المناخ
المؤلف:
د. محمد خميس الزوكة
المصدر:
جغرافية النقل
الجزء والصفحة:
ص 235 ـ 245
2025-11-10
29
كان ولازال يشكل مع أحوال الطقس أكثر العوامل الطبيعية تأثيرا في النقل الجوي ، لذلك تزود الطائرات عادة بخرائط ونشرات دورية خاصة بأحوال الطقس وظروف المناخ السائدة والمتوقع حدوثها خلال زمن الرحلة الجوية.
وتتعدد العناصر المناخية المؤثرة فى الملاحة الجوية حيث تضم بصورة أساسية درجة الحرارة ، الضغط الجوى ، الرياح ، الرطوبة النسبيه ، ويجدر الاشارة الى ان ظروف المناخ واحوال الطقس التي تؤثر في الملاحة الجوية تقتصر على ما يتعلق ويحدث بالطبقة السفلية من العلاف الغازي الملامس لسطح الارض والتى تمثل مجال الطيران التجاري والحربي وتعرف هذه الطبقة باسم التروبو سعير roposphere ويتراوح سمكها بين ثمانية كيلو مترات عند القطبين ، 18 كيلو مترا عند الاقاليم المدارية الحارة (متوسط سمك هذه الطبقة حوالى 11 كم.
ويعد توزيع درجة حرارة الهواء كجزء مؤثر في طقس العالم العامل الأساسى الذي يتحكم فى تكون الضباب وتساقط الثلوج ، بالاضافة الى تأثر محركات الطائرات بما يطرأ على درجة الحرارة من تغييرات وخاصة المفاجئة منها ، وترتبط كثافة الهواء بالتغيرات التي تحدث لكل من درجات الحرارة والضغط الجوى ، بالاضافة الى عامل الرطوبة النسبية وان كان تأثيره أقل ، وتعد كثافة الهواء العامل الحاسم في تحديد طاقة وقدرة الطائرة على الارتفاع عن طريق المراوح، فانخفاض كثافة الهواء يعنى ضافة الارتفاع الناتج على طريق المراوح ، لذا يجب زيادة سرعة الطائرة على الممر الارضى حتى تزداد قدرة على الارتفاع ، مما يعنى أنه عند انخفاض كثافة الهواء لابد أن تتم عمليات اقلاع الطائرات وهبوطها على الممرات الارضية بسرعات عالية . وكما أشرنا ترتبط كثافة الهواء بعامل الحرارة لذلك تنخفض بشكل ملحوظ فى المناطق الصحراوية الحارة عن مثيلتها فى المناطق المعتدلة ، وهو أمر يوضع فى الاعتبار عند تصميم محركات ومراوح الطائرات التي تستخدم فى دول واقعة في النطاق المدارى الحار حيث تتم عمليات الاقلاع والهبوط في ظل ظروف مناخية أميزها الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وبالتالى الانخفاض الشديد لكثافة الهواء.
ونظرا لتناقص الضغط الجوي بالارتفاع فوق منسوب سطح البحر بمعدل عشرة ملليبارات تقريبا لكل مائة متر فان كثافة الهواء تتناقص بنحو 10% لكل ثلاثة آلاف قدم ، ولذلك تبلغ كثافة الهواء عند منسوب 20 ألف قدم نحو نصف كثافته عند منسوب سطح البحر وهو عامل لم يؤثر فقط في عمليات الطيران بالارتفاعات المختلفة بل أسهم في تحديد مواقع المطارات في نطاقات الهضاب المرتفعة.
وتحدث الرطوبة وهى عبارة عن بخار الماء العالق بالهواء مشاكل للنقل الجوي عند تكاثفها وحدوث التساقط اذ تؤدى الى ظهور السحب وصعوبة الرؤيا ، كما يتكون الضباب وتتساقط الثلوج اذا كانت درجة الحرارة ملائمة لذلك ، وتحدث مثل هذه الظواهر المناخية في الاقاليم التي تتسم بعدم ثبات خصائص عناصر مناخها اما بفعل التيارات الهوائية أن يفعل مؤثرات السطوح الجبلية المرتفعة ، كما تحدث أيضا في نطاقات الجبهات على النقل الجوي في انعدام الرؤيا في نطاقات انتشار السحب التي يمكن أن تتواجد في مختلف المناسيب ، بالاضافة الى نشاط التيارات الهوائية التي يمكن أن توجد صعوبة كبيرة فى سيطرة الاجهزة الملاحية على الطائرة في الهواء.
ويشكل الضباب خطورة على الطيران فى الاجواء المحيطة بالمطار، وبالمثل يكون تأثير تساقط الثلوج و البرد والتي تسهم فى ضعف الرؤيا وأحيانا انعدامها ويتأثر عامل مدى وضوح الرؤيا - وهو من العوامل المؤثرة في النقل الجوي بعناصر مختلفة منها الاتربة والادخنة وخاصة في المدن والاقاليم الصناعية ، وطالما تشيد المطارات فى مثل هذه المنطاقات فانه من الاهمية بمكان أن يوضع عامل تناقص مدى الرؤيا بها في الاعتبار عند تحديد مواقع المطارات بها. تؤدى العواصف الترابية والرملية في الاقاليم الصحراوية الى اضعاف الرؤيا لمسافة رأسية تصل الى نحو عشرة آلاف قدم ، ولمسافة أفقية مداها 6 1 كم تقريبا ، كما تؤدى حرائق الغابات. والاحراش (كما في كندا على سبيل المثال) الى تقليل مدى الرؤيا من سطح الارض الى ارتقاء يتراوح بين 2 - 3 آلاف قدم مما يشكل خطورة كبيرة على الطائرات وخاصة أثناء عملية الاقلاع والهبوط وتعد الرياح من أهم عناصر المناخ المؤثرة فى النقل الجوي بما في ذلك متطلباته على سطح الارض والمتمثلة أساسا فى الممرات الارضية التي يوضع اتجاه الرياح السائدة فى منطقة المطار في الاعتبار عند تحديد اتجاهاتها ، وطالما تعد الطائرة جسما سابها في الهواء فان سرعتها سواء على الممر الارض أو فى الهواء تتحدد بالهواء الجوى المحيط بها سواء على سطح الارض أو فى الطبقات الجوية ، وتعد سرعة الرياح في الطبقات العلوية عاملا هاما وحاسما في تحديد سرعة الطائرة ومستوى أداء الاجهزة الخاصة بقوة دفع الطائرة لعملها بكفاءة وأمان ، ويجب حساب سرعة الطائرة على الارض أيضا عند تقدير الوقت بدقة الذي تستغرقه الطائرة في رحلتها من مكان لآخر على سطح الارض ، أي أن عملية تحديد زمن رحلة أية طائرة تتطلب تحديد سرعة الطائرة على الارض وفى الجو على حد سواء.
ومعرفة دورة الرباح العامة ضرورية لأدراك نوع الرياح المحتمل مواجهتها على الخطوط الجوية المختلفة ، ولكي يدرك الجهاز الملاحي بالطائرة هل سيسير في اتجاه الرياح أم ضد هذا الاتجاه ، وهو عامل يحدد سرعة الطائرة ومسارها والزمن الذي تستغرقه الرحلة ومقدار الوقود المستهلك ، وهي أمور تكون كلها في صالح الطائرات التي تعبر المحيط الاطلسي من أمريكا الشمالية صوب أوربا لأنه اتجاه يتفق واتجاه الرباح الغربية ، والعكس صحيح بالنسبة للطائرات التي تسير في الاتجاه المعاكس لهذا الاتجاه أي المتجهة من أوربا صوب أمريكا الشمالية ويجب ادراك أن الرياح السطحية والرياح في الطبقات العلوية تتباين في اتجاهاتها وقوتها ، وهى أمور هامة لها تأثيرات لا يمكن اغفالها في مجال النقل الجوي ، فبعد تطور صناعة الطائرات ومحركاتها والتوسع في استخدام المحركات النفاثة التي أعطت الطائرات القدرة على الطيران على ارتفاعات كبيرة مما يجنبها الى حد كبير المطبات الهوائية وتقلبات الجو أصبح من الأهمية بمكان ادراك كل ما يتعلق بالرياح في الطبقات العليا وخاصة اتجاهاتها التي يمكن عند اتباعها اتمام الرحلات الجوية طويلة المدى وخاصة العابرة للمحيطات بتكاليف اقتصادية معقولة . ففى السنوات الماضية ولازال حتى الان بالنسبة للرحلات المحلية والقصيرة يتحتم على ملاحى الطائرات أن يتبعوا طرقا جوية محددة لهم لا يحيدون عنها ، الا أن الأمر يختلف تماما بالنسبة للرحلات الجوية طويلة المدى والعابرة للمحيطات حيث يتحتم على ملاحى الطائرات العاملة على هذه الخطوط مراقبة اتجاهات الرياح ومساراتها وسرعتها بأجهزتهم ، وتعديل مسار الطائرة وفقا لهذه المتغيرات، أو بتعبير آخر يتحتم على ملاحى مثل هذه الخطوط تحديد أسرع المسارات الممكنة لطائراتهم بتحديد الدروب التي يستغرق عبورها وقت أقل وتتبعها ، ولتحقيق ذلك لابد من الاستفادة من المعلومات التي ترصدها الاجهزة الملاحية بالطائرة والمتعلقة باتجاهات الرياح المتغيرة وتجنب مواجهتها ، وهو أسلوب للملاحة الجوية يعرف باسم Pressure Pattern Navigation وهو شائع الاستخدام بين ملاحي الطائرات العاملة على الخطوط الجوية طويلة المدى وخاصة العابرة للمحيطات وبالتحديد المحيط الأطلسي ، وترجع هذه التسمية الى ان الدروب التي يستغرق عبورها وقت اقل تتباين تبعا لحالات الضغط الجوي والرياح ، وهي مسارات تختلف تماما عن طريق الدائرة العظمى الذي كان يتبع عادة في السابق ، لذلك فان ملاحى الخطوط الجوية طويلة المدى العابرة للمحيطات لا يتتبعون طرقا جوية سبق تحديد مساراتها ومن الانجازات التي تحققت في مجال النقل الجوى امكانية الطيران على ارتفاعات عالية حيث حقق اتباع أسلوب الملاحة الجوية المعروف باسم Pressure Pattern في هذه الارتفاعات نتائج باهرة ، فقد تبين أن الارتفاعات التي يتراوح منسوبها بين 28 - 40 الف قدم فوق منسوب سطح البحر ، ويتراوح الضغط الجوي فيها بين 200 – 300 ملليبار وذلك في الاقاليم المعتدلة بنصف الكرة الشمالي تتميز بوجود تيارات هوائية دائمة تتحرك من الغرب الى الشرق في نطاق المحيط الاطلسي ، وتستطيع الطائرات التي تمتطى تلك التيارات توفير كثير من الوقت اللازم لعبور المحيط ، وتعرف هذه التيارات باسم التيارات الهوائية النفاثة Jet Streams وهي تبرز في خصائصها الاختلاف الكبير بين أحوال الرياح على سطح الأرض وعلى الارتفاعات العالية فرغم اتجاهها العام المنتظم من الغرب الى الشرق الا أنها تتعرج فى هبوبها ولا تتبع خطوطا مستقيمة ، كما أن مساراتها تكون اقل ارتفاعا فى منسوبها خلال شهور الشتاء عن منسوبها خلال الصيف حين تهب على ارتفاعات أعلى وتقل سرعتها التي تتراوح بين 50 - 60 عقدة ، بينما تتراوح سرعتها خلال شهور الشتاء بين 95 - 120 عقدة ، وتراوحت اقصى سرعة سجلت للتيارات الهوائية النفاثة بين 200 – 250 عقدة.
ويلاحظ من تتبع الشكل رقم (29) أن الرباح أو التيارات الهوائية النفاثة عند منسوب الضغط 300 ملليبار غير دقيقة في اتجاهاتها وذلك في بعض الاقاليم المدارية ، ومرد ذلك نقص الدراسات الخاصة بها ، وتعكس الاسهم الاتجاه العام للتيارات الهوائية والتي تضاعف سرعة الطائرات التي تسير فى نفس الاتجاه ، بينما تعترض تقدم الطائرات المجابهة لها وتقلل كثيرا من سرعتها.
وعند اجراء أي دراسة خاصة بالطرق الجوبة والمواقع الجغرافية المراكزها على خريطة العالم يعد عامل الطقس والمناخ حاسما في هذا المجال وخاصة عنصري الرياح ومجال الرؤيا ، وكثيرا ما يستخدم تعبير طقس ملائم للطيران Flying Weather وهو تعبير له معانى تتباين باختلاف كل من الافراد والهدف من الطيران، فبالنسبة للطائرات الصغيرة والخاصة والتي تستخدم في أغراض المتعة والرياضة يختلف مغزی تعبیر طقس ملائم للطيران عن مغزاه بالنسبة للطائرات الكبيرة التي تعمل على الخطوط الجوية التجارية المنتظمة ، فبالنسبة للنوع الأول من الطيران تكون المحطات الارضية هي المرجع الأساسي لتحديد خصائص الطقس وتتم عملية الطيران وفقا لقواعد الطيران المرئى المعروف باسم V.FR ، بينما يتم النوع الثاني من الطيران التجاري المنتظم وفقا لمواعيد محددة، لذا يتم في ظل ظروف طقس متباينة لذلك يتم الطيران وفق قواعد الطيران الآلي المعروفة باسم يتبين من العرض السابق أنه رغم الميزة الرئيسية للنقل الجوى والمتمثلة فى حرية الطائرة فى الطيران، وعدم حاجتها الى طريق ممهد أو مجهز لتتبعه أثناء عملية الطيران ، الا أن هذه الحرية مشروطة وغير مطلقة ، حيث تحتاج إلى الخدمات الملاحية التي تقدمها الاجهزة الارضية عن طريق أجهزة الارسال اللاسلكية والادارية والتي تجنبها الكثير من المخاطر الناتجة عن العوامل الطبيعية والتى تأتى أشكال السطح وأحوال الطقس وظروف المناخ في مقدمتها.


الاكثر قراءة في الجغرافية المناخية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة