الأوضاع السياسية بعد وفاة السلطان محمد
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 203 ــ 205
2025-09-23
310
أرسل السلطان محمود وزیره محمد بن الربيب أبا منصور إلى بغداد يلتمس من الخليفة المستظهر أن يخطب له على منابرها بوصفه خليفة والده وسلطاناً على السلاجقة، فأجابه الخليفة إلى ذلك، وخطب له الجمعة (13 محرم 512هـ/ 6 أيار 1118م) (1).
بدأت بولاية السلطان محمود مرحلة جديدة من مراحل الصراع على السلطة بين أفراد البيت السلجوقي في وقت كان أعداؤهم يحدقون بهم من كل جانب. فقد نازعه عمه سنجر والي خراسان وما وراء النهر الذي لم يرض عن تولي ابن أخيه الصبي عرش سلطنة السلاجقة، وأنف أن يكون تابعاً له، وهو شيخ السلاجقة وكبيرهم وأحق منه بالسلطنة فأعلن نفسه سلطاناً على السلاجقة، وبدل لقبه من ناصر الدين إلى معز الدين وهو لقب أبيه السلطان ملكشاه وبذلك وُجد سلطانان في وقت واحد.
أدى هذا التنازع على السلطة إلى انقسام الدولة السلجوقية إلى قسمين هما سلاجقة خراسان وما وراء النهر ويُمثلهم السلطان سنجر بن ملكشاه، وسلاجقة العراق، ويمثلهم السلطان محمود بن محمد واندلاع الحرب الأهلية بينهما. وقرر السلطان سنجر أن يتوجه إلى العراق لتأكيد حقه في السلطنة، فتصدى له السلطان محمود، وجرت بينهما معركة سافرة بالقرب من ساوة بين الري وهمذان في جمادى الأولى (513 هـ / آب 1119م) انتهت بهزيمة محمود وانتصار سنجر بفضل استخدامه الفيلة، ووصل خبر نتيجة المعركة إلى بغداد خلال عشرة أيام، وأرسل المنتصر دبيس بن صدقة إلى الخليفة المسترشد (512 - 529هـ / 1118 - 1135م) الذي خلف المستظهر، يطلب منه أن تكون الخطبة لسنجر، فلم يتردد الخليفة في تنفيذ ذلك، فخُطب له في (26 جمادى الأولى/ 4 أيلول)، وقطعت خطبة السلطان محمود(2).
سار السلطان محمود بعد انهزامه إلى أصفهان، في حين سار السلطان سنجر إلى همذان ثم إلى بلاد الكرج، وراسل السلطان محمود في أمر الصلح بعد تدخل والدته، وهي جدة السلطان محمود، ولم يلبث الصلح أن جرى بينهما، فاجتمع السلطان محمود مع عمه، فأكرمه هذا وعفا عنه، وسامحه عما بدر منه، وعامله معاملة حسنة، وقبل شفاعته في آخرين واستقرَّ الرأي بينهما على ما يلي:
- يبقى السلطان محمود مدة شهر في خدمة عمه السلطان سنجر بالري.
- لا تضرب الطبول للسلطان محمود عند ركوبه أو نزوله.
- يسير السلطان محمود مترجلاً في ركاب عمه.
- يترك السلطان محمود كل ما يتعلق بشعائر السلطنة ورسومها.
- تعيين السلطان محمود ولياً للعهد ونائباً عن عمه في العراق، وأن يُلقب بلقب سلطان ويُذكر اسمه بعد اسم الخليفة واسم عمه (3).
يُعد السلطان محمود وفقاً لبنود الصلح أول من جلس على عرش سلطنة السلاجقة في العراق وأصبح سلطان العراق من الناحية الرسمية تحت سلطة السلطان الأعظم سنجر في خراسان واعترف الخليفة العباسي المسترشد بمضمون هذا الصلح على الرغم من صغر سن السلطان محمود، وخطب له (4)، وبذلك وُجد سلطانان سلجوقيان في وقت واحد إلا أن السلطان محمود كان يحكم تحت إمرة عمه السلطان سنجر، ومن ثُمَّ فهو خاضع له خضوعاً في جميع أمور السلطنة.
وأعاد السلطان سنجر إلى ابن أخيه ما كان تحت إمرته من بلاد باستثناء الري التي اتخذها مركزاً يراقب منه أعماله وتصرفاته خشية أن يخرج عليه، وتشمل: همذان وأصفهان في إقليم العراق العجمي وبلاد الجبال وكرمان وفارس، وخوزستان، والعراق العربي وأذربيجان وأرمينية ودياربكر والموصل، والجزيرة الفراتية، وديار مضر وديار ربيعة وبلاد الروم التي كانت بيد أولاد السلطان قلج أرسلان الأول (5). لكن الواقع أن سلطته اقتصرت على العراقيين العربي والعجمي، وقُرئت الخطبة باسم السلطان سنجر من كاشغر على حدود الصين، إلى أقصى بلاد اليمن ومكة والطائف وعُمان وأذربيجان إلى حدود بلاد الروم (6).
تنقسم مدة حكم سنجر، التي استمرت نحو اثنتين وستين سنة، إلى مرحلتين:
الأولى مرحلة الإمارة وتمتد بين عامي (490 - 511 هـ / 1097 - 1117م)، كان خلالها يحكم نائباً عن إخوته ولقبه ناصر الدين، ودعي بملك المشرق.
الثانية: مرحلة السلطنة وتمتد بين عامي (511 - 552 هـ / 1117 - 1157م)، وهي المرحلة التي حكم خلالها كسلطان على السلاجقة، وكان يُلقب بمعز الدين وسلطان السلاطين.
..............................................................
(1) ابن الأثير: جـ 8 ص 626.
(2) ابن الأثير: جـ 8 ص 638 - 642. الراوندي: ص 258.
(3) المصدران نفساهما: ص 641، 642 ص 259.
(4) ابن الأثير: المصدر نفسه.
(5) سبط ابن الجوزي: ص 130.
(6) الراوندي ص 260
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة