تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
إني جاعل في الأرض خليفة
المؤلف:
معروف عبد المجيد
المصدر:
تلك الرسل
الجزء والصفحة:
ص13- 44
2025-08-02
95
ترى كيف كانت بداية الأمر الإلهي في خلق الانسان؟
وما هي الحكمة الربانية في خلقه؟
ولماذا سمي الإنسان الأول ونبي البشرية الأول آدم (عليه السلام) بالخليفة؟
وما معنى خلافة الإنسان في الأرض؟
إن التساؤلات كثيرة حول هذه الظاهرة الفريدة فالإنسان تواق بطبعه للبحث عن جذوره وأصوله.
فلنعد إذن للمشهد الأول لنستطلع معالم هذا الحدث الخطير ونتبين عناصر الحوار الأول بشأن خلق الإنسان.
وليكن دليلنا القرآن الكريم.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]
يبدو أن أول صفة أطلقها الله على الإنسان هي أن يكون ≥ خليفة ≤
فعمن تقرر أن ينوب الإنسان؟
هنا تتضح الحكمة في الأمر الإلهي فالحكمة من خلق آدم (عليه السلام) وهو أبو البشر أن يكون خليفة في الأرض لمن تقدمه من الجان ولم يكن المقصود من خلقه أن يكون في الجنة.
وربما قيل أيضا بأن الخلافة هنا تعني خلافة الانسان لله على الأرض.
نعم وهذا مارآه بعض المفسرين.
ولذلك تعجب الملائكة وقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
والمفروض إن الاستخلاف يكون لعمارة الأرض وإصلاحها.
فسؤال الملائكة كان بهدف استكشاف ما خفي عليهم من الحكمة التي غلبت تلك المفاسد واستخبار ما يزيح شبههم.
ولكن لماذا سمي آدم (عليه السلام) بهذا الاسم؟
قيل: لأنه خلق من أديم الأرض.
وقيل أيضا بأن اسم الأرض الرابعة أديم وفيها خلق آدم فلذلك قيل من أديم الأرض.
ولا ننسى حواء وهي النصف الآخر للرجل.
بل هي الأم والأخت والزوجة والابنة.
فلماذا سميت حواء بحواء؟
سميت حواء لأنها من حي يعني آدم (عليه السلام).
فإذا علمنا بأن اسم آدم مشتق أيضا من الأدم بمعنى الألفة والاتفاق...
لا تضحت حينئذ طبيعة الانسان ومدى حاجة المرأة والرجل أحدهما للآخرلتكامل العنصر البشري في الذات والصفات والمودة.
فلماذا خلق الله آدم من الطين وخلق حواء من آدم؟
لكي تكون همة الرجال في الأرض وتكون همة النساء في الرجال...
أهذا مجرد استنباط؟
كلا كلا لكنه حديث يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام).
ولكن كيف خلق الله حواء من آدم؟ إنهم يقولون بأنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم..
كذبوا.... وكأنه عجز أن يخلقها من غير ضلعه
فكيف إذن خلقها؟
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت من الطين فضلة فخلق منها حواء[1].
فلماذا يقولون إذن في الروايات التي تنض على أن الله تعالى خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم وهو الضلع الأيسر؟
قالوا إنه محمول على التأويل والمراد به هو أن الطينة التي قررها الله سبحانه لذلك الضلع خلق منها حواء وليس أنها خلقت منها بعد خلقه فانه يلزم من ذلك أن يكون آدم ينكح بعضه بعضا فيقوى بذلك مذهب القائلين بنكاح المحارم..[2]
فهل تعلم لماذا سميت المرأة مرأة والنساء نساءا....؟
يسرني الاستماع للجواب منك...
قالوا: سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء[3] يعني من آدم وسميت النساء نساءا لأنه لم يكن لأدم أنس غير حواء...[4]
وتبقى حكمة الله البالغة التي يعجز الانسان عن ادراكها.
فقد خلق آدم (عليه السلام) من غير أب وأم وعيسى (عليه السلام) من غير أب وليعلم أنه قادر على أن يخلق خلقا بيده ويجعل من ذريته أنبياء وعبادا صالحين وأئمة مهديين يجعلهم خلفاء في أرضه لإصلاحها بعد ما جرى فيها من الفساد.
وهو ما لم يكن يعلمه الملائكة.
فقال لهم جل وعلا: إني أعلم ما لا تعلمون.
خلق الله آدم (عليه السلام) من طين لازب وقدر له حياته ودوره على الأرض وخاطب ملائكته قائلا: إني جاعل في الأرض خليفة.
وكان حوار الخالق جل وعلا مع الملائكة على النحو الذي أسلفنا.
وكانت مشيئة الله هي النافذة وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
فكان آدم (عليه السلام) وارتسمت الحلقة الأولى من سلسلة الحياة البشرية.
وأخذ تاريخ الانسان يكتبه بنفسه الانسان ليس جبرا ولا تفويضا لكنه أمر بين الأمرين
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 34]ﵞ [البقرة: 34]
ويسقط القناع عن وجه إبليس لدى الاختبار الإلهي الأول أمام آدم أب الإنسانية ونبيها الأول (عليه السلام).
فلم يكن من الملائكة ولم يكن لإبليس أن منها.
وكان الله يعلم إنه ليس منها.
فعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن إبليس أكان من الملائكة وهل كان يلي من أمر السماء شيئا؟
فقال أبو عبد الله: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من أمر السماء شيئا. كان من الجن وكان من الملائكة وكانت الملائكة تراه أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس منها
فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان[5].
وكان إبليس أول من قاس فأخطأ القياس.
ويقول ابن عباس:
أول من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين من رأيه قرنه الله بإبليس.
ولكن...... أيكون السجود لغير الله؟
كلا بالطبع.
فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟
يقول علماء الإسلام بإتفاق إن ذلك السجود لآدم (عليه السلام) لم يكن سجود عبادة وإلا لحصل الشرك.
فماذا إذا كان هذا السجود؟
قيل بأن ذلك السجود كان لله تعالى وكان آدم (عليه السلام) قبلة. وقيل مرويا عن أبي عبد الله (عليه السلام) بأن السجود كان تعظيما لآدم (عليه السلام) وتكرمة له وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بأمره[6] فهو لله جل وعلا وهو الأظهر من الأخبار.
وهناك مشهد من مشاهد السجود ورد في كتاب ≥ فضائل الشيعة
تقصد تلك الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق طاب ثراه بإسناده عن أبي سعيد الخدري؟
نعم أحسنت.
فلنفتح هذا الكتاب إذا.
علينا بالكتاب.
عن أبي سعيد الخدري قال:
كنا جلوسا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إذ أقبل إليه رجل فقال:
يارسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل لإبليس {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75] فمن هم يارسول الله الذين هم أعلا من الملائكة؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن خلق الله عزوجل آدم بألفي عام.
ثم ماذا؟
يقول نبي الإسلام (صلى الله عليه واله وسلم): فلما خلق الله عزوجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود فسجدت الملائكة إلا إبليس فقال الله تبارك وتعالى له: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75] من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسمائهم في سرادق العرش...؟ [7]
سبحان الله يا صديقي. ومع كل هذا الاستكبار فقد سمى جماعة إبليس هذا بسيد الموحدين كما ينقل المرحوم السيد نعمة الله الجزائري..
أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وكيف يكون هذا المستكبر اللعين سيد الموحدين وهو المخالف صراحة لأمر الله الواحد الأحد؟
يروى بأن تلك الجماعة شكروا لإبليس إباءه عن السجود لآدم[8]
يالهم من مغالين وما دليلهم على ذلك؟
زعموا بأنه أراد اختصاص السجود بالله تعالى فسموه بذلك سيد الموحدين.
بنئس هذا من استدلال ...
فعلى إبليس وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ويروى أيضا في هذا الباب أن الاستكبار كان معصية إبليس الأولى.
فقد قال إبليس يا رب أعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدك إياها ملك مقرب ولا نبي مرسل
فقال الله تعالى لا حاجة لي إلى عبادتك، إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى إبليس اللعين أن يسجد لآدم (عليه السلام)[9].
فأمره المولى سبحانه قائلا: اخرج منها فأنك رجيم.
فأصبح إبليس اللعين قائلا: كيف يارب وأنت العدل الذي لا تجور فهل بطل ثواب عملي؟
فقال تعالى: كلا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك.
فكان أول ما سأل البقاء الى يوم الدين.
فأعطاه الله ذلك.
فقال اللعين: سلطني على ولد آدم
قال تعالى: سلطتك
فقال اللعين: أجرني فيهم مجرى الدم في العروق؟
قال تعالى: فقد أجريتك.
فطلب اللعين: ولا يولد لهم واحد وإلا ولد لي اثنان وأراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت.
قال تعالى: فقد أعطيتك
فقال إبليس اللعين: يارب زدني
فأجابه المولى سبحانه: قد جعلت لك ولذريتك صدروهم أوطانا.
فعندئذ قال اللعين: يارب حسبي ثم قال: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين[10]
إنا لله وإنا إليه راجعون. فماذا كان موقف آدم (عليه السلام) من هذه البلية التي ابتلي بها هو وولده من بعده؟
اختلف العلماء حول جنة آدم.
وهل كانت في الأرض أم في السماء.
وهل هي جنة الخلد والجزاء أم سواها.
فذهب بعضهم الى أنها جنة الخلد وأن الخروج منها ممكن بعد الدخول والاستقرار.
وذهب البعض الى أنها كانت بستانا من بساتين الدنيا في الأرض وأن الهبوط يعني الانتقال من أرض الى أرض كقوله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا } [البقرة: 61]
وأياكان الأمر فقد خرج منها آدم (عليه السلام) مع زوجه حواء.
فلماذا خرج آدم (عليه السلام) من الجنة وقد عاش فيها والتذ بنعيمها؟ ولماذا خرجت معه حواء؟
لذنب ارتكباه.
هب أن حواء قد ارتكب ذنبا فهل من الممكن أن يرتكب آدم (عليه السلام) ذنبا هو الآخر وهو نبي؟
إن القرآن يصرح بذلك فيقول: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]
وهل تصدر المعصية من الأنبياء؟
كلا ولكنهم قالوا بأن ذنب آدم كان ترك الأولى.
فكيف وقع ذلك؟
دعنا نتتبع ذلك في آيات القرآن الكريم.
نعم فهذا عين الصواب.
قال تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } [البقرة: 35]
{وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } [البقرة: 35]
{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35]
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]
{وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]
ياللعجب فكيف دخل الشيطان الجنة؟
لقد اختلفوا في كيفية وصول إبليس الى آدم وحواء حتى وسوس لهما وهو الذي أخرج من الجنة حين أبى السجود وهما في الجنة.
فماذا قالوا؟
قال البعض إن آدم كان يخرج الى باب الجنة وإبليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه وكان هذا بعد خروج إبليس من الجنة وقبل هبوطه الى الأرض[11].
وقالوا إن إبليس دخل في شدق الحية وخاطب آدم وحواء من شدقها.
وهل هناك من يقتنع بمثل هذا؟
لا أعتقد ولكن دعنا نعد الى قول المعصوم (عليه السلام).
فماذا قال؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرائيل (عليه السلام).
فهل حدثه في هذا الأمر؟
نعم وقال له: يا آدم أليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك الملائكة وزوجك حواء أمتة وأسكنك الجنة وأبا وأباحها لك مشافهة ألا تأكل من الشجرة فأكلت منها وعصيت الله؟
فبماذا أجابه آدم (عليه السلام)؟
قال له: إن إبليس حلف لي بالله إنه لي ناصح فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا[12].
ياله من شيطان ملعون
نعم ياصديقي ويؤكد قول الإمام المعصوم هذا قول الله تعالى حكاية عن هذا الحادث: وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين.
ونعود الآن يا أخي الى تلك الشجرة التي كانت سببا في تغرير إبليس بآدم وحواء فماذا كانت؟
قالوا: شجرة التين....... أوالحنطة
وقالوا: الكرمة... أو السنبلة
وقيل شجرة الكافور... أو الحسد
وقيل شجرة علم الخير والشر.
وقالوا أيضا: إنها شجرة الخلد
ولعل ذلك هو الصحيح حيث صرح القرآن الكريم على لسان إبليس في خطابه لآدم وحواء: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120]
وهناك رواية أخرى تنير لنا طريق المعرفة حول أصل هذه الشجرة.
فدعنا ننقلها لزيادة الفائدة.
جاء في معاني الأخبار باسناده الى الهروى قال:
قلت للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ومنهم من يروي أنها العنب ومنهم من يروى أنها شجرة الحسد.
فقال (عليه السلام): كل ذلك حق.
فقلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟
فقال: يا أبا الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا وليست كشجرة الدنيا.
وإن آدم (عليه السلام) لما أكرمه الله تعالى بأسجاد ملائكته وإدخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل مني؟
فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه.
فناداه: ارفع رأسك يا آدم فانظر الى ساق العرش.
فرفع آدم رأسه فنظر الى ساق عرش الرحمان.
فوجد عغليه مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجه فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
فقال: آدم (عليه السلام): يارب من هؤلاء؟
فقال عزوجل: من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولو لاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فاياك أن تنظر إليهم بعين الحسد وتتمنى منزلتهم[13].
فلما تمنى آدم منزلتهم تسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها الى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل منها آدم.
فأخرجهما الله عزوجل من جنته وأهبطهما عن جواره الى الأرض.
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: لقد طاف آدم (عليه السلام) بالبيت مائة عام ما ينظر الى وجه حواء.
ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدموع.
ولقد قام على باب الكعبة ثيابة جلود الإبل والبقر.
فقال اللهم أقلني عثرتي واغفر لي ذنبي وأعدني الى الدار التي أخرجتني منها.
فقال الله عزوجل: قد أقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وسأعيدك الى الدار التي أخرجتك منها.
ولعل هذا يدل على أن الجنة التي أخرج منها آدم (عليه السلام) هي جنة الخلد لأنها التي سيعود إليها وأنها كانت برزخية على مايقول البعض.
وكذلك ما أسلفناه من روايات تدل على أنه نظر الى منزلة محمد وآله (صلى الله عليه واله وسلم) ورآهم مكتوبين على أركان العرش.
فان العرش سقف جنة الخلد كما جاء في الحديث الشريف.
وأما الكلمات التي تلقاها آدم (عليه السلام) من ربه فتاب عليه. فهي النبي وآل بيته.
ومعنى أتمهن- في (الكلمات) التي ابتلى الله بها إبراهيم (عليه السلام) – أي أتمهن الى القائم (عليه السلام) إثني عشر إماما. كما يقول الامام الصادق (عليه السلام).
وقيل بأن هذه الكلمات هي: ربنا ظلمنا أنفسنا.
وورد أيضا أنها: سبحانك اللهم بحمدك وتبارك اسم وتعالى جدك.
وثمة أيضا آراء أخرى.
ولكن الجمع بين هذه الروايات يدل على أن الأصل هو ماورد عن السادة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام من أنها أسمائهم.
فما شأن الهبوط إذا.... وأين هبط آدم وحواء. وفي أي مكان من الأرض؟
هناك العديد من الروايات أيضا في هذا الأمر.
فقد قيل بأنهما هبطا في الهند.
وقيل بأن آدم هبط على الصفا وحواء نزلت على المروة.
وقيل أيضا بأن آدم هبط على جبل سرنديب بينما هبط حواء في جدة.
ولكنهما عاشا في مكة بجوار البيت الحرام بعد أن بناه الله لهما.... ومن هناك كانت بداية الأجيال.
وبداية الشقاء في الأرض بعد التنعم في الجنان.
وهناك رواية جامعة لقصة الخلق والسجود والإسكان في الجنة والمعصية والتوبة والهبوط.
وهي عن الامام أبي عبد الله (عليه السلام).
فعن عبد الله بن سنان قال:
سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر:
كم لبث آدم (عليه السلام) وزوجته في الجنة حتى أخرجا منها؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة.
ثم برأ زوجته من فضل طينته.
ثم أسجد له ملائكته في نفس اليوم.
فما استقر آدم وزوجته في الجنة إلا ست ساعات من ذلك اليوم...
حتى عصيا الله.
فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس وما باتا فيها، وصيرا بفناء الجنة حتى
أصبحا. فبدت لهما سواتهما
فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة
فناداهما ربهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟
فاستحييا من ربهما وخضعا
وقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا[14].
فقال جل جلاله: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37] وعند ذلك نخر إبليس نخرته الثانية.
فقد روي أن إبليس اللعين رن أربع رنات : أَوهن يوم لعن...
والثانية حين أهبط إلى الأرض
والثالثة حين بعث محمد (صلى الله عليه واله وسلم) على فترة من الرسل.
والرابعة حين أُنزلت أم الكتاب
وروي أنه نخر نخرتين
حين أكل آدم وحواء من الشجرة
وحين أهبطا من الجنة.
فما الفرق بين الرئة والنخير؟
قالوا بأن الرئة هي الصوت والصياح وإن النخير هو الصوت من الأنف والأول للحزن والثاني للفرح.
وعلى قدر فرح إبليس، كان حزن آدم.
فبعد هبوطه من الجنة إلى الأرض ظل آدم (عليه السلام) يبكي فصار أول البكائين.
ولهذا يقال: البكاؤون خمسة.
آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وعلي بن الحسين.
فأما آدم فبكى للجنة حتى صار في خديه مثل الأودية.
ولكن الله رحم آدم وحواء وتاب عليهما فأهبط لهما جبرائيل (عليه السلام) بخيمة من خيام الجنة فضربها مكان البيت وأنزل آدم من الصفا وحواء من المروة، وجمع بينهما في الخيمة كما ورد في المأثور.
ثم أمرهما الله تبارك وتعالى بالحرث والزرع.
وطرح إلى آدم غرسا من غروس الجنة
فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فقال له إبليس اللعين: يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت بها قبلك؟ ائذن لي أن أكل منه شيئا.
فأبى آدم أن يطعمه [15]
فانصرف اللعين إلى حواء.
فقالت له: إن آدم عهد ألا أطعمك من هذا الغرس لأنه من الجنة ولا ينبغي لك أن تأكل منه.
وكما وسوس الشيطان لهما في الجنة ابتدأ يوسوس على الأرض بعد الهبوط.
وبدأ الصراع بين الشيطان والانسان.
فالشيطان يزين والانسان يهتدى أو يضل.
ويعمل إبليس جاهدا على فرض سلطانه على البشر .. فيغوي الكثيرين
إلا عباد الله المخلصين.
وبعد الحرث والزرع يكون النسل والانجاب يقول البعض بأن الله تبارك وتعالى بعد أن زوج آدم من حواء وولد له عدة بطون أمره أن يزوج بناته من بنيه.
ولكن البعض الآخر يعترضون على ذلك قائلين بأنه يلزم عليه أن يكون الله عز وجل جعل صفوة خلقه وأنبيائه من زواج الاخوة بالأخوات وهو حرام.
فيرد عليهم بأن ذلك لم يكن حراما لأن الشريعة كانت تقتضيه بسبب الضرورة. ويتساءلون في الوقت ذاته: إذن .. فكيف كان النسل البشري؟
فيقال لهم بأن الله تعالى أنزل حوراء من الجنة اسمها (نزلة) فزوجها آدم (عليه السلام) من شيث ثم أنزل حوراء أخرى اسمها (منزلة) فزوجها من يافث وكلاهما ابنا آدم (عليه السلام) فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل ذلك فولد الصفوة من النبين والمرسلين وهناك أيضا من يرى بأن ابني آدم وهما هابيل و قابيل قد زوجهها آدم (عليه السلام) بأمر من الله تعالى بجاريتين من الجن أو بحوريتين من الجنة.
وكل هذا يا عزيزي لدفع شبهة زواج الاخوة بالاخوات؟
نعم أحسنت.
ولكن هذا تترتب عليه شبهة أخرى.
وما هي؟
عدم صفاء الجنس البشري، ومخالفة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]
فما العمل إذن لدفع كل هذا الشبهات؟
دعنا نعد إلى الأثر والتفسير.
جاء في كتاب (الخرائج) عن الشمالي قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يحدث رجلا من قريش.
فقال له : لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلقت إلا في الأرض. وكان آدم (عليه السلام) يعظم الحرم حيث كانا يعيشان في مكة، وإذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وغشيها في الحل ثم يغتسلان ويعودان إلى فناء البيت. فولد لآدم من حواء عشرون ولداً ذكرا وعشرون أنثى، وفي كل بطن ولد و أنثى فأمره الله تعالى أن يزوج الولد من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر وكذلك الأنثى من هذا البطن من الولد من البطن الآخر.
فقال القرشي لعلي بن الحسين (عليه السلام) متسائلا: فأولداهما؟
فأجابه: نعم
فقال القرشي متعجبا فهذا من فعل بعض الملحدين اليوم في بعض بقاع الأرض؟
فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): أليس الله خلق زوج آدم منه ثم أحلها له؟
فأجابه: نعم.
فقال الامام (عليه السلام) : فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك.
وليس هذا بالرأي المرفوض تماما على علاته
ولهذا فقد أخذ به بعض المفسرين.
ولكن الكثيرين يقولون بأنها رواية ضعيفة متناً وسنداً، وأنها تخالف ما عليه عامة المسلمين وأنها مرسلة وتتعارض مع الروايات الأخرى الواردة عن آل البيت
والتي تنص على التحريم وأنها مدسوسة على الامام السجاد (عليه السلام).
فكيف يحل الاشكال إذا ..؟
أن زواج قابيل من حورية وزواج هابيل من جنية كما يقولون لا يتنافى مع قوله تعالى
{اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] فالنفس الواحدة هي آدم (عليه السلام) وزوجها هي حواء.
فماذا يقولون في لفظ المثنى في قوله تعالى {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]
يقولون إن هابيل وقابيل كانا من آدم وحواء، فأن يتزوجا من حورية أو جنية لا يطعن في صفاء الجنس البشري وهو ما يدفع شبهة الزواج بالأخوات.
ويبقى علينا الآن أن نبين لماذا وكيف قتل قابيل أخاه هابيل وماذا عن الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ البشرية.
نعم يا عزيزي لقد ورد في المأثور وعند بعض المفسرين أن السبب كان حقد وحسد قابيل لأخيه هابيل الذي أوصى له أبوه بأمر من الله تعالى.
أحسنت وهذا أوجه عند العقلاء من أن يكون قد قتله بسبب امرأة
امرأة ؟ إنها إسرائيليات أرادوا بها تدليس تاريخ الولاية والوصية وأنها كانت منذ آدم (عليه السلام) إلى الخاتم (صلى الله عليه واله وسلم) وذلك لغايات معروفة
رائع فكيف قتل قابيل أخاه هابيل؟
لم يكن يدري كيف يقتله حتى أتاه إبليس اللعين فعلمه وقال له: ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه
ولكنه واجه مشكلة أخرى وهي كيف يدفنه
والله يا أخي لقد كان قابيل غنيا عن كل هذه المشاكل
ولكنه الحسد من جهة، والشيطان من أخرى
فما اجمل التصوير القرآني لهذه القصة المؤلمة عندما يقول :
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: 27]
{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} [المائدة: 27]
{قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } [المائدة: 27]
{قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِي} [المائدة: 27] ويحاول هابيل المظلوم دفع القتل عن نفسه وهداية أخيه الظالم. فيخاطبه في کلام متواصل:
{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة: 28]
{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [المائدة: 28]
{ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: 29]
{وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29]
ولكن قابيل رفض النصيحة وأبي الهداية.
وبعد صمت لم يطل اتخذ قراره النهائي.
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: 30]
{فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30]
ووقف قابيل مدهوشا أمام جثة اخيه المقتول لا يدري ماذا يفعل بها.
فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه.
قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ولات حين مندم لأنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
لقد قلت يا صديقي آنفا بأن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل هو حسده على الوصية فهل لديك دليل على ذلك؟ مع أن البعض يقول بأسباب أخرى؟
نعم يا أخي، فقد ورد في (الخصال) عن الصدوق عن أبيه بسند صحيح ينتهي إلى الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: لما أوصى آدم (عليه السلام) إلى هابيل حسده قابيل فقتله.
فماذا صار من أمر الوصية؟ هل دفعها آدم (عليه السلام) حينئذ إلى قابيل؟
كلا بالطبع يا عزيزي فالوصية لا تدفع إلى أيد ملوثة بالدم.
إذن.. ماذا حدث؟
يقول الامام الصادق (عليه السلام): وهب الله لآدم (عليه السلام) ولدا وهو المسمى (هبة الله) وهو (شيث) وأمره أن يوصي إليه.
فلماذا لم يقتله قابيل حسدا هو الآخر؟
أحسنت هذا سؤال في محله. وقد كان ما توقعته أنت على وشك الحدوث فهل قتل قابيل هبة الله أيضا؟
كلا فلقد أمر الله تعالى آدم بل الكلام أن يكتم الوصية كما ورد عن الصادق (عليه السلام).
وهل ظل الأمر خافيا على قابيل؟
يبدو يا صديقي أن الأمر لم يدم طويلا.
إذن، فقد علم به قابيل
نعم، فقال لأخيه محذرا: قد علمت أن أباك قد أوصى إليك فان أظهرت ذلك أو نطقت بشيء منه لأقتلنك كما قتلت أخاك
ولكن يا أخي ما هو دخل القربان في الوصية؟
سؤال رائع
وجوابه؟
جوابه عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حيث قال في حديث مسند: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) أن يدفع الوصية إلى هابيل.
يبدو أنه كان الابن الأكبر؟
لا يا صديقي، ليس هكذا. بل كان الابن الأصغر. وكان قابيل أكبر منه.
فالموضوع ليس بالسن إذن؟
أحسنت بل بالاستحقاق.
ولذلك غضب قابيل نعم وقال: أنا أولى بالكرامة.
وكان لابد من حسم القضية.
وهو كذلك. حيث أمرهما آدم (عليه السلام) بوحي من الله تعالى أن يقربا قربانا ففعلا فقبل الله قربان هابیل فحسده قابیل فقتله
فدعنا نواصل إذن ما تبقى من أيام آدم (عليه السلام).
نعم يا أخي. يبدو أنه (عليه السلام) ظل يقوم بدوره كخليفة في الأرض حتى اختاره الله إلى جواره.
أهكذا؟ لقد اختصرت التاريخ في كلمة
لم أختصره أنا ولكن اختصره المؤرخون
والسبب؟
السبب يعود إلى عدم توفر المعلومات الكافية والصحيحة حول ما تبقى من عمر آدم (عليه السلام) سوى أنه ظل يواصل حياته كنبي يحمل رسالة وكإنسان يحمل رسالة أخرى.
فهات ما عندك الآن عن وفاته (عليه السلام).
ليس لدي الكثير. وأما القليل الذي استخلصته من الروايات ومن الآثار التاريخية فهو أن آدم (عليه السلام) مرض عشرة أيام بالحمى وأن وفاته كانت يوم الجمعة لأحد عشر يوما خلت من المحرم.
فكم كانت سنوات عمره؟
قالو في رواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إنه عاش تسعمائة وثلاثين سنة.
فأين دفن آدم (عليه السلام)؟
ذكر السيد ابن طاوس في (سعد السعود) بأن دفنه (عليه السلام) كان في غار جبل أبي قبيس ووجهه إلى الكعبة.
فكيف يزار مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف الأشرف؟
هذا ما سوف أوافيك بخبره بعد قليل.
كلي أذن صاغية لسماع ذلك الخبر.
ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح (عليه السلام)
وهو في السفينة أن يطوف بالبيت[16] أسبوعا.
وما دخل هذا فيما نحن فيه؟
استمع يا صديقي إلى بقية الخبر. فلقد طاف نوح (عليه السلام) بالبيت أسبوعا ثم نزل في الماء إلى ركبتيه بأمر من الله تعالى فاستخرج تابوتا فيه جسد آدم (عليه السلام) فحمله في جوف السفينة[17].
إلى أين؟
إلى باب الكوفة. ثم أخذ التابوت ودفنه في الغربي.
أحسنت يا أخي على هذا التوفيق في جمع الروايات. ولكن أخبرني عن قصة الجريدة التي توضع فوق قبر الميت وأحيانا معه.
قالوا بأن آدم (عليه السلام) لما حضرته الوفاة قال لولده إني كنت أنس بالنخلة في حياتي وأرجو الأنس بها بعد وفاتي فاتخذوا منها جريدا وشقوه نصفين وضعوه معي. ففعل ولده ذلك، وفعلته الأنبياء بعده، ثم اندرس ذلك في الجاهلية، فأحياه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وفعله فصارت سنة متبعة[18].
إنا لله وإنا إليه راجعون. فماذا كان موقف إبليس اللعين وهو كان السبب في مأساة آدم (عليه السلام)؟
جاء في الأثر أنه لما مات آدم بالته السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض، وجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (عليه السلام) فما كان في الأرض من هذا الضرب فانما هو ابن ذاك
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فماذا كان موقف زوجه حواء؟
يبدو أنها كانت تأنس به كما كان يأنس بها.
نعم فلقد شاركته مصيره كله حتى بالموت أي أنها ماتت معه؟
كلا يا عزيزي ولكن بعده بسنة، حيث ورد في الأثر أن حواء ما بقيت بعد آدم (عليه السلام) إلا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت ودفنت إلى جواره.
وهكذا مصير الانسان نعم يا أخي.. من تراب إلى تراب
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]
وتتوالد الأجيال جيلا بعد جيل.
وتبعث الرسل والأنبياء الواحد تلو الآخر.
ويتقدم ركب البشرية نحو الأمام.
وهو لا يخلو أبدا من آدم وحواء.
ولا من هابيل ولا من قابيل
ولا من قربان هذا وقربان ذاك.
ويبقى قوله تعالى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] معيارا للعطاء وميزانا للقبول الى يوم الفصل ويوم الجزاء.
[1] تفسير العياشي: ج1 ص: 216.
[2] النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين (للجزائري) ص: 28
[3] البرهان في تفسير القرآن ج2 ص: 10
[4] المحاسن ج2 ص: 336 (بتصرف).
[5] تفسير العياشي: ج2 ص: 328ح36
[6] بحار الأنوار (ط- بيروت) ج11 ص: 140.
[7] فضائل الشيعة ص: 8.
[8] النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين (للجزائري) ص: 34
[9] تفسير القمي: ج 1، ص: 42.
[10] تفسير القمي: ج1 ص:42
[11] بحار الأنوار (ط- بيروت) ج11 ص: 193
[12] تفسير القمي: ج1 ص:225
[13] معاني الأخبار النص ص: 124-125
[14] تفسير العياشي: ج 2، ص: 11.
[15] الكافي (ط - الإسلامية)، ج 6 ص: 393
[16] كامل الزيارات النص ص: 38. (بتصرف)
[17] الغارات (ط - الحديثة) ج 2 ص: 853. (بتصرف)
[18] تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان) ج 1 ص: 326
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في القصص القرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
