التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
مواضيع متفرقة
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
النبوة لطف
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص226-237
2025-07-31
56
إن الإنسان مخلوق غريب الأطوار، معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله، بل في شخصية كل فرد من افراده، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة اخرى، فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز، من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات، وفطر على حب التغلب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) و (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) إلى غير ذلك من الآيات المصرحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف والشهوات.
ومن الجهة الثانية خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير وضميرا وازعا يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم.
ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستمرا بين العاطفة والعقل ، فمن يتغلب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاما ، والراشدين في انسانيتهم والكاملين في روحانيتهم.
ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية ، والمنحدرين إلى رتبة البهائم.
وأشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها.
فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة ومبتعدين عن الهداية باطاعة الشهوات ، وتلبية نداء العواطف «وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين».
على أن الإنسان لقصوره وعدم اطلاعه على جميع الحقائق وأسرار الأشياء المحيطة به ، والمنبعثة من نفسه ، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضره وينفعه ، ولا كل ما يسعده ويشقيه ، لا فيما يتعلق بخاصة نفسه ولا فيما يتعلق بالنوع الإنساني ومجتمعه ومحيطه ، بل لا يزال جاهلا بنفسه ، ويزيد جهلا أو ادراكا لجهله بنفسه كلما تقدم العلم عنده بالاشياء الطبيعية والكائنات المادية.
وعلى هذا فالإنسان في أشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة ، إلى من ينصب له الطريق اللاحب ، والنهج الواضح إلى الرشاد واتباع الهدى ، لتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللدود اللجوج عند ما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة.
وأكثر ما يشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عند ما تخادعه العاطفة وتراوغه ، ـ وكثيرا ما تفعل ـ فتزين له أعماله وتحسن لنفسه انحرافاتها ، إذ تريه ما هو حسن قبيحا ، أو ما هو قبيح حسنا ، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم ، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميز له كل ما هو حسن ونافع ، وكل ما هو قبيح وضار ، وكل واحد منا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري إلّا من عصمه الله.
ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف ، فضلا عن الوحشي الجاهل ، أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته ، فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه ، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ، ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم ، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفا بهم (رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وينذرهم عما فيه فسادهم ، ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.
إنما كان اللطف من الله تعالى واجبا فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق ، وهو اللطيف بعباده والجواد الكريم ، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لفيض الوجود واللطف ، فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه ، إذ لا بخل في ساحة رحمته ، ولا نقص في جوده وكرمه.
وليس معنى الوجوب هنا أن أحدا يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع ـ تعالى عن ذلك ـ ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك : إنه واجب الوجود (أي اللزوم واستحالة الانفكاك) (أ).
_______________
(أ) هنا مطالب الأول: أن حاجة الإنسان إلى الرسل والأنبياء من جهات مختلفة، وقد عرفت الاشارة والتنبيه عليها، وحيث أراد المصنف إثبات لزوم اللطف في المقام، قال ما حاصله: إن النبوة لطف، واللطف لازم كماله وصفاته، فالنبوة لازمة.
ثم أعاد الكلام في تبيين حاجة الإنسان إلى الرسل والأنبياء ، لأن يتضح صغرى القياس ، وحيث كان غاية الغايات من إرسال الرسل عنده ، هو بلوغ الإنسان إلى درجات السعادة ، لاحظ سبيل تزكية الإنسان ، وشرع من أن الإنسان مركب من نوازع مختلفة ، نوازع خير ونوازع فساد ، وبين تلك النوازع منازعة ، ولا يزال تخادع الأميال والأهواء مع دواع الخير ، من دون مساواة بينهما ، فإن الأولى فعلية بفعلية أسبابها كدعوة الشيطان ومن تبعه نحو الفساد ، بخلاف الثانية فإنه لا سبب لفعليتها نوعا لو لم يكن نبي أو رسول أو إمام ومن تبعهم ، ومن المعلوم ان وجود النبيّ أو الرسول أو الإمام في تلك المنازعة الغير المتساوية من أوضح الألطاف ، فإنهم يزيدون في معرفة الناس بالله والمعاد والمعارف الحقة ، إلى أن تصير دواعي الخير والصلاح ، قبال نوازع الفساد فعلية متعادلة ، ويؤكدون ذلك بالتبشير والتنذير ، والوعد والوعيد ، ويثيرون الفطرة والعقول من القوة إلى الفعلية ، إلى أن لا يسلك سبيل الفساد والضلالة إلّا الشقي.
قال مولانا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع ومهاد تحتهم موضوع» (1).
هذا مضافا إلى أن وجود الأنبياء والرسل اسوة في الكمالات الإنسانية ، وله سهم كبير في فعلية دواعي الخير في نفوس الناس وجذبهم نحو السير. والسعي نحو الكمال ، كما لا يخفى.
هذا كله تمام الكلام في الصغرى ، وأما الكبرى فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
الثاني: في معنى كون البعث وإرسال الرسل رحمة ولطفا في حق العباد. فاعلم أن المراد من كون ذلك لطفا ليس إلّا ما يتمكن به الإنسان ، من سلوك اختياري في طريق السعادة ، إذ بدون هذا اللطف لا يعلم الطريق حتى يسلكه ، ويجتنب عن طريق الضلالة ، فالبعث وإرسال الرسل هو اللطف الممكن الذي لا يستغني عنه الإنسان أصلا ، لا ما اصطلح في علم الكلام ، فإن المراد منه هو اللطف المقرب لا الممكن ، ولذا عرفوه بأنه ما يقرب العبد إلى الطاعة ، ويبعده عن المعصية ، ولا حظ له في التمكين ، ولا يبلغ الالجاء، ومثلوا له بمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه مع كونه مكلفا بالإجابة ، ومتمكنا من الامتثال لا يجيبه إلّا أن يستعمل معه نوعا من التأدب فالتأدب المذكور يقرب المكلف إلى الامتثال ويبعده عن المخالفة ، فإذا كان للداعي غرض صحيح في دعوته ، يجب عليه التأدب المذكور تحصيلا لغرضه ، وإلّا نقض غرضه الصحيح وهو قبيح عن الحكيم.
ومن المعلوم ان الإنسان بالنسبة إلى سلوك طريق السعادة والاجتناب عن طريق الضلالة ، ليس كالمدعو الذي ذكر في المثال متمكنا عن الإجابة والامتثال ، فإن الإنسان لا يعلم بجميع ما يصلح له وما يضره إلّا بالبعثة وإرسال الرسل ، فجعل البعث وإرسال الرسل لطفا بالمعنى المذكور في الكلام ، تنازل عن درجة الحاجة إلى البعثة بلا وجه ، إذ حاجة الإنسان إليها أشد وأزيد من ذلك.
وعليه فلا مورد لتعبير المصنف حيث قال في بيان الحاجة إلى البعثة : «ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف ، فضلا عن الوحشي الجاهل ، أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ، الخ» فإنه مع عدم العلم بالطريق لا يتمكن من الوصول ، لا أنه يتمكن ولكن يعسر عليه فلا تغفل.
الثالث : في وجوب اللطف ولزومه ، وهو كبرى القياس ، ولا يخفى عليك أن الأدلة الدالة على وجوبه متعددة.
منها : ما أشار إليه في المتن من برهان الخلف ، فإن اللطف مقتضي كونه تعالى كمالا مطلقا ، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لذلك الفيض ، كما هو المفروض ، فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه ، إذ لا بخل في ساحة رحمته ، ولا نقص في وجوده وكرمه ، ولا مصلحة في منعه ، وإلّا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا ، أو عدم حاجة الإنسان إلى البعثة وكلاهما ممنوعان.
وبعبارة اخرى : إن حاجة الإنسان إلى البعثة كما عرفت ، أشد من الحاجة إلى كل شيء آخر ، كانبات الشعر على الاشفار وعلى الحاجبين وتقعير الأخمص من القدمين ، وغير ذلك ، فإن الإنسان بدون البعثة لا يتمكن من السلوك نحو الكمال اللائق به ، والنيل إلى السعادة في الدارين.
فحينئذ نقول كما قال الشيخ أبو علي بن سينا : فلا يجوز أن يكون العناية الاولى وعلمه تعالى بنظام الخير ، تقتضي تلك المنافع ، ولا تقتضي هذه التي هي اسها ، مع أنه لا مانع من وجود الأنبياء والرسل ، لتعليم الناس ما يصلحهم وما يضرهم ولتزكيتهم وسوقهم نحو سعادتهم في الدنيا والآخرة ، بل مقتضى كماله وعلمه وقابلية المحل وعدم وجود المانع ، هو الاقتضاء المذكور والافاضة ، وإلّا لزم الخلف في كونه عالما بنظام الخير وكمالا مطلقا ، هذا مضافا إلى لزوم تكليف الناس بما لا يطيقون ، من السلوك نحو السعادة والكمال في الدارين ، من دون ايجاد شرطه ، وإلى نقض الغرض من خلقة الإنسان للاستكمال والنيل إلى السعادة ، مع عدم اعداد مقدماته ، ومن المعلوم أنهما لا يصدران عن الكمال المطلق ، وإلّا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا.
ومنها : ما استدل به في علم الكلام من نقض الغرض وتحصيله. قال المحقق الطوسي ـ قدس سره ـ : «واللطف واجب لتحصيل الغرض به». قال العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ في شرحه : «والدليل على وجوبه أنه يحصل غرض المكلف ، فيكون واجبا ، وإلّا لزم نقض الغرض. بيان الملازمة : أن المكلف إذا علم أن المكلف لا يطيع إلّا باللطف ، فلو كلفه من دونه ، كان ناقضا لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلّا إذا فعل معه نوعا من التأدب ، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب ، كان ناقضا لغرضه ، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض» (2).
قال المحقق اللاهيجي في تقريبه : «إن ترك اللطف نقض للغرض ، ونقض الغرض قبيح ، فترك اللطف قبيح» (3) وهو تعالى لا يفعل القبيح. ثم لا يخفى عليك أن مبنى الدليل المذكور هو الحسن والقبح العقليين ، كما أن مبنى الدليل الذي ذكره المصنف هو برهان الخلف.
ومنها : ما استدل به المحقق اللاهيجي ـ قدس سره ـ من وجوب الأصلح فيما إذا لم يكن منافيا لمصلحة كل النظام ، لأن علمه تعالى يقتضي وقوع النظام على أتم وجوهه ، لأنه مبدأ كل خير ولا مانع منه (4).
وتقريب ذلك الدليل بأن يقال : إن اللطف على الأقل أصلح ، فيما إذا لم يكن منافيا لمصلحة كل النظام ، كما هو المفروض في البعثة وارسال الرسل ، والأصلح مما يقتضيه علمه تعالى ؛ لأنه مبدأ كل خير ، ولا مانع منه ، فاللطف مما يقتضيه ، ولا بد من وقوعه ، وإلّا لزم الخلف في كون علمه تعالى يقتضي وقوع النظام على أتم وجوهه ، وهذا التقريب يقرب من التقريب الأول الذي أشار إليه المصنف كما لا يخفى.
وهنا تقريب آخر عن المحقق اللاهيجي أيضا وهو : أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه ، لكان الإمساك عن الاصلح وافاضة غير الأصلح قبيحا ؛ لأن ترك الأصلح وأخذ غير الأصلح مذموم عقلا ، فنقول بطريق القياس الاستثنائي : إذا كان ترك الأصلح قبيحا ، كان وجود الأصلح واجبا ، ولكن ترك الأصلح قبيح فيكون وجود الأصلح واجبا (5).
بل هنا تقريب خامس وهو : أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه ، لكان الامساك عن الأصلح وإفاضة غير الأصلح ممتنعا ؛ لأنه ترجيح للمرجوح ، وهو ممتنع ؛ لأنه يرجع إلى ترجح من غير مرجح ، وإليه أشار المحقق اللاهيجي في ضمن التقريب السابق فراجع (6).
ولا يخفى أن الصغرى ليس كل أصلح ولو كان مقرونا بالمانع ، بل الأصلح الخاص ، وهو الذي لا يكون مقرونا بالمانع مع وجود داعيه ، وبهذا التقييد المذكور لا يرد عليه شيء من الايرادات ، وبقية الكلام في محله (7).
وإرسال الرسل سواء كان ممكنا كما قلنا أو مقربا أو أصلح ، واجب بالتقريبات المذكورة فتدبر جيدا.
الرابع: في عمومية مقتضى البرهان ، إذ برهان اللطف سواء كان بمعناه الفلسفي أو الكلامي ، يقتضي لزوم اتمام الحجة على الناس وارشادهم وتزكيتهم في جميع الأدوار والأمكنة ، ولذا نعلم بأن ذلك لا يختص بمناطق الحجاز والشامات والعراق وايران ونظائرها ، إذ التكليف أو الغرض ، وهو نيل الإنسان إلى كماله اللائق به والسعادة في الدارين ، لا يختص بقوم دون قوم ، بل كل مكلفون ومنذرون ، كما نص عليه في قوله عزوجل : «إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» (8). حيث أفادت الآية الكريمة أن لكل جامعة من الجوامع البشرية نذيرا. نعم ، القدر المتيقن منها ، هي الجامعة التي لا يمكن لهم الارتباط بالجامعة الاخرى ، بحيث لو اكتفى بارسال الرسول في غيرها لا يبلغهم دعوة النبي المرسل ، ولا يمكنهم الاطلاع من دعوته.
وعليه فنعلم بشمول دعوة الرسل لجميع أقطار الأرض وأدوار التأريخ ، وإن لم نعلم تفصيل ذلك فانقدح مما ذكر أن دعوى عدم شمولها لبعض القارات كقارة أمريكا مجازفة.
ولقد أفاد وأجاد الإمام البلاغي ـ قدس سره ـ في الجواب عمن أنكر شمول دعوة الأنبياء لبعض القارات بقوله:
«ما كنت أظن أحدا يقدم على هذه الدعوى النافية بالكلية إلّا أن يستند فيها إلى إخبار نبوي ، أو يدعي النبوة ، أو أنه إله متجسد ، فإن دعوى العلم بمثل هذا النفي ، لا يكفي فيها الجهل ، فما هي الحجة القاطعة على هذه الدعوى الكبيرة؟ ولا يحسن التشبث لها بخلو التوراة الرائجة من ذكر أمريكا ونبواتها ، وذلك لجواز أن لا تكون أمريكا مسكونة في زمان موسى ، بل اتفق العبور إليها من جزائر اليابان أو من بوغاز بيرين أو غير ذلك ، كما ذكر عبور جماعة من «ايسلاند» إلى «كرينلاند» من أمريكا في القرن الثامن أو التاسع للمسيح ، أو لأن ذكر أمريكا ونبواتها لم يدخل في حكمة التوراة الأصلية ـ إلى أن قال ـ : ولا يمكن التشبث بخلو القرآن الكريم من ذلك ، فإن التصريح بذكر أمريكا ونبواتها مما ينافي حكمة القرآن الكريم ومداراته لجهل الناس ، ولكنه بعد أن ذكر الرسل قال في سورة النساء المدنية الآية 162 : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) كما قال في سورة المؤمن المكية الآية 78 : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» فالقرآن صريح بأنه لم يستوعب ذكر الرسل.
ألا وأن المؤمن الذي يعترف لله بعموم الرحمة وقيام الحجة ، لا بد له من أن يذعن اجمالا بعموم الرحمة وقيام الحجة على أهل أمريكا وإن لم يعرف وجه ذلك تفصيلا ، وأن التاريخ يذكر عن قارة أمريكا بنوعها وأقطارها قبل انكشافها شيئا من التدين بالإلهية والعبادة والصلاة والصوم والمعمودية ، والاعتماد على المخلص والتخليص من الجحيم ، واغواء الشيطان وبقاء النفس بعد الموت ، وغير ذلك من التقاليد كما في المكسيك والبيرو والبرازيل وكندا ومايانوا كاتلن والاير وكويسبين وأديسيوا والاحبوايو ونوع أمريكا ، وهذا يقوي الظن بأن مادة هذه التعاليم والديانات إنما هي من دعوة نبوية رسولية نشأت في قارتهم أو بلغتهم من قارة اخرى ، ولكن الاهواء شوهت صورتها بتلويث التوحيد بالتثليث والعبادة الأصنامية ، وتأليه البشر ، ويلزم من هذه الأهواء تبديل الشريعة كما هي العادة الأهوائية ، وابتلاء الأديان بعواصفها الوبيئة ـ إلى أن قال ـ : ثم إن كان نظر الكلام إلى بلوغ دعوة الإسلام إلى أمريكا ، فلا يعلم تأخره إلى حين اكتشافها ، ومن الممكن بلوغ الدعوة حينما ارتبطت «كرينلاند» بحماية تزوج وكثرة تردد أهل الشمال إليهما كما يقال ، ولا يلزم في بلوغ الدعوة وصول مبشريها ، بل يكفي في بلوغها وقيام الحجة في لزوم النظر في أمرها مجرد وصول خبرها ، وإن كان من جاحديها ، ولو قلنا بتأخر بلوغها إلى أمريكا إلى حين اكتشافها ، لم يلزم من ذلك إلّا كون الفترة عندهم ، أكثر من الفترة في أقطار القارات الاخر حسبما اقتضته حكمة الله في الإرسال ، وسير الدعوة بالمسرى الطبيعي العادي في الأقطار» (9) وهو حسن ، ولكن كلامه الأخير لا يخلو عن التأمل والاشكال ، فإن الفترة بدون حجة الله ممنوعة.
نعم هنا احتمالات اخر : أحدها : أن يكون من سكن فيها من نسل من خرج عن دار الإيمان إلى دار الكفر ، ثم اتفق عبوره إليها وسكن فيها بالاختيار أو الاضطرار ، فإنه عصى بخروجه عن دار الإسلام التي يمكن إقامة شعائر الايمان فيها ، ومن خرج عمدا عنها إلى دار الكفر التي لا يمكن له إقامة شعائر الايمان فيها ، لا يستحق بعصيانه أن يأتيه دعوة الأنبياء ، وهذا الحرمان أمر يتحقق من نفسه في حق نفسه وفي حق نسله ، فهو ظالم لنفسه ولنسله في هذا الحرمان.
وثانيها : أنه كانت هذه القارة متصلة بقارة اخرى التي جاءتهم دعوة النبي ، ثم انفصلت عنها ، كما احتمل ذلك في علم الجغرافية على المحكي ، فتأمل.
وثالثها : أنه جاءهم الأنبياء والحجج ، ولكن قتلوهم ولم يقبلوهم ، وكيف ما كان ، فلا مجال لدعوى نقض البرهان بمثل هذا ، فإن غايته أنه مجمل ولا يرفع اليد عن المعلوم بالمجمل ، بل يحمل المجمل على المبين.
__________________
(1) نهج البلاغة : صبحي صالح ، الخطبة 1 ، ص 43.
(2) شرح تجريد الاعتقاد : ص 324 ـ 325 الطبعة الحديثة.
(3) سرمايه ايمان : ص 79 الطبعة الحديثة.
(4) گوهر مراد : ص 250.
(5) سرمايه ايمان : ص 81.
(6) سرمايه ايمان : ص 81.
(7) سرمايه ايمان : ص 81.
(8) فاطر: 24.
(9) انوار الهدى : ص 124.
الاكثر قراءة في اللطف الالهي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
