الصراع بين السلطان بركياروق وبين أخويه محمد وسنجر
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 166 ــ 169
2025-09-19
311
لعل أبرز ما واجهه السلطان بركياروق من مشكلات هددت دولته، هو الصراع الذي نشب بينه وبين أخويه محمد وسنجر الذي استمر خمسة أعوام (492 - 497هـ / 1099 - 1104م)، وكان للتنازع على منصب الوزارة أثر كبير في تأجيج هذا الصراع. فقد أخذ نفوذ محمد بن ملكشاه يقوى وينتشر بعد انضمام مؤيد الملك إليه، وراح هذا يُشجعه على خلع أخيه السلطان، بركياروق، وتمكن من إقناعه بذلك، واتخذه محمد وزيراً، كما ذكرنا، كما انضم إليه سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد سابقاً، وكربوغا صاحب الموصل، وجكرمش صاحب الجزيرة الفراتية، وسُرخاب بن بدر صاحب كنكور (1)، بفعل نفورهم من السلطان بركياروق (2).
اجتمع الأمراء الثائرون بمحمد وساروا معه إلى الري في طريقه إلى أصفهان للاستيلاء عليها، فأعاد سعد الدولة كوهرائين إلى بغداد بعد أن خلع عليه، وأمره أن يقيم الخطبة له في عاصمة الخلافة بدلاً من أخيه السلطان بركياروق.
وعندما علم السلطان بخروج أخيه وكان في الري غادرها إلى أصفهان، فصده أهلها، فلحق بخوزستان واجتمع سعد الدولة كوهرائين في غضون ذلك. مع الخليفة المستظهر (487 - 512هـ / 1094 - 1118م وطلب منه وقف الخطبة للسلطان بركياروق والخطبة لمحمد فاستجاب الخليفة لطلبه، إذ لم يكن بوسعه أن يرفض، وهو الأضعف على الساحة السياسية، وبخاصة أنه شعر بقوة محمد وغلبة نفوذه، فاعترف به سلطاناً على السلاجقة، وخطب له يوم الجمعة (17 ذي الحجة 492هـ / 5 تشرين الثاني 1099م) ولقبه غياث الدنيا والدين (3).
وهكذا وجد سلطانان في وقت واحد معترف بهما من الخليفة العباسي، وكان مرد ذلك كله التنازع على منصب الوزارة.
لم يركن السلطان بركياروق إلى الهدوء وهو يرى تصاعد نفوذ أخيه السلطان محمد ومنافسته له على السلطة فاصطدم به في خمس معارك على مدد زمنية متقاربة ومتباعدة، وتداولا النصر والهزيمة والخطبة على منابر بغداد.
جرت المعركة الأولى بينهما في (4 رجب 493 هـ / 15 أيار 1100م) في أسبيذروذ (4)، وكانت الغلبة فيها للسلطان بركباروق (5).
وجرت المعركة الثانية بين الأخوين في (3 جمادى الآخرة 494هـ/ 3 نيسان 1101م) في عسكر مكرم (6) انتصر فيها السلطان بركياروق (7).
وجرت المعركة الثالثة بين السلطانين في (صفر 495هـ / كانون الأول 1101م) في روذراور (8)، وكانت سجالاً، وانتهى الطرفان إلى الصلح الذي انتهك بعد ذلك (9). وجرت المعركة الرابعة في (جمادى الأولى 495هـ/ آذار 1102م) في الري وأسفرت عن انتصار السلطان بركياروق (10).
وجرت المعركة الخامسة في (8 جمادى الآخرة 496هـ / 19 آذار 1103م) على باب خوي في أذربيجان وانتهت لصالح السلطان بركياروق (11).
أنهكت هذه الحروب المتطاولة الجانبين وأدَّت إلى انتشار الاضطراب وعم الفساد في الدولة فصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والقرى محرقة، والسلطنة مطموعاً فيها محكوماً عليها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قاهرين وكان الأمراء والأكابر يؤثرون ذلك ويختارونه ليدوم حكمهم، وانبساطهم وإدلالهم(12) وقد أدرك السلطان بركياروق ذلك، وكان آنذاك في الري والخطبة له بها وبالجبل ،وطبرستان ،وخوزستان وفارس وديار بكر، والجزيرة الفراتية، وبالحرمين الشريفين وبعض البطائح؛ فمال إلى الصلح مع أخيه السلطان محمد الذي كان آنذاك بأذربيجان والخطبة له فيها وفي بلاد أرانية، وأرمينية، وأصفهان والعراق كلها باستثناء تكريت وفي بعض البطائح، فأرسل إليه القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي وأبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذاني، المعروف بصاحب ،قراتكين لتقرير قواعد الصلح، فاجتمعوا به بالقرب من مراغة وأجروا معه مباحثات ناجحة في ربيع الآخر (497هـ / كانون الثاني 1104م) أسفرت عن توزيع أراضي الدولة السلجوقية وفقاً لما يلي:
- أن يكون للسلطان محمد البلاد من نهر أسبيذروذ إلى باب الأبواب (13) وديار بكر والجزيرة والموصل والشام، ويكون له في العراق البلاد التي كانت تحكم من قبل سيف الدولة صدقة بن مزيد.
- يكون نصيب السلطان بركياروق الأقاليم الجنوبية.
- يحمل كل منهما لقب سلطان.
- لا يعترض السلطان بركياروق على ضرب الطبول أمام دار أخيه السلطان محمد خمس مرات إيذاناً بدخول وقت الصلاة.
- أن لا يذكر اسم السلطان بركياروق بجانب اسم السلطان محمد في البلاد التي صارت من نصيبه.
- أن لا يكون الاتصال بينهما إلا عن طريق الوزراء.
- أن لا يعترض أحد العسكريين الآخر داخل حدود كل منهما.
- يكون نصيب السلطان سنجر خراسان وما وراء النهر (14).
وأرسل السلطان بركياروق يُعلم الخليفة المستظهر على ما تقرر من قواعد الصلح
بينه وبين أخيه ويطلب إقامة الخطبة له فاستجاب الخليفة لطلبه، فخُطب له يوم الخميس (19 جمادى الأولى / 18 شباط) في الديوان وفي اليوم التالي في سائر المساجد، كما خُطب له بواسط (15).
....................................................
(1) کنکور: قلعة حصينة عامرة قرب جزيرة ابن عمر الحموي: جـ4 ص 384.
(2) ابن الأثير: جـ 8 ص 429.
(3) ابن الأثير: جـ 8 ص 429، 430.
(4) اسبيدروذ معناها النهر الأبيض، وهي موضع بهمذان.
(5) ابن الأثير: ج 8 ص 434، 435.
(6) عسكر مکرم بلد مشهور بنواحي خوزستان منسوب إلى مكرم بن معزاء الحارث، أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر بن صعصعة الحموي: جـ 4 ص 123.
(7) ابن الأثير: جـ 8 ص 441، 442.
(8) روذر اور كورة قرب نهاوند من أعمال الجبال على مسيرة ثلاثة فراسخ الحموي: جـ 3 ص78.
(9) ابن الأثير: جـ 8 ص 461 - 464.
(10) المصدر نفسه: ص 464، 465.
(11) المصدر نفسه: ص 485 – 487.
(12) ابن الأثير: جـ 8 ص 493.
(13) باب الأبواب هو دربند شروان ويقع في أقصى شمالي بلاد شروان على بحر قزوين. الحموي: ج1 ص 303.
(14) الحسيني: ص 78. ابن الأثير: جـ 8 ص 493، 494.
(15) ابن الأثير: جـ 8 ص 494، 495.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة