمة، التي تنظر في الدعوى الأصلية، ولهذه الدعوى عدة صور في التشريع العراقي هي: " أ- الطلبات المترتبة على الدعوى الأصلية، ب- الطلبات المكملة للدعوى الألية، ج- الطلبات المتصلة بالدعوى الألية بصلة لا تقبل التجزئة" (6).
2- الدعوى الحادثة المتقابلة
هي الطلبات التي يتقدم بها المدعى عليه والتي قد تنطوي على رد دعوى المدعي كلاً أو جزء ويشترط فيها أيضاً أن تكون مرتبطة بالدعوى الأصلية وأن تكون من اختصاص المحكمة – نوعياً وقيمياً - التي تنظر في الدعوى الأصلية. وللدعوى الحادثة المتقابلة في التشريع العراقي صورتان " أ - طلب المقاصة (7) ب- أي طلب آخر يكون متصلاً بالدعوى الأصلية اتصالاً لا يقبل التجزئة " (8).
تهدف الدعوى الحادثة المتقابلة إلى الحصول على حكم قضائي في مواجهة المدعي أو تحسين مركز المدعى عليه في الدعوى، فضلاً عن الهدف الأساس المتمثل برد دعوى المدعي كأن يطلب المدعي في دعواه الأصلية الحكم بتنفيذ العقد فيرد المدعى عليه بطلب فسخه أو إبطاله فالمدعى عليه لا يقف عند مجرد رفض طلبات المدعي بل يطلب الحكم لصالحه بطلبات جديدة.
ثانياً: التدخل في الدعوى:
يقصد بالتدخل في الدعوى هو دخول شخص خارج عن الدعوى في خصومة قائمة بين آخرين، أما بناء على طلب أحد الخصوم أو بناء على طلبه، ويعد دخول الشخص الثالث أو إدخاله دعوى حادثة. فالتدخل هو نوع من أنواع الدعوى الحادثة، وبه يتم توسيع نطاق الدعوى من حيث أطرافها، وهو يعني مساهمة ثالث لا صفة له ابتداء في الدعوى، إلا أن مركزه القانوني قد يتأثر من نتيجة الحكم في تلك الدعوى المرفوعة.
نصت المادة (424) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على أنه: " يرفع الاعتراض الى غرفة المذاكرة في المحكمة التي صدر عنها الحكم، بناءً على دعوة بسيطة لمدة أربع وعشرين ساعة ترسل الى الخصم إذا اقتضت الحال حضوره وإذا لم يكن للخصم أية مصلحة حادثة أو ممكنة الحدوث، في تصحيح قرار النفقات، فإن الاعتراض يبقى مقبولاً، والفريق المعترض يمكنه أن يحضره وحده" (9).
إن التدخل والاختصام نوع من أنواع الدعوى الحادثة يتسع بها نطاق الخصومة المدنية من حيث الأشخاص ويتمثل بدخول شخص ثالث فيها من تلقاء نفسه منضماً لأحد طرفيها أو مختصماً كليهما أو بتكليف شخص ثالث بالدخول فيها بناءً على طلب من الخصوم أنفسهم أو بناء على قرار صادر عن محكمة الموضوع، وينطبق على التدخل أيا كان نوعه بوصفه دعوى حادثة، كل القواعد المتعلقة باختصاص محكمة الطلب الأصلي بالطلبات العارضة وشروط قبولها وإجراءات تقديمها (10)
التدخل لا يكون إلا من الغير ولا يمكن عد الشخص من الغير عن الدعوى، إذا كان ممثلاً فيها بوصفه طرفاً في الخصومة بصفته الشخصية أو بوساطة من ينوب عنه قانوناً كالولي أو الوصي أو القيم، كما لا يعد من الغير الخلف العام لأحد أطراف الدعوى وقبل تدخل أو إدخال الشخص الثالث في الخصومة المدنية فإنه يعد خارجاً عن الخصومة ولا يحتج بمواجهته بالحكم الصادر فيها استناداً لقاعدة نسبية أثر الإجراءات المدنية.
إن تطور الحياة الاقتصادية أدى إلى تداخل العلاقات القانونية وأصبحت إمكانية تأثير الحكم القضائي على حقوق الغير ومصالحهم كبيرة ويتعذر إزالة الأضرار التي تصيب الغير من الحكم الصادر إذا أغلق طريق التدخل في الخصومة ولا يغني عن التدخل طريق اعتراض الغير، لأن هذا الطريق ليس متاحاً للغير دائماً، كما أن مفهوم معارضة الشخص أضيق من مفهوم الغير في التدخل، وتوفيراً للوقت والإجراءات بتقديم الطعن باعتراض الغير على القرار الصادر في الدعوى بقصد سحبه أو تعديله بالنسبة للمعترض كما أن مصلحة المعترض في تقديم الاعتراض تتحقق بمجرد صدور الحكم القضائي أو محاولة إقامة الدعوى مجدداً وبالموضوع نفسه إذ أن من الممكن أن يؤدي ذلك إلى صدور أحكام متناقضة وإعادة النزاع مجدداً بين خصوم مختلفين (11). إن التدخل نوعان، التدخل الاختياري، والتدخل الجبري :
1- التدخل الاختياري:
التدخل الاختياري هو دعوى حادثة تقدم للمحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية من شخص يعد من الغير عنها ولا يمكن عده طرفاً فيها، ويتم هذا التدخل بمحض إرادة المتدخل واختياره دون أن يلزمه أحد بوجوب التدخل في الدعوى. ويهدف المتدخل من تقديمه الطلب إلى الدفاع عن الخصومة أو للمطالبة بمحل الخصومة لنفسه أو بشيء متعلق بهذا المحل أو مترتب عليه. والتدخل الاختياري إما أن يكون تدخلاً انضمامي وإما أن يكون تدخلاً اختصامي (12).
2- التدخل الجبري :
إدخال الغير في الخصومة أو اختصامه هو إجبار شخص يعد من الغير عن الدعوى على الدخول فيها ومن ثم يصبح خصماً يحكم له أو عليه دون رغبته بناءً على طلب من أحد الخصوم الأصليين أو بناء على قرار يصدر من المحكمة. ولذلك فإن اختصام الغير يتمايز عن التدخل
الاختياري الذي يتم بناء على إرادة الغير دون أن يلزمه أحد على الدخول في الخصومة (13). يهدف اختصام الغير إلى تحقيق أغراض متعددة، منها جعل الحكم الذي يصدر في الخصومة الأصلية حجة على المختصم ويسري في مواجهته، فلا يستطيع بعد ذلك أن يعترض اعتراض الغير بحجة انه لم يكن طرفاً في الدعوى ولم يكن ممثلاً فيها، أو الحكم على شخص المختصم أو له بالطلبات الأصلية نفسها أو غيرها من الطلبات التي توجه إليه بصفة خاصة. ولكن لا يجوز الحكم للشخص الثالث الذي أدخلته المحكمة بأكثر مما تضمنته عريضة الدعوى، وكذلك لا يجوز للمحكمة التي قررت إدخال الشخص الثالث بجانب المدعي عليه أن تحكم عليه بمفرده وتقرر رد الدعوى ضد المدعي عليه لأنها بذلك تصحح الخطأ الذي وقع فيه المدعي في معرفة خصمه. وفي قرار لمحكمة استئناف التأميم في العراق جاء فيه على أنه : " إذا أدخلت المحكمة شخصاً ثالثاً بجانب المدعي عليه فليس لها أن تحكم على الشخص الثالث بمفرده وتقرر رد الدعوى ضد المدعي عليه، لأنها إن فعلت ذلك تكون قد صححت الخطأ الذي وقع فيه المدعي في معرفة خصمه، فحكمت على من لم يكن خصماً للمدعي في عريضة الدعوى"(14). نصت المادة (69) بفقرتيها (2-3) من قانون المرافعات المدنية العراقي بقولها : "2 - يجوز لكل خصم أن يطلب من المحكمة إدخال من كان يصبح اختصامه فيها عند رفعها أو لصيانة حقوق الطرفين أو أحدهما على المحكمة دعوة الوديع والمودع والمستعير والمعير والمستأجر والمؤجر والمرتهن والراهن والغاصب والمغصوب منه عند نظر دعوى الوديعة على الوديع والمستعار على المستعير والمأجور على المستأجر والمرهون على المرتهن والمغصوب على الغاصب .4- للمحكمة أن تدعو أي شخص للاستيضاح منه عما يلزم لحسم الدعوى" (15).
نستنتج أخيراً أن نص الفقرة (1) من المادة (72) من قانون المرافعات المدنية العراقي يدل على أنه من أجل تحقيق أهداف الدعوى الحادثة في إصدار حكم شامل لجوانب النزاع وتجنباً لتناقض الأحكام في النزاعات ذات العناصر المشتركة فإن على المحكمة أن تفصل في الدعوى الأصلية والدعوى الحادثة بحكم واحد كلما أمكن ذلك بشرط أن لا تخرج عن اختصاصها، فهذا النص يهدف صراحة الى منع حالة التناقض بين الأحكام، خشية أن يكون الحكم الصادر في الدعوى الحادثة مناقضاً للحكم الصادر في الدعوى الأصلية، ومن هنا يمكن القول بأن الدعوى الحادثة هي وسيلة وقائية من مشكلة التناقض بين الأحكام.
______________
1- احمد محمد حشيش، تناقض الأحكام القضائية، دار النهضة العربية، القاهرة - مصر، 2001، ص 58.
2- أحمد هندي، قانون المرافعات المدنية والتجارية، الطبعة الأولى، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، 2003، ص 43.
3- المادة (66) من قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969 المعدل.
4- المادة (70) من قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969 المعدل.
5- نصت المادة (45) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم (90) الصادر عام 1983 وتعديلاته على أنه: للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها ادخال شخص ثالث في المحاكمة إذا رأت أن من شأن هذا التدبير أن يسهل الحكم في الدعوى الاصلية ويؤدي الى اظهار الحقيقة، وان فيه فائدة لصيانة حقوق الخصوم أو أحدهم أو حقوق المقرر ادخاله. وعلى قلم المحكمة أن يبلغ الشخص الثالث قرار الادخال".
6- عبد الرحمن العلام، شرح قانون المرافعات المدنية العراقي، ج2، الطبعة الثانية، المكتبة القانونية، بغداد، 2008، ص 234
7- فؤاد قاسم مساعد قاسم الشعيبي، المقاصة في المعاملات المصرفية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان 2008، ص 12
8- اجياد ثامر نايف الدليمي الصفة في الدعوى المدنية، الطبعة الأولى منشورات زين الحقوقية، بيروت – لبنان ص 2020، ص 42.
9- المادة (424) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم 90 الصادر عام 1983 وتعديلاته.
10- أحمد ماهر زغلول، دعوى الضمان الفرعية، الطبعة الأولى، مطبعة عين شمس، القاهرة - مصر، 2000، ص 128.
11 - عبد الفتاح مراد موسوعة مراد لأحداث أحكام محكمة النقض المصرية، الجزء الرابع النهضة للنشر والتوزيع، القاهرة - مصر 2004، ص 238
12- عدلي أمير خالد مباشرة الدعوى المدنية، الطبعة الأولى، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية - مصر، 2004، ص272
13- نصت المادة (218) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم (90) الصادر عام 1983 وتعديلاته على أنه : " للمحكمة في أية مرحلة من مراحل المحاكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على الطلب، حضور الخصوم أو أحدهم بالذات لاستجوابهم في جلسة علنية او في غرفة المذاكرة. لا يجوز الاستجواب عن الأمور التي لا يصح فيها التنازل أو الصلح أو التي يمنع القانون اقامة الدليل عليها.
14- قرار محكمة استئناف التأميم في العراق بصفتها التمييزية العدد /218/ مدنية الصادر بتاريخ 2002/8/21، منشور في مجلة العدالة العدد الرابع، 2002، ص 88
15- المادة (69) الفقرة (2-3-4) قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969، والمعدل.
الاكثر قراءة في القانون المدني
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة