الفرعون بطليموس الأول سوتر
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 169 ــ 172
2025-07-21
472
على الرغم مما لدى الباحثين في تاريخ البطالمة من مصادر إغريقية كثيرة فإنه لا تزال بعض المسائل يشوبها الغموض والإبهام والسبب في ذلك قلة التواريخ الأكيدة وبخاصة في عهد «بطليموس» الأول ، يضاف إلى ذلك أن الفترة التي سبقت عهد بطليموس في العهد الفرعوني كانت ولا تزال موضع جدال ونقاش بين المؤرخين والواقع أن تحديد تاريخ وثائق ديموطيقية من عهد «بطليموس» الأول يعد من الأمور المعقدة بسبب صعوبات التأريخ في هذا العهد، وربما تُحَل هذه الصعوبات بدورها عندما نعثر على براهين جديدة من الوثائق الديموطيقية، والحوادث التاريخية التي تهمنا هي اعتراف ببطليموس سوتر فرعونًا على مصر، ثم نزوله عن العرش لابنه «بطليموس» الثاني (أو كما يسمى حديثا «فيلادلفس» وذلك لأن هذا اللقب لم يطلق عليه قط مدة حياته بل هو اسم اخترعه المؤرخون للتمييز بينه وبين والده بطليموس الأول فقد كان كل منهما يُدعى بطليموس وحسب) أو تنصيبه لبطلیموس ابنه شريكا له في الملك ثم موته.
ولأجل أن نتتبع خيوط هذا الموضوع المعقد يجدر بنا أن نرجع إلى الوراء بعض الشيء أي منذ موت «الإسكندر الرابع والواقع أن أحدث وثائق عن «الإسكندر» الرابع (الذي كان قد أصبح حكمه للبلاد بعد قتله في عام 311 ق. م أسطورة) اثنتان مؤرختان بالسنة الثالثة عشرة شهر هاتور = 6 يناير 4 فبراير ، هذا ويقال بوجه عام إن «بطليموس الأول» قد اتخذ لنفسه لقب الملك عام 305 ق.م، ولكن لما كان من غير الجائز أن يستمر الكتاب المصريون في تأريخ وثائقهم بعهد «الإسكندر الثاني بعد موته فمن المحتمل إذن أنه قد تولى عرش الفراعنة في عام 304 ق . م، هذا ويدل «قانون» بطليموس الجغرافي الذي يجعل مدة حكم الإسكندر الثاني اثنتي عشرة سنة، على أن «بطليموس» الأول قد أصبح فرعونًا في خلال السنة المصرية (7 نوفمبر سنة 305 - 6 نوفمبر سنة 304 ق.م)، يضاف إلى ذلك أن كلا من «ديودور الصقلي» و «بروفيري» و«مارمور-باریوم» Marmor-Parium يجعل السنة 305 - 304 ق.م، وفق حساب كل منهما بداية حكم «بطليموس الأول». وتدل شواهد الأحوال على أن «بطليموس» الأول قد تُوج فرعونًا على مصر بالاسم وبالفعل عام 304 ق.م، ولكن في الوقت نفسه نجد أن وثائق إغريقية قد أُرخت بنظام مزدوج أي بسنة تتويج «بطليموس» ملكا وبسنة ولايته شطربة على مصر، وذلك أنه في عام 1906 ميلادية عُثر على ثلاث برديات إغريقية مؤرخة على التوالي بالسنين 40، 41 شهر أرتميزيوس Artimesius و 41 شهر هيبربراتايوس Hyperberataios، وعلى ذلك نجد هنا أن الكتاب الإغريقيين في «الفنتين» كانوا يحسبون سني حكم «بطليموس» بوصفه ملكا على مصر منذ أول توليته شطربة على مصر في عام 323 ق.م أي في السنتين المصريتين 324-323 ق.م أو 323-322 ق.م، لا من أول التاريخ 305 - 304 ق.م أي عندما أعلن نفسه فرعونًا رسميًّا على أرض الكنانة، وعلى حسب هذه القاعدة إذن فإن الوثيقة التي كتبت في عام 305-304 ق.م قد أُرّخَتْ على حسب طريقة التأريخ اليوناني بالسنة 20 أو 19 من عهد بطليموس الأول، وعلى ذلك يكون «بطليموس» قد حسب بداية حكمه من 324-323 ق.م، ولكن الأثري «روبنسون» يقول: إنه لما كانت سنو حكم «فليب أريداوس» و«الإسكندر الرابع» قد استعملت في تأريخ كثير من الوثائق حتى عام 306-305 ق.م (والواقع حتى عام 305 - 304 ق.م) فإنه لا توجد وثيقة من عهد «بطليموس الأول» بأقل من عام 19 من حكمه دون أي تخصيص آخر غير اسم «بطليموس» إذن فلا بد أن تكون من عهد بطليموس آخر بعده.
وعلى ذلك فإن هذه النظرية تحرم «بطليموس سوتر» من كل الوثائق الديموطيقية تنسب إليه عادة إلا وثيقتين مؤرختين بالسنة الواحدة والعشرين من حكمه، ولكن مما تجب ملاحظته هنا في الحال أن هذه الوثائق الديموطيقية قد وزّعت على السنين من 4-21 من حكم «بطليموس الأول» وأنه في العام الواحد والعشرين من حكمه (وذلك على حسب قانون «بطليموس» الذي يقدر سني حكم هذا الفرعون بعشرين سنة كاملة) قد نزل «بطليموس الأول» لابنه «بطليموس الثاني» (أو أشركه معه في الحكم) وعلى ذلك توجد وثائق مؤرخة حتى السنة الأخيرة من حكمه منفردًا (ولكن ليس بعد هذا التاريخ) هذا إذا فرضنا أنه عد سني حكمه على عرش مصر منذ اللحظة التي أصبح فيها ملكًا عام 304 ق.م، وعلى ذلك فإنه إذا اجتمع في وثيقة واحدة الألقاب التامة التي كانت تميز بطليموس الأول، هذا بالإضافة إلى تحديد تاريخ خط الوثيقة وسياق متنها وظهر أن جميعها يتمشى مع ما نعرفه عن عصر البطالمة المبكر فإن أية وثيقة من أي سنة حتى عام 21 على الأقل لا بد أن تؤرّخ بعهد «بطليموس سوتر» وهذا ما يتعارض مع نظرية «روبنسون» السالفة الذكر، وهذا الرأي الأخير هو ما ذهب إليه الأستاذ جلانفيل.
وعلى أية حال فإنه على حسب نظام التأريخ المزدوج نجد أن لقب الملك «بطليموس» قد حل محل لقب الشطربة «بطليموس» وهذا معناه تجاهل حكم كل من «فليب أريداوس» و«الإسكندر الرابع ولكن في مصر التي كانت تتمسك بحكم الفرعون نجد أن الكاتب المصري الذي كان يدوّن وثائقه بالديموطيقية قد رفض قبول نظام التأريخ السالف الذكر، فحَسَبَ ملكية «بطليموس الأول» من يوم وضعه تاج الفراعنة على رأسه فعلًا، ومن ثم أصبح لدينا الظاهرة الغريبة، وهي كما قلنا وجود نظامين للتأريخ يُستعملان جنبًا لجنب في زمن واحد وهما يختلفان الواحد عن الآخر بثماني عشرة سنة، ومن المحتمل يوجد بعض الإغريق الذين كانوا يسكنون القرى المصرية قد استعملوا التأريخ على حسب النظام الديموطيقي وذلك مجاراة للأغلبية المصرية التي تسكن الأرياف التي ليس فيها إلا نفر قليل من الإغريق، ولدينا مثال عن ذلك وهو النقش الذي كشف عنه الأثري الإيطالي «فوليانو» في مدينة «ماضي» من أعمال الفيوم ، ويؤرّخ بالسنة الثانية والعشرين من شهر بشنش من عهد «بطليموس سوتر» وتدل قراءته على أنه على أغلب الظن يفضل أن يؤرخ بعام 283 ق.م وذلك لأن مجرد استعمال الشهر المصري وحده دون ذكر ما يقابله في التأريخ المقدوني، وهذا أمر غريب جدًّا لا يكاد يصدق في التأريخ المبكر من عهد البطالمة.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة