الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
التربية جزء من كل
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 17 ــ 19
2025-08-05
26
تتحكم بحياتنا مجموعة كبيرة من النظم العقدية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية. ولا يستطيع أي نظام من هذه النظم أن ينفرد بتوجيه الحياة متجاهلا معطيات النظم الأخرى، ولن يكون من مصلحة أي أمة أن تعلق توازنها العام على نظام واحد؛ فإذا صلح، صلح حالها، وإذا فسد، فسد أمرها؛ بل إن الأمة لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا في حدود معينة.
إن طبيعة التخصص تغري بالانحياز والرؤية الأحادية؛ فعلماء الاقتصاد يعتقدون أن الأمة لن تتقدم إلا إذا تقدم اقتصادها، والتربويون يعتقدون أن تقدم التربية شرط لتقدم العالم وهكذا... وهذا كله بعيد عن النظرة الموضوعية؛ لأن أجزاء أي منظومة يتفاعل بعضها مع بعض تفاعلاً غير منظور، وكل جزء من تلك الأجزاء يعيق عملها، ويتمدد على حسابها، كما أنه في بعض الأحيان ينشطه، ويمد في سلطانه وليس لدينا قاعدة واحدة تحكم عملية التفاعل تلك؛ فأزمة اقتصادية قد تحطم الكيان التربوي في بعض البلدان حيث تسوء الأخلاق، وتصبح المؤسسات التربوية أشبه بجسم متهدم. وليس من النادر أن ترى في بلدان أخرى إقبالاً على العلم، على أنه الملاذ الأخير؛ نتيجة انسداد آفاق العمل والنمو في المجالات الاقتصادية المختلفة؛ كما حدث للفلسطينيين بعد خروجهم من بلادهم؛ وهكذا.
الذي نريد قوله من وراء هذا هو أن العبارات الذائعة التي بتنا نسمعها كل يوم حول ضرورة التوجه إلى التربية باعتبارها المفتاح الذي سيحل كل المغاليق - لا تعدو أن تكون ضرباً من التلاعب بالألفاظ! ولا يعني هذا بالطبع التهوين من شأن التربية، ولكننا نريد أن نؤكد أن المربين في البيوت والمدارس وفي كل مكان - لا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون، ويتمنون، وليس من الإنصاف أن نطلب منهم إيجاد جيل خارق؛ فالمجتمع الفاسد أو الضعيف أشبه بطحين فاسد كل ما يصنع منه من خبز وكعك. لن يكون إلا كذلك.
إن علاقة التربية بالنظم الحياتية الأخرى علاقة جدلية: أخذ وعطاء وتأثير وتأثر، وسيفعل المربون ما شاءوا إذا ما استطاعوا مغالبة كل العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية... التي تفرز معطيات ضارة بالعملية التربوية؛ وأنى لهم ذلك؟!.
هذه النظرة الشاملة سوف تخفّض من درجة مرارة الآباء والمدرسين، وكل الغيورين على مستقبل أبناء الأمة، وستجعلهم يفكرون في العمل على تحقيق نوع من التقدم الشامل، بدل التركيز على نظام واحد، وتوقع نتائج باهرة منه، قد لا تسمح بها طبيعته ومجالاته المحدودة.
إن قانون (الأواني المستطرقة) لا ينطبق على انتقال السوائل وتوازنها، فحسب، ولكنه يشمل النظم والأفكار والسياسات أيضاً.
وسنزيد على هذا بالقول: إن التربية باعتبارها وسيطاً ثقافياً، تنقل رسالة، وتحدد مجالات للعمل وترسي معايير أخلاقية - يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين؛ حيث إنها تقوم بمهمة مزدوجة صعبة، فهي تحاول الاحتفاظ بما هو جيد من المكونات الثقافية المختلفة، من خلال نشرها وتنشئة الشبيبة عليها، كما أنها تحاول بذر أفكار وعادات ومعارف جديدة ربما كانت مناهضة لما هو معروف ومستقر؛ ويتم كل هذا في مجتمعات تتغير بسرعة فائقة، وطبيعة مثل هذا العمل تكون نتائجه في العادة بطيئة، وتحتاج إلى المهارة والصبر (1).
حين يفقد المربون الشفافية الكافية والإحساس المرهف بالتمييز بين ما يجب أن يبقى لأنه جوهري وأساسي، وما ينبغي أن يتغير، فمن الوارد آنذاك أن تكون التربية عامل هدم من خلال اختلاط الرؤية للثوابت والمتغيرات.
إن المهمة الجديدة للتربية ليست أن تعد الأجيال لقبول التغييرات الكثيفة القادمة والتكيف معها فحسب؛ وإنما السيطرة عليها، واستخراج خير ما فيها إلى جانب المقاومة العنيدة للسيئ والضار منها. وحين تعصف رياح التغيير بالمجتمع، ويكون تطور المؤسسات والأساليب التربوية على مثل إيقاع السلحفاة، فإن الناس سوف ينظرون إليها على أنها عامل تخلف؛ وقد حدث شيء من هذا منذ عقود، حيث إن بعض الأعمال المسرحية والفكاهية تصور (المعلم) على أنه شخص تقليدي بطيء الفهم، متبلد الشعور، ميال إلى التمسك بالقشور... ومهما يكن مدى صواب مثل هذه الأوصاف، فإن علينا ألا نتجاهل بعض المشاعر والأحاسيس في هذا السياق.
إن كل شعوب الأرض تملك تقاليد تربوية وتاريخ البشرية يتميز بتحطيم الشعوب التي استخدمت التربية أداة لاستمرار ما هو موجود (2) دون أدنى تمييز. وعلى أمة الإسلام التي تعاني من أشكال عديدة من التخلف أن تدرك حجم إسهامات تربيتها القاصرة في تكريس الأوضاع الراهنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التربية والنظام الاجتماعي: 283.
2ـ المصدر السابق، 74.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
