سؤال وإشكال على مناصري الديمقراطيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص99-102
2025-11-13
13
لنا أن نسأل على أنصار الديمقراطيّة، الذين يوكلون حقّ انتخاب الإمام إلى جميع أفراد الشعب، أن يجيبوا.
وسؤالنا هو: أنّ عامّة الناس في كلّ امّة ليسوا بمستوى واحد في الفهم والعقل والشعور والمعرفة، بل الملحوظ أنّهم يتفاوتون فيما بينهم فبعضهم يجدّ ويكافح ويعاني ليصعّد من مستواه العقليّ والعلميّ. ومثله كمثل الفيلسوف اللبيب، والعالم الكفوء. والعارف متنوّر الضمير، إذ اطّلع على الحقائق، وأدرك أوضاع الناس ومصالحهم ومفاسدهم، واستطاع أن يشخّص بحسّه المرهف في معرفة الناس، أعقل الأشخاص وأعلمهم وأورعهم وأشجعهم وأبصرهم بشؤون الامّة ومصالحها لينتخبه قائداً للناس.
ومن الطبيعيّ فإنّ هؤلاء يندر وجودهم في كافّة المجتمعات البشريّة، ويصعب العثور عليهم.
وثمّة طائفة اخرى لم يبلغ أفرادها تلك الدرجة من الكمال، بَيدَ أنّهم يطمحون إلى تطوير قواهم العلميّة والعمليّة وتكميلها، ويريدون إيصال أنفسهم إلى الكمال من خلال التدرّج في المراحل العقليّة والعمليّة واجتياز الدروس التربويّة.
وهؤلاء يتواجدون في المجتمعات البشريّة، وعددهم أيضاً ليس قليلًا، لكنّهم قليلون للغاية إذا ما قيسوا بجماهير الامّة، وإنّهم وإن لم يبلغوا درجة الشريحة الأولى في تشخيص الحقّ من الباطل، بَيدَ أنّهم ألمّوا بهذه المرحلة إلى حدّ ما.
وهناك طائفة ثالثة، وهم عامّة الناس الذين يُؤَلّفون جماهير الامّة. وهؤلاء لم يرتقوا إلى مستوى عال من العلم والعمل، ولم يخطوا خطوة واحدة على هذا الطريق. وإنّهم يسيرون وراء بريق المظاهر والألوان والروائح، فكلّ ما يبهر العيون يستقطبهم إليه. وهم وإن كانوا فارغين معنويّا وبعيدين عن الواقع، لكنّهم هم الذين يُدلون بأصواتهم لأجمل المرشّحين، ويجتذبهم كلّ مرشّح تكثر صوره ودعاياته، وتركّز عليه وسائل الإعلام.
ولو تقرّر فرضاً تفويض الرأي إلى جميع الناس، وإشراكهم في انتخاب القائد، فينبغي أن يجري هذا التفويض وفق معدّل من ميزان العقل ووعى الناس، فمثلًا يحقّ لعامّة الناس الإدلاء بصوت واحد، ولطلّاب المدارس بعشرة أصوات، ولطلّاب العلوم الدينيّة بمائة صوت، وللعلماء بألف صوت، وللحكماء والفلاسفة الإلهيّين بعشرة آلاف صوت، وللعلماء الربّانيّين العارفين الذين تحرّروا من ربقة أنفسهم وأهوائهم، ووجدوا طريقهم إلى الحقّ والحقيقة ووصلوا إلى الكلّيّة بمائة ألف صوت، وللإمام الذي تربّع في مصدر الولاية، وهو من عالم الأمر قلق على عالم الخلق، وقد انشرح صدره لتلقّي الأنوار الإلهيّة وبثّها في عالم الكثرة، فكان في منهل الشرع والشريعة، له كلّ الأصوات. ويجب أن ينظر إليه على أنّه صاحب القرار الوحيد حتى في اختيار الإمام من قبل الله. وهذا هو منطق الشيعة، فهم يقولون: أنّ حقّ اختيار الإمام لله، ونصبه يكون بواسطة النبيّ أو الإمام الذي يسبقه.
وأنتم يا دعاة الحرّيّة الجهلاء! هل تمنحون جماهير الامّة حقّ انتخاب الإمام على أساس نفس هذا المعيار؟ وهل تقسمّون الناس إلى طبقات مختلفة، فتمنحونهم حقّ الانتخاب وفق معدّلات متفاوتة؟! فالتصويت عندكم على أساس أكثريّة أصوات الناس بلا فرق بين العالم الفاضل والجاهل البليد أو دماغ الدولة المفكّر أو العامّيّ الفارغ فلكل منهم صوت واحد.
وهذا اسلوب خاطي من منظار العقل والمعرفة. وهو اسلوب يهبط بقيمة العقل والعقلاء والعلم والعلماء إلى الحضيض، ويجعل رأي العالم والجاهل، والمطّلع على شئون المجتمع وغير المطّلع سواء، في مقياس قيمة التصويت، ويضع أصحاب المعرفة والوعي في نفس الدرجة التي عليها السذّج البسطاء! فكيف تجيبون على هذه المسألة؟! وما هو موقفكم في ساحة العدل الإنسانيّ وشرف الإنسانيّة؟! وكيف تضيّعون حقوق عامّة الناس بترك انتخاب الإمام الذي يرضاه العقلاء والمفكّرون في المجتمع؟ كيف تضيّعون ذلك في مقابل العدل الإلهيّ؟ ومن ثمّ تجرّون المجتمع نحو الانحطاط والفساد.
هذه مؤاخذة اسجّلها على رافعي لواء الديمقراطيّة الجاهليّة، وهي ممّا ألهمنيه الله، تبارك وتعالى. هيّا، أجيبوا! وهيهات أن تقدروا على الجواب.
الاكثر قراءة في سؤال وجواب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة