علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
التمهيد
المؤلف:
السيد علي حسن مطر الهاشمي
المصدر:
منهج نقد المتن في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة:
ص 13 ــ 20
2025-10-16
66
إنّ منهج (نقد المتن) في تصحيح الروايات وتضعيفها هو منهج مقابل لمنهج (نقد السند)؛ لأنّ محطّ النظر فيه متن الرواية ومضمونها مع غضّ النظر عن حال رواتها من القوة والضعف.
وهناك من الأمثلة والشواهد ما يدلّ على أنّ هذا المنهج قد تبوّأ مكانه من التطبيق في مرحلة زمنيّة متقدّمة على منهج نقد السند كما سيتّضح في أثناء هذا البحث.
وقد التفت العلماء مبكرًا الى أهميّة هذا المنهج وأشاروا الى بعض جوانبه في مصنّفاتهم الحديثيّة والأصوليّة ومن شواهد ذلك:
1 ـ ما قاله الشيخ المفيد: "ومتى وجدنا حديثًا يخالفه الكتاب ولا يصحّ وفاقه له اطّرحناه لقضاء الكتاب بذلك وإجماع الأئمّة عليهم السّلام عليه وكذلك إن وجدنا حديثًا يخالف العقول اطّرحناه لقضيّة العقل بفساده" (1).
2 ـ ما ذكره السيد المرتضى في الذريعة: "كلّ خبر دلّ ظاهره على إجبار أو تشبيه أو ما جرى مجرى ذلك ممّا علمنا استحالته من غير قرينة ولا على وجه الحكاية وكان احتماله للصواب بعيدًا متعسّفًا وجب الحكم ببطلانه؛ لأنّ الحكمة والدين يمنعان من الخطاب بما يحتاج الى تكلّف وتعسّف شديد حتّى يحتمل الصواب" (2).
3 ـ ما ذكره الخطيب البغداديّ في الكفاية: "ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنّة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنّة وكلّ دليل مقطوع به" (3).
وقوله أيضًا: "وكلّ خبر واحد دلّ العقل أو نصّ الكتاب أو الثابت من الأخبار أو الإجماع أو الدلالة الثابتة المعلومة على صحّته وجد خبر آخر يعارضه فإنّه يجب اطّراح ذلك المعارض والمعل بالثابت الصحيح اللازم؛ لأنّ العمل بالمعلوم واجب على كلّ حال"(4).
4 ـ قول ابن الجوزي: "إنّ المستحيل لو صدر عن الثقات رُدَّ، ونسب إليهم الخطأ ألا ترى أنّه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أنّ الجمل قد دخل في سمّ الخياط لما نفعنا ثقتهم ولا أثّرت في خبرهم؛ لأنّهم أخبروا بمستحيل، فكلّ حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنّه موضوع" (5).
5 ـ وقال ابن قيّم الجوزيّة: "وسُئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ فهذا سؤال عظيم القدر وإنّما يعلم ذلك من تضلّع في معرفة السنن الصحيحة ... وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار ... ونحن ننبّه على أمور كليّة يعرف بها كون الحديث موضوعًا" (6).
ثم إنّه سجل في كتابه أكثر من اثني عشر ضابطًا لنقد متون الروايات مشفوعة بأمثلة تطبيقيّة وهي عبارة عمّا ذكره المتقدّمون عليه وما أضافه هو اليها، ومنها:
1 ـ اشتمال الحديث على مجازفات لا يقول مثلها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2 ـ تكذيب الحس له.
3 ـ سماجة الحديث وكونه ممّا يسخر منه.
4 ـ مناقضة الحديث لما جاءت به السنّة الصريحة مناقضة بيّنة.
5 ـ أن يُدّعَى على النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه فعل أمرًا ظاهرًا بمحضر من الصحابة كلّهم وأنّهم اتّفقوا على كتمانه ولم ينقلوه.
6 ـ أن يكون الحديث باطلًا في نفسه فيدل بطلانه على أنّه ليس من كلام الرسول (صلى الله عليه وآله).
7 ـ أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء (عليهم السلام) فضلاً عن كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو وحي يوحى.
8 ـ أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا.
9 ـ أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقيّة أشبه وأليق.
10- أن يكون الحديث ممّا تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه.
11- مخالفة الحديث صريح القرآن.
12- ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنّه باطل.
ويلاحظ على ما ذكره هؤلاء العلماء:
أوّلًا: أنّهم اقتصروا في هذه القواعد على ما يؤدّي الى العلم بعدم صدور مضمون الرواية عن المعصوم (عليه السلام) دون أن يسجّلوا فيها ما يؤدّي الى العلم بصدوره. ومن الواضح: أنّنا في نقدنا للروايات لا نبتغي فقط العلم بغير الصادر منها لنقوم بردّه بل نبتغي أيضًا تحصيل العلم بما هو صادر منها واقعًا لنرتّب عليه الأثر في مقام العمل والاعتقاد.
ومن الواضح: أنّ عدم قيام دليل على أنّ الرواية غير صادرة لا يعني العلم بأنّها صادرة واقعًا عن المعصوم (عليه السلام).
ثانيا: أنّهم لم يذكروا الفارق الأساسي بين منهج نقد السند ومنهج نقد المتن وأنّهما يختلفان في الأسس التي يقوم عليها كلّ منهما وفي النتيجة التي تتمخّض عن كلّ منهما. وبيان ذلك: أنّ منهج نقد السند يقوم على أساس احراز وثاقة الراوي أو عدم احرازها ليثبت به: إمّا صحّة الرواية سندًا بمعنى وثاقة جميع رواتها، وإمّا ضعفها سندًا بمعنى عدم ثبوت وثاقة جميع الرواة.
ونتيجة ذلك: حصول غلبة الظنّ بصدور الرواية الصحيحة سندًا عن المعصوم (عليه السلام) وحصول غلبة الظنّ بعدم صدور الرواية الضعيفة سندًا.
وبعبارة أخرى: إنّ صحّة سند الرواية لا تؤدّي الى العلم بصدور مضمونها؛ لأنّ الثقة قد يخطئ كما أنّ ضعف سند الرواية لا يؤدّي الى العلم صدورها؛ لأنّ الفاسق لا يكذب على طول الخط ولأجل ذلك قالوا: إنّ الكاذب قد يصدق وإنّ غير الضابط قد يصيب (7).
وأمّا منهج نقد المتن فإنّه يقوم على أساس عرض متن الرواية على محكم الكتاب والسنة وعلى ما هو متيقّن من المعلومات كالبديهيّات العقليّة والحقائق التاريخيّة والقوانين العلميّة، ونتيجة ذلك هي: العلم بصدور الموافق من الروايات المحكم الكتاب والسنّة والعلم بعدم صدور ما ينافيهما أو ينافي ما هو متيقن من المعلومات.
وعليه: فإنّ الأخذ بالرواية أو ردّها يقوم في منهج نقد السند على أساس غلبة الظنّ بصدور الرواية أو بعدم صدروها ويقوم في منهج نقد المتن على أساس العلم بالصدور أو العلم بعدمه وهذه نكتة أساسية يجب بيانها وتأكيد أهميّتها.
وقد كانت محاولة ابن القيّم في كتابه (المنار المنيف) محاولةً رائدة وجيّدة فيما يتعلّق بتحديد قواعد نقد متون الروايات، ومن المؤسف أنّها لم تجد من العلماء من يتابعها، ويعمل على تنقيحها وتعميقها، ويبيّن أهميّتها بوصفها منهجاً مستقلاً له أبعاده الخاصة، وله أسسه ونتائجه التي يتميّز بها من منهج نقد السند، ممّا أوهم المستشرقين أنّ علماء الحديث لم يعتنوا بنقد متون الروايات، بنحو يمكنهم من اكتشاف الوضع في الروايات التي لا تتّفق مضامينها مع الظروف الزمانيّة التي وجدت فيها (8).
ومن الملاحظ: أنَّ كثيراً من الباحثين المعاصرين (9)، قد اقتفوا طريقة ابن القيّم في عرضه لضوابط نقد المتن بشكل متناثر، ولم يقوموا بـحصـر هـذه القواعد حصراً فنيّاً، بنحو يجعل خطوطها العريضة واضحة في ذهن الباحث، ولم يميّزوا بين القاعدة وما يقع تحتها من أفراد ومصاديق.
والواقع: أنَّ منهج نقد المتن يمكن إقامته على قاعدتين عامّتين، أولاهما: (قاعدة عقلائيّة)، والثانية: (قاعدة شرعيّة)، وما قدّمناه من الضوابط التي ذكروها، إنّما هي أفراد ومصاديق لهاتين القاعدتين.
ولمّا ميّزنا بين منهج نقد السند ومنهج نـقـد المـتـن مـن حيث الأُسس والنتائج، وجب أن نمیّز أيضاً بين تينك القاعدتين اللتين يقوم عليهما منهج نقد المتن؛ فإنّهما مختلفتان من حيث الأسس والنتائج أيضاً.
فإنَّ القاعدة العقلائيّة تقوم على أساس من أنَّ العقلاء بطبيعتهم يرفضون التصديق بأيّ قضيّة إذا كانت منافية لما هو ثابت لديهم بالعلم واليقين والمتشرّعة بما هم عقلاء يُعملون هذه القاعدة، ويستفيدون منها في نقد الروايات ظنيّة الصدور، فإن وجدوا مضمون الرواية منافياً لما هو متيقّن من البديهيّات العقليّة، والوقائع التاريخيّة، والحقائق الكونيّة، والقوانين العلميّة، وما هو ثابت بالحس وبالتجربة، رفضوا التصديق بصدورها عن المعصوم، وعلموا بأنّها من وضع بعض الرواة، أو أخطائهم.
وأمّا القاعدة الشرعيّة، فإنّها تستند إلى نصوص شرعيّة ثابتة بالكتاب والسنّة، تأمر بعرض روايات الآحاد ظنّية الصدور على محكم الكتاب والسنّة - والمراد بـ(المحكم): ما كان معلوم الصدور من الشارع المقدّس، ومعلوم الدلالة على مراده الواقعيّ ـ فإن كان مضمون الرواية منافياً لمحكم الكتاب أو السنّة، علمنا بعدم صدورها عن الشارع، وإن كان موافقاً لهما، علمنا بصدورها عنه.
وبذلك يتّضح الفرق المهم بين القاعدتين في النتيجة؛ فإنّ تطبيق القاعدة العقلائيّة على متن رواية معيّنة، يؤدّي إلى العلم بعدم صدورها إذا كانت منافية للقاعدة العقلائيّة أي: لما هو ثابت بالعلم واليقين وأمّا عدم منافاة مضمون الرواية للقاعدة العقلائيّة فإنّه لا يؤدّي الى العلم بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) بل يبقى مضمونها مظنونًا ومحتمل الصدور.
ويستثنى من ذلك ما لم يكن منافيًا لما هو معلوم ومتيقّن من الدين؛ فإنّه يكون معلوم الصدور لكونه ثابتًا بالضرورة ومتيقّن من الدين فإنّه يكون معلوم الصدور لكونه ثابتًا بالضرورة من الدين.
وأمّا العرض على القاعدة الشرعيّة فإنّه يفيد العلم بعدم صدور الرواية المنافية لها ويفيد أيضًا العلم بصدور متنها ومضمونها إذا كان موافقًا لمحكم الكتاب والسنّة؛ لأنّ ذلك هو ما تؤكّده النصوص الشرعيّة الدالّة على هذه القاعدة.
وسوف نتكلّم على كلّ من هاتين القاعدتين على التوالي.
__________________
(1) تصحيح عقائد الإماميّة، الشيخ المفيد، ص 149.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة، السيد المرتضى، 2/516.
(3) الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، ص606.
(4) المصدر نفسه، ص608.
(5) الموضوعات، ابن الجوزي، 1/106.
(6) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزيّة، ص 43 ـ 44، 50.
(7) تدريب الراوي السيوطي، ص40.
(8) العقيدة والشريعة، جولدتسيهر، ص 54.
(9) مقاييس نقد متون السنّة، مسفر عزم الله الدمينيّ، منهج نـقـد المـتـن عند علماء الحديث النبويّ، صلاح الدين الإدلبيّ.
الاكثر قراءة في مقالات متفرقة في علم الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
