الغارات السلجوقية و (رد الفعل البيزنطي)
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 91 ــ 94
2025-09-09
347
شكلت الغارات السلجوقية الأولى على أرمينية والكرج والأراضي البيزنطية ضغطاً متزايداً على صدر الامبراطورية التي بدت عاجزة عن صدها، ما اضطر الساسة البيزنطيين للتحرك على ثلاثة محاور متباعدة ومتناقضة من أجل وقف المد السلجوقي الذي وصل إلى مسافة قريبة من العاصمة البيزنطية.
كان المحور السلجوقي هو الأول في سياسة البيزنطيين من أجل احتواء خطر السلاجقة، فقد أرسل الامبراطور قسطنطين التاسع مونوماكوس سفارة إلى السلطان طغرلبك في عام (442هـ / 1050م)، عقب معركة كابوترو، من أجل:
- عقد هدنة بين الجانبين مدتها أربع سنوات.
- إطلاق سراح الأمير الكرجي ليبارتس.
- إقامة علاقات ودية بين الجانبين.
- الدعاء للخليفة العباسي وللسلطان السلجوقي في مسجد القسطنطينية بدلاً من المستنصر الفاطمي.
وافق السلطان طغرلبك على البنود أعلاه (1)، وهو لم يشأ أن يعادي البيزنطيين في هذه الأثناء، كما أشرنا.
ويبدو أن الخطبة أقيمت بعد عودة رسول السلطان من العاصمة البيزنطية.
وأرسلت الامبراطورة تيودورا (447 - 448هـ / 1055 - 1056م) في العام الأول من حكمها سفارة أخرى محملة بالهدايا إلى السلطان طغرلبك الذي كان آنذاك في بغداد، وقد عبر أفرادها أراضي الإمارة المروانية في ديار بكر، ثم انحدروا إلى بغداد، والمعروف أن الأمراء المروانيين كانوا آنذاك حلفاء الطرفين، السلجوقي والبيزنطي، كان هدف السفارة رغبة الامبراطورة في إقامة علاقات ودية بين الجانبين، وكان رد السلطان إيجابياً حيث أرسل سفارة إلى القسطنطينية تحمل الهدايا وطلباً بإعادة بعض المدن الحدودية الإسلامية، مثل ملازكرد والرها وأنطاكية، ودفع جزية سنوية(2).
الواقع أن غارات القبائل التركمانية ضد الأراضي البيزنطية لم تنقطع طيلة مدة الهدنة، ويبدو أن السلطان طغرلبك فشل في كبح جماحها، بفعل أن السلب والنهب من عادة القبائل البدوية ويرون فيها وسيلة طيبة للكسب، لكن السلطان نفسه التزم بنصوصها، فلم يُرسل أي حملة إلى المناطق الخاضعة للنفوذ البيزنطي.
وكان المحور الغربي هو الثاني، إذ في الوقت الذي كان البيزنطيون يجرون مفاوضات مع السلاجقة من أجل تبريد مناطق الحدود بينهما، سعى الامبراطور قسطنطين التاسع مونوماكوس إلى التقرب من البابا ليو التاسع (441 - 446هـ/ 1049 - 1054م)، فأرسل إليه كتاباً في عام (446 هـ / 1054م) دعاه فيه إلى عقد سلام بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية ردَّ البابا عليه بجواب ودي طمأنه فيه بوقوفه إلى جانبه (3).
وجدد الامبراطور البيزنطي قسطنطين العاشر دوقاس (451 - 459هـ / 1059 - 1067م) اتصاله بالبابوية فكتب إلى البابا إسكندر الثاني (453 - 465هـ / 1061 - 1073م) في أوائل عام (455هـ / 1063م) يدعوه إلى ما دعا سلفه، البابا الراحل ليو التاسع، إلا أنه تمادى حين أبدى استعداده لـ:
- الاعتراف بتقدم كنيسة روما من أجل تحرير القبر المقدس في فلسطين من أيدي المسلمين الفاطميين.
- وضع ابنه كرهينة لديه.
- وضع خزانة الامبراطورية تحت تصرفه من أجل إنجاح المشروع (4).
الواضح أن البيزنطيين كانوا يسعون بأي وسيلة لوقف التمدد السلجوقي في أراضيهم، والذي كان يُهددهم تهديداً مباشراً، وكان دافع الأباطرة إلى هذا التصرف هو الخوف من قوة السلاجقة المتنامية في الوقت الذي اعترى الضعف الفاطميين في مصر (5).
وشكلت محاولة البيزنطيين التقارب مع الفاطميين المحور الثالث في سعي بيزنطية لاحتواء الخطر السلجوقي، فقد سعت إلى إيجاد علاقة ود وتحالف مع الفاطميين للوقوف في وجه المد السلجوقي الذي مثل خطراً مشتركاً على كليهما، وكان هدف السفارة التي أرسلها الامبراطور قسطنطين التاسع مونوماكوس سنة (439هـ / 1037م) إلى المستنصر، التعاون في وجه الخطر السلجوقي، وأهم ما طلبه هو تجديد معاهدة سابقة بين الطرفين (6). وفعلاً تجدَّدت الهدنة بينهما، وأرسل الامبراطور البيزنطي هدية إلى المستنصر اشتملت على ثلاثين قنطاراً من الذهب الأحمر، فاستغل هذا الأخير هذه العلاقات الجيدة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في دولته، وأرسل على أثر المجاعة التي شهدتها مصر في عام (446 هـ / 1054م)، رسالة إلى الامبراطور البيزنطي حملها القاضي أبو عبد الله القضاعي، يطلب منه أن يمده بأربعمائة ألف إردب من القمح (7).
أبدى الامبراطور استعداده لإجابة الطلب، غير أنه توفي قبل أن يُنفذ ذلك، وخلفته الامبراطورة تيودورا فاشترطت لمساعدة مصر اقتصادياً أن يوافق المستنصر على عقد معاهدة دفاع مشترك، وأن ينجدها بعساكره إذا تعرضت بلادها للاعتداء، ومما لا شك فيه أنه لو تم عقد هذه المعاهدة لكانت موجهة ضد السلاجقة.
ويبدو أن المستنصر كان لا يملك القوة الضرورية للمساعدة، أو أنه كان حريصاً
على ألا يظهر بمظهر من يتعاون مع قوة نصرانية ضد أخرى مسلمة أمام رعاياه من ناحية وأمام المسلمين بعامة من ناحية أخرى (8)، لذلك رفض طلب الامبراطورة، وردت هذه بأن منعت إرسال الغلال إلى مصر، فتعرضت العلاقات بين الدولتين إلى نكسة قوية أعادت الصراع من جديد إلى ساحل بلاد الشام بخاصة، وتوجهت الامبراطورة نحو السلاجقة للتعاون معهم ضد الفاطميين فرحبت برسول السلطان الذي قدم من العراق يحمل رسالة تتضمن التماساً. من السلطان بالسماح لرسوله بالصلاة في جامع القسطنطينية، فأذنت له بذلك وأقيمت الخطبة فيه للخليفة العباسي القائم.
الواضح أن العلاقات بين الجانبين الفاطمي والبيزنطي، وصلت إلى درجة من السوء تبادلا فيها المناوشات العسكرية على الحدود بينهما في شمالي بلاد الشام وعلى الرغم من محاولة كل منهما الوقوف في وجه الخطر السلجوقي إلا أنهما فشلا في احتوائه، ومما لا شك فيه أن السلاجقة شكلوا خطراً حقيقياً على مصالح كل منهما في شمالي بلاد الشام، وكان ذلك دافعاً قوياً لبيزنطية للسعي لإبرام المعاهدات مع السلاجقة (9).
..........................................................................
(1) Cahen: La diplomate Orientale de Byzance Face a La Poussée Seldjukide p12
(2) . (1) Aristakes de Lastivert: Histoire d'Armenie Tr: M. Canard p96.
Cahen: p14.
(3) الجدير بالذكر أنه في هذا العام حدث الانفصال النهائي بين الكنيستين اللاتينية الغربية
والأرثوذكسية الشرقية.
Gay, J: L'Italie Meridonal et L'Empire Byzantine P867. (4)
(5) العبد الغني عبد الرحمن محمد موقف البيزنطيين والفاطميين من ظهور الأتراك السلاجقة ص 40.
(6) الإشارة هنا إلى معاهدة عام (429 هـ / 1038م).
(7) المقريزي: اتعاظ الحنفا جـ 2 ص 182. خطط المقريزي: جـ 2 ص 157.
Schlumberger: Un Empereur Byzantine au dixième siècle III pp 188-189
(8) العبد الغني: ص 42.
(9) المرجع نفسه .
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة